معمر فيصل خولي
بدون الخوض في الأسباب التي قادت منطقة الشرق الأوسط إلى أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أو في تفاصيل الحرب التي استمرت لأكثر من عام على غزة، شهدت المنطقة تطورات كبرى، أبرزها انخراط حزب الله في الحرب بوصفه “جبهة الإسناد”. ونتيجة هذه الجبهة، اغتالت إسرائيل بعض قيادات الحزب، لعل من أبرزهم في حينه، اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر في 30 تموز/ يوليو الماضي الماضي. أما الضربة القاسية التي تعرض لها الحزب حينما هاجمت إسرائيل أجهزة الاستدعاء ” البيجر” الخاصة بعناصر حزب الله، وكان هذا الهجوم من أقوى الاختراقات التي تعرض لها الحزب حرب عام 2006م، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل اغتالت العديد من قيادات العسكرية والأمنية، فهذه التطورات الأمنية والعسكرية كانت بمثابة بداية حرب ثالثة بين إسرائيل وحزب الله.
وفي خطابه الأخير اعترف حسن نصر الله بهذا الاختراق، وتحدى قيادات إسرائيل بأنه لا يمكن عودة المستوطنين الإسرائليين إلى مستوطناتهم في شمالي إسرائيل قبل وقف إطلاق النار في غزة مهما بلغت التضحيات. فجاء الرد الإسرائيلي سريعًا على هذا الخطاب باغتياله واغتيال صفي الدين هاشم، إلى جانب تدمير الضاحية الجنوبية، التي تعد مركز الرئيسي للحزب، ونزوح العديد من أبناء لبنان من المناطق الحدودية مع إسرائيل مما شكّل ضغطًا على حزب الله بشكل خاص وحكومة اللبنانية بشكل عام.
وفي خضم هذه التطورات، وبوساطة أمريكية، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وهو اتفاق يرى كثيرون أنه يمثل هزيمة للحزب، خاصة وأنه كان يربط وقف عملياته العسكرية في شمالي إسرائيل بوقف الحرب على غزة. إلا أن اغتيال أمينه العام السابق، وقبول الحزب باتفاق وقف إطلاق النار دون تحقيق هذا الشرط، اعتُبر بمثابة تنازل كبير. وبذلك كسب نتنياهو التحدي.
أولًا: التحدي والفرصة
شكّلت أحداث السابع من أكتوبر 2023 صدمة غير مسبوقة لإسرائيل على المستويات النفسية، العسكرية، والسياسية. فمنذ تأسيسها عام 1948، لم تواجه إسرائيل تحديًا بهذا الحجم. ومع ذلك، استطاعت مع مرور الوقت تحويل هذه الصدمة إلى فرصة استراتيجية.
شنت إسرائيل حربًا قاسية على غزة لم تستهدف فقط البنية التحتية لحركة حماس، بل طالت الأعيان المدنية” المدارس، الجامعات، المسشفيات، التجمعات السكانية”. ولم تكتفِ بذلك، بل امتدت عمليات الاغتيال إلى خارج غزة، حيث طالت قادة بارزين مثل صالح العاروري في بيروت وإسماعيل هنية في طهران. كما طالت الاغتيالات قيادات الصف الأول لحزب الله في لبنان، مثل حسن نصر الله وفؤاد شكر، مما أضعف المحور بشدة.
ثانيًا: محور المقاومة بين الشعارات والواقع
لطالما تغنّى أنصار “محور المقاومة” بوحدة الموقف والساحات في مواجهة إسرائيل. لكن أحداث السابع من أكتوبر كشفت عن ضعف هذا المحور وتباين أدواره.
• جبهة الإسناد اللبنانية: جاءت مشاركة حزب الله متواضعة مقارنة بحجم الدمار الذي لحق بغزة.
• الدور الإيراني: اقتصر على ردود فعل تتعلق بالحسابات الإيرانية وليس لها علاقة بما يحدث في غزة، لذلك لم يستهدف صانع القرار الإيراني إسرائيل إلا بعد استهداف قنصليتها ومقتل ضباطها في سوريا.
• الفصائل العراقية والحوثيون: لم تكن هجماتهم على إسرائيل كافية لإحداث أي تغيير في مسار الحرب.
• الموقف السوري: بقي النظام السوري غائب عن الأحداث، مكتفيًا بدور المتلقي للضربات الإسرائيلية دون أي ردود فعل تُذكر.
خاتمة:
أثبتت الوقائع أن مفهوم “وحدة الساحات” كان مجرد شعار إعلامي يفتقر إلى أرضية واقعية. ومع تراجع أداء “محور المقاومة”، يبدو أن ميزان القوى في الشرق الأوسط يتجه لصالح إسرائيل بشكل غير مسبوق، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل المنطقة وأدوار الفاعلين فيها.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية