بين من يعتبره طوق نجاة ومن يراه اندفاعا نحو هاوية المجهول يتوزع الأسكتلنديون بشأن قضية الانفصال عن المملكة المتحدة، التي عادت لتخيم من جديد على المشهد السياسي في الإقليم الذي صوت سابقا بنسبة 62% لصالح البقاء مع الاتحاد الأوروبي.
ومع ضبابية المشهد فيما ستؤول إليه العلاقة بين لندن وبروكسل، عقب تعثر اتفاق الخروج، تصاعدت حملة الاستقلال مجددا في إدنبرة، وباتت تطغى على حيز هام من نقاشات السياسيين.
وتتمتع أسكتلندا بحكم ذاتي، ويعيش فيها أكثر من خمسة ملايين نسمة حسب تقديرات حكومية، كما تعد مساحتها ثلث مساحة المملكة المتحدة، وتساهم بنحو 10% في اقتصاد البلاد بحكم ثروتها النفطية، وفضلا عن ذلك تضم أكبر قاعدة عسكرية نووية في الجزيرة البريطانية، وكلها مقومات تضاعف من أهميتها الإستراتيجية لدى لندن.
من الخاسر؟
من الخاسر في حال الانفصال، أسكتلندا أم المملكة المتحدة؟ سؤال يتجدد مرة أخرى مع تجدد دعوات الاستقلال في ظل التدافع السياسي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن مفاوضات الخروج من الاتحاد.
ورأت الصحفية الأسكتلندية ليزا درسدن في حديث مع الجزيرة نت أن أسكتلندا قد تكون هي أكبر الخاسرين إذا حدث الانفصال نظرا لارتباط اقتصادها مع باقي المملكة المتحدة.
وأضافت أنه “رغم الثروة النفطية التي يزخر بها بحر الشمال والتي بنى عليها الحزب القومي الأسكتلندي حملته الأولى للاستقلال عام 2014 فإن أسكتلندا مستقلة ستواجه مصاعب اقتصادية كبيرة، بحكم أن معظم صادرات البلاد تذهب إلى باقي دول المملكة المتحدة، كما تعاني المدن الأسكتلندية من نسبة بطالة عالية”.
وأضافت درسدن “لقد اختار الشعب الوحدة قبل ذلك لأنها كانت الخيار المنطقي، وأعتقد أن الاستقلال لن يعني سوى نقل التبعية من لندن إلى بروكسل”.
وكانت منظمة سيرفيشن أجرت استطلاعا للرأي أظهر أن أكثرية الشعب الأسكتلندي تؤيد بقاء البلاد ضمن المملكة المتحدة، حيث دعم 36% استمرار الوضع الدستوري الحالي للبلاد، في حين اختار 32% من الأسكتلنديين الاستقلال وطالب 17% بتعزيز الحكم الذاتي لأسكتلندا، ولكن ضمن المملكة المتحدة.
وعقب المتحدث باسم الحزب حزب المحافظين الأسكتلنديين المعارض آدم توم كنز على نتائج الاستطلاع قائلا “هذا الاستطلاع يظهر أنه لا حاجة لهذا الجدل الدستوري، كل ما يريده الناخبون هو أن يتوقف الحزب القومي الأسكتلندي عن مطالبته بالاستقلال، وأن يركز على تحسين خدمات الصحة والتعليم”.
بين ماي وستيرغن
وبينما يحتد الجدل داخل أسكتلندا حول مطالب الاستقلال ومخاوف الانفصال دخلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على الخط، مؤكدة أن تنظيم استفتاء ثانٍ على الاستقلال “هو آخر شيء نريده الآن، علينا أن نبقى متحدين” تعليقا على مطالب القوميين بإجراء استفتاء جديد.
وقد أثارت تصريحات ماي حفيظة رئيسة وزراء الإقليم نيكولا ستيرغن، وعبرت عن غضبها قائلة “أعتقد أن رئيسة الوزراء تخاف من نتائج الاستفتاء فهي تعرف أن استقلال أسكتلندا أصبح أقرب من أي وقت مضى”.
وكانت الحكومة قد علقت على موافقة البرلمان الأسكتلندي على الاستفتاء في بيان قالت فيه “إنه سيكون من غير المنصف للشعب الأسكتلندي أن يطلب منه اتخاذ قرار حاسم دون أن تكون لديه المعلومات الضرورية بشأن علاقتنا المستقبلية مع أوروبا، أو ما سيكون عليه شكل أسكتلندا بعد الاستقلال”.
القوميون وأحلام الاستقلال
وتمثل قضية استقلال الإقليم الركيزة الأساسية لسياسة الحزب القومي الأسكتلندي صاحب الأغلبية في برلمان أسكتلندا، ويأمل القوميون أن ينجحوا فيما فشلوا فيه قبل خمس سنوات، خاصة مع ما ستحمله عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عواقب اقتصادية قد تدفع المزيد من الأسكتلنديين نحو خيار الاستقلال.
وبدأت حملة الحزب بموافقة البرلمان الأسكتلندي في مارس/آذار 2017 لصالح السماح لرئيسة الوزراء نيكولا ستيرغن بالتقدم بطلب رسمي من الحكومة البريطانية لإجراء استفتاء ثان حول الاستقلال، ولكن تلك الخطوة لا تكفي في هذا السياق، حيث يتعين أن تلحق بموافقة كل من الحكومة البريطانية ومجلس العموم قبل تنظيم أي استفتاء جديد.
بيد أن الحزب القومي تعرض لضربة مؤلمة في الشهور الماضية، بعد احتجاز الشرطة لرئيسه الوزير الأول السابق أليكس سالموند واتهامه بالتحرش والاعتداء الجنسي خلال فترة توليه منصبه.
ورغم استقالة سالموند من الحزب في يوليو/تموز الماضي، فإن المعارضة المؤيدة للوحدة اعتبرت الأمر ضربة قوية للحزب ومشروعه الانفصالي.
ولكن رئيسة الوزراء الحالية نيكولا ستيرغن قللت في تصريحات تلفزيونية من تأثير فضيحة سالموند على مشروع الاستفتاء، واعتبرت أن “قضية الاستفتاء على الاستقلال لا تتعلق بأي شخص، إنها تتعلق بما هو أفضل للبلاد الآن وعلى المدى الطويل، إنها تتعلق بكيفية حماية مصالحنا وبناء الرخاء والعدالة في أسكتلندا”.