فوجئ كثير من العمّال والمهندسين العرب في موقع بحقل لاستخراج النفط والغاز تديره شركة عربية في كازاخستان بهجمات عليهم من قبل زملائهم الكازاخيين، وقد أظهرت الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد تحرك مئات من الكازاخيين باتجاه مواقع عمل العرب ووقوع ضحايا للضرب والسحل الوحشيّ تدلّ على انفلات لغريزة القتل والانتقام الجماعي.
الأخبار الواردة من كازاخستان تقول إن عمليات الهجوم اندلعت على إثر صورة «سيلفي» لأحد العمال اللبنانيين مع زميلة له كازاخيّة نشرها على صفحته في «فيسبوك» قبل عشرة أيام، وتبع ذلك شريط فيديو بثته النائبة اللبنانية بولا يعقوبيان يعتذر فيه الشاب من الكازاخيين، مع تعليق لها تستنكر فيه «ردات الفعل الوحشية على مجرد صورة تافهة بين زملاء في العمل».
تناظرت هذه الهجمات على مهندسين وعمّال عرب في كازاخستان مع هجمات في حي أكيتيلي في إسطنبول ضد محلات للسوريين، وكان التشابه هذه المرة في وجود إشاعة عن حادثة وقعت بين فتى سوري وفتاة تركية كلاهما في عمر 12 سنة، وكانت حادثة لفظية ولم تتضمن أي اعتداء جنسيّ، لكنّ ذلك لم يمنع العشرات من المهاجمين عن تكسير محلات السوريين في الحي، وحصول حملة ترحيل كبيرة طالت عشرات السوريين في ولايات تركية عديدة ضد من سمّتهم السلطات بـ«المخالفين».
والحقيقة أن الحملة المذكورة ستبدو بسيطة أمام الحملات المستمرة التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون في لبنان، والتي تقوم على تسعيرها أطراف نافذة في البلاد، وعلى قمتها رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره ووزير خارجيته جبران باسيل، بل وتضم أحزاباً وجهات تعلن عادة مواقف معادية للنظام السوري، وتتضمن هذه الحملات إجراءات رسمية لهدم أي تشييدات في 26 مخيماً، وعلى مدار السنوات الماضية تعرّضت مخيمات كثيرة لعمليات حرق وتهجير واعتقالات واسعة لسكانها، وتسارعت في المرحلة الأخيرة إجراءات تسليم معارضين مطلوبين لسلطات نظام بشار الأسد.
بدلاً من الاعتذار عن الاعتداءات الوحشية التي تعرّض لها لبنانيون وأردنيون وعرب في كازاخستان فإن رئيس المقاطعة التي تعرضوا للاعتداءات فيها سمّى ما حصل بـ«الشجار الجماعي» بين عمّال محليين وأجانب، عازياً ما حصل بالاختلافات في ظروف العمل، وبالتالي فقد أعطى المسؤول الكازاخي تبريراً رسميّاً لاعتداء وحشيّ.
والحقيقة أن تصريح المسؤول الكازاخي، على بؤسه، لا يمكن مقارنته بانحطاط الخطاب العنصريّ السائد في لبنان، والذي يقوده وزير الخارجية اللبنانية وطاقم طويل عريض من المؤيدين لنظام الأسد، تحت مسمّيات تبدأ من «منع التوطين»، ولا تنتهي بالحديث عن تميّز «الجينات» اللبنانية، والهجوم المسعور على أي شخص يسائل هذه السياسات، كما حصل مؤخراً مع الإعلامية ديما صادق، التي فضحت أن العنصرية في لبنان لا تقتصر على السوريين بل تمتد إلى اللبنانيين أيضا الذين تمنع بعض البلديات تأجيرهم أو بيعهم للعقارات بناء على انتمائهم الديني.
ويظهر اعتماد جمهور الهجمات في كازاخستان وتركيا على قضايا تتعلق بإناث طبيعة التبريرات البدائية التي تعتبر الأنثى موضوعاً للجمهور يقوم عبره الذكور بإثبات رجولتهم البلهاء على أشخاص أبرياء لا علاقة لهم بالموضوع أصلاً، ومن دون أخذ رأي تلك الأنثى نفسها في الاعتبار كما لو كانت أرضاً تعرضت للاجتياح ويتم الدفاع عن حماها بقتل الضعفاء الذين لا يمتون للأمر بصلة وليست إنساناً ذا إرادة قادراً على الدفاع عن نفسه والتعبير عما يريد.
القدس العربي