لم تكن الهجمات المحدودة التي تعرضت لها الفجيرة والرياض، عابرة، بل استهدفت إيصال رسالة لدول الخليج، خصوصا السعودية، التي استهدفت مرتين، الأولى من خلال ناقلتي نفط تابعتين لها قرب الفجيرة، والثانية في محطة ضخ النفط في الرياض، فحوى الرسالة بتقديري يتمحور حول إشارة أراد الإيرانيون إيصالها لدول الخليج، بأن أمريكا لم تعد قادرة على حمايتهم، وأن الأمن الداخلي للسعودية سيكون عرضة للاستهداف بشدة، إذا قدمت الرياض تسهيلات للأمريكيين في أي عملية عسكرية ضد طهران، وإن كانت تبدو مستبعدة لحد الآن.
الوزن الإقليمي لإيران في المنطقة زاد في السنوات الأخيرة، في المقابل، انخفض الوجود والتأثير الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ لصالح قوتين إقليمية ودولية، هما إيران وروسيا، ومجرد المقارنة بين طبيعة التصادم الأمريكي الإيراني في الخليج بين فترة الثمانينيات واليوم، تعطي فكرة عن الفرق في حماس الطرف الأمريكي للمواجهة العسكرية في الخليج العربي، فقبل سنوات قليلة اعتقل الإيرانيون مجموعة من البحارة العسكريين الأمريكيين من على ظهر زورقهم العسكري، وعرضوا صورهم وهم يتوسلون الجنود الإيرانيين، وطبعا أطلقوا سراحهم بعدها بأيام، بعد استثمار ذلك إعلاميا ودعائيا، لم يكن الإيرانيون يجرأون على اعتقال أو احتجاز أي جندي أمريكي في فترة الثمانينيات مثلا، عندما كانت الصدامات تحدث بشكل متكرر بين الطرفين في مياه الخليج العربي. ففي عام 1988، دمر لغم إيراني فرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية، فأغرق الأمريكيون ثلاث سفن حربية إيرانية ودمروا اثنتين من نقاط المراقبة الإيرانية، ولكن الإيرانيين أدركوا أن المواجهة بالقوات النظامية المباشرة معركة خاسرة غالبا، فاستعانوا باستراتيجية الأذرع الطويلة في الشرق الأوسط، معتمدين على المكونات المرتبطة بالشيعة، وكان لهم أن هيمنوا على مراكز المشرق العربي كاملة خلال خمسة عشر عاما من سقوط البوابة الشرقية، العراق.
النفوذ الذي حققته إيران في المنطقة جعلها أكثر قدرة على المناورة في المفاوضات
في كل من هذه البلدان، العراق سوريا لبنان اليمن، كانت المواجهة بين معسكرين، معسكر مدعوم من إيران ومرتبط بها عقديا وإن بدرجات، ومعسكر مقابل مدعوم من السعودية وقريب من الأمريكيين، وعلى مدى سنوات من النزاع السياسي والعسكري، تمكن حزب الله في لبنان، والأسد في سوريا، والحوثي في اليمن، والمالكي في العراق، تمكنوا من التغلب على المعسكر المقابل، في نزاع تطلب استخدام الكثير من المواجهات الحربية، كانت فيه للأذرع الايرانية من ميليشيات وجماعات مسلحة، اليد الطولى في فرض حلفاء طهران في السلطة .هذه المواجهات الكبرى السابقة، بين حلفاء إيران وحلفاء الدول الخليجية وأمريكا، تمنحنا تصورا عن مستقبل وطبيعة المواجهات المستقبلية بين الأمريكيين وإيران، إن وقعت، فلم يعد في المنطقة مزيد من الحلفاء الأقوياء، الذين يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة إيران. هذه الأذرع التي جربت في مواجهات سابقة، هي من أهم العوامل التي تجعل الولايات المتحدة تتمهل قبل أي صدام مع إيران، لتحسب التكلفة العالية .
كما أن النفوذ الذي حققته إيران في المنطقة جعلها أكثر قدرة على المناورة في المفاوضات، وهو ما قاله مارك دوبوويتر مسؤول مركز الدفاع والديمقراطية المقرب من إدارة ترامب بالملف الإيراني، بأن خبرة الأمريكيين بعد مفاوضات عام 2015 مع الإيرانيين توصلت إلى أن «إيران من الصعب أن تخسر عن طريق المفاوضات». وإضافة للعوامل الداخلية التي تعيشها الإدارة الأمريكية، ووعود ترامب بعدم خوض نزاع عسكري مباشر، وعدم القدرة على تحقيق نتائج محددة ومضمونة من هجوم واسع كهذا لتغيير النظام، فإن المرجح أن الإدارة الأمريكية لن تقدم على الحرب، وإن وجهت ضربة محدودة أو حصل اشتباك محدود فإنه سيبقى عابرا ولا يهدف إلى تغيير النظام» .