وجّه المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، انتقادات لاذعة إلى جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لترتيب لقاء مباشر بين نظيريه الأميركي دونالد ترمب والإيراني حسن روحاني، مشدداً على موقفه الرافض أي محادثات مع الولايات المتحدة، ووصفها وباريس بأنهما «عدوان لدودان»، وذلك قبل يوم من الذكرى الأربعين لاقتحام السفارة الأميركية في طهران.
وقال خامنئي إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «يعدّ أن حل مشكلات إيران في لقاء ترمب. يجب أن أقول إن هذا الشخص (ماكرون) إما ساذج جداً، أو متواطئ مع الأميركيين» بحسب «رويترز».
ولفت المرشد الإيراني أيضاً إلى الطريق المسدودة التي وصلت إليها الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بعد لقاءات ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وعدّ أنّ ذلك «يدل على أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به» وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وحاول ماكرون الترتيب لاجتماع بين ترمب وروحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنه لم يفلح في مسعاه هذا. ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن خامنئي قوله: «أحد سبل الحد من التدخل السياسي لأميركا هو رفض إجراء أي محادثات معها. هذا يعني أن إيران لن ترضخ لضغوط أميركا… من يعتقدون أن المفاوضات مع العدو ستحل مشكلاتنا مخطئون مائة في المائة».
ووصلت العلاقات بين البلدين إلى طريق مسدودة على مدى العام الماضي بعد أن انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني. وعاودت واشنطن فرض العقوبات على طهران بهدف وقف صادرات النفط الإيراني، وقالت إنها تسعى لإجبار طهران على التفاوض على اتفاق أوسع نطاقاً يشمل برنامج الصواريخ الباليستية، والدور الإقليمي الإيراني.
وحظر خامنئي على المسؤولين الإيرانيين عقد أي محادثات مع واشنطن إلا إذا عادت للاتفاق النووي ورفعت جميع العقوبات.
وتحيي إيران ذكرى اقتحام السفارة الأميركية في طهران الذي وقع بعد فترة وجيزة من الثورة في 1979، بمظاهرات عادة ما تردد الحشود فيها: «الموت لأميركا».
ورسخ احتلال السفارة العداء بين الدولتين. واتهمت إيران الولايات المتحدة بالسعي لإطاحة الثورة، واحتجزت 52 أميركياً في السفارة لمدة 444 يوماً، ووصفتها بأنها «وكر للجواسيس». وقطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد أشهر قليلة من احتلال السفارة على يد المتشددين.
ونقلت «رويترز» عن خامنئي قوله: «لم تتغير الولايات المتحدة منذ عقود… تواصل السلوك العدائي الشرير ذاته والديكتاتورية الدولية نفسها… دائماً ما تضمر أميركا العداء لإيران». وأضاف: «لدى إيران إرادة صارمة وحديدية. لن تترك أميركا تعود لإيران».
وأعلن خامنئي أنّ «المنع المتكرّر للتفاوض مع (الولايات المتحدة) هو من الوسائل المهمّة لإغلاق الطريق أمام دخولهم إلى إيران العزيزة»، وقال إنّ «هذا الأسلوب (…) يغلق طريق الاختراق أمام الأميركيين ويبرز العظمة الحقيقية لإيران واقتدارها أمام الجميع حول العالم، ويُسقط القناع عن العظمة المزيفة للطرف المقابل». وأشار إلى أنّ «التفاوض مع (واشنطن) لا يؤدّي إلى أي نتيجة»، لافتاً إلى أنّه «لا حدود لتوقعات الأميركيين، وهم يستمرّون في طرح مطالب جديدة» من إيران، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وتابع خامنئي أن الأميركيين «يقولون: لا تنشطوا في المنطقة وأوقفوا تطوير منظومتكم الدفاعية وتصنيع الصواريخ، وبعد تلبية هذه المطالب سيطلبون (…) ألا نشدّد على قضيّة الحجاب». ورأى أنّ «البعض، ومن بينهم الأميركيون، يعملون على تحريف التاريخ» عبر ربط «عداء (الولايات المتحدة) لإيران بالسيطرة على وكر التجسس»، في إشارة إلى السفارة الأميركية في طهران.
ويتأتى هذا قبل أيام قليلة من إعلان إيران خطوة رابعة من خفض التزامات الاتفاق النووي ضمن مسار الانسحاب التدريجي الذي بدأ منذ مايو (أيار) الماضي بهدف الضغط على الأوروبيين لتعويض خسائر العقوبات الأميركية التي شلت العلاقات البنكية ومبيعات النفط في الذكرى الأولى للانسحاب من الاتفاق النووي.
وعارض حلفاء أوروبيون لواشنطن قرار إدارة ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، لكن تقارير وسائل إعلام بريطانية ذكرت أن آخر اجتماع جرى بين إيران وأطراف الاتفاق النووي على هامش أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة لم يخلوا من توتر. بحسب المعلومات المتوفرة؛ فهذه الدول حذرت من أنها ستكون مجبرة على الانسحاب من الاتفاق النووي وتفعيل آلية «الضغط على الزناد» في الاتفاق.
وانتقد خامنئي كذلك ما وصفها بـ«نزعة انتظار الأجانب» و«تعطل» البلد بسبب انتظار الوعود. وقال: «فترة انتظرنا الاتفاق النووي، وفترة أخرى ننتظر أوامر الرئيس الأميركي لتمديد الإعفاءات كل 3 أشهر المدرجة في الاتفاق، وفترة ما انتظرنا الرئيس الفرنسي وبرامج الفرنسيين، ما يجعل المستثمر والناشط الاقتصادي حائراً، ويدفع البلاد للانكماش والتأخر».
وكان خامنئي يرد ضمناً على تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني التي أثارت جدلاً واسعاً الأسبوع قبل الماضي عندما انتقد «من يعطلون البلد» وطالب بالاستفتاء على القضايا الاستراتيجية في إشارة ضمنية إلى العلاقات مع الولايات المتحدة وانضمام إيران إلى اتفاقيات دولية؛ أهمها اتفاقية «فاتف» لمكافحة غسل الأموال.
«جماعات الضغط» وغسل الأموال
وبالتزامن مع خطاب خامنئي، توجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للرد على أسئلة النواب حول تصريحات أدلى بها قبل عام عن تفشي غسل الأموال في إيران. وقال حينذاك إن معارضة «فاتف» نتيجة «المصالح الاقتصادية»، وقال إن «غسل الأموال أمر واقع في بلادنا، وينتفع منه كثيرون» وتابع: «لا أريد أن أنسب غسل الأموال لمكان، لكن من يقومون بغسل آلاف المليارات، من المؤكد أن لديهم ما يكفي من المال لإنفاق عشرات أو مئات المليارات على الدعاية وافتعال الأجواء في البلاد».
وحاول ظريف أمس إبعاد الاتهام عن كل النظام الإيراني، قائلاً إن النظام «بريء من غسل الأموال»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى تورط «بعض جماعات الضغط» في القضية، ومع ذلك أصر على موقفه السابق، مشيراً إلى «تداول آلاف آلاف مليارات التومانات من غسل الأموال في البلد».
وقال ظريف في الدفاع عن نفسه: «إنها ليست تصريحاتي فقط، وإنما كل المسؤولين يقولون ذلك»، مشدداً على أن «جماعات الضغط» لاعتبارات «المصالح الشخصية» تعارض انضمام إيران.
وقال ظريف: «إذا كان لا يوجد غسل أموال في البلاد ولا تقوم المجموعات الفاسدة بغسل الأموال، فبأي جريمة أُعدم سلطان المسكوكات الذهبية؟!».
وشهد الأسبوع الماضي تلاسناً حول الانضمام إلى اتفاقية «فاتف»، بين الحكومة من جهة؛ والبرلمان ومجلس تشخيص مصلحة النظام والقضاء من جهة أخرى. وتفاخر ظريف بدفاعه عن النظام في خارج البلاد، وعدّه مسؤوليته، مشيراً إلى وصفه بـ«المدافع الأكبر» في حساب وزارة الخارجية الأميركية.
وطلبت الحكومة من البرلمان تمرير لائحتين تسمح بالانضمام إلى «اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة الدولية المنظمة» و«اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (سي إف تي)».
وفي منتصف الشهر الماضي أعطت «مجموعة العمل المالي (فاتف)»؛ الهيئةُ الرقابية العالمية المعنية بمكافحة غسل الأموال، إيران مهلة نهائية تنتهي في فبراير (شباط) المقبل، لاتخاذ تدابير امتثالاً لمعايير مكافحة غسل الأموال وإلا فستواجه إجراءات مضادة.
وربطت فرنسا وبريطانيا وألمانيا التزام إيران وحذفها من القائمة السوداء لـ«فاتف» بقناة «إينستكس» الجديدة للتجارة بغير الدولار مع إيران بهدف الالتفاف على العقوبات الأميركية.
ونقلت صحيفة «اعتماد» أمس عن غلام رضا أنصاري، مساعد الشؤون الدبلوماسية الاقتصادية في وزارة الخارجية الإيرانية: «ستكون رصاصة الرحمة على نظام البنك الإيراني إذا لم تتم المصادقة على لوائح (فاتف)»، محذرا من إن «الجهاز المصرفي الإيراني سيصاب بالشلل إذا لم يتخطَّ هذا الوضع».
ووصف أنصاري «فاتف» بأنها جواز السفر للشبكة المصرفية الإيرانية، وقال: «إذا أراد الجهاز المصرفي الإيراني الاتصال بمنظومة المصارف العالمية، فيجب الانضمام إلى (فاتف)».