لا التوتر بشأن سوريا، ولا قرار مجلس النواب الأميركي الاعتراف بإبادة الأرمن، ولا غيرها من ضغوط منعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حمل ملفات سياسية ساخنة لمناقشتها مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في واشنطن.
ومن المنتظر أن يعقد أردوغان اليوم الأربعاء ملفات التنظيمات التي تحاربها أنقرة وتصنفها ضمن الجماعات الإرهابية، وأزمة صواريخ أس 400 الروسية، وقضية بنك هالك التركي، ومسألة إبادة الأرمن، وملف المنطقة الآمنة التي أطلقت تركيا من أجلها عملية عسكرية تحت اسم “نبع السلام” في شمال شرقي سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها واشنطن.
وكانت تركيا قد أطلقت في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2019 عمليتها العسكرية بعد إعلان الرئيس الأميركي انسحاب قوة أميركية منتشرة في المنطقة، وفسرت هذه الخطوة بأنها ضوء أخضر لأنقرة، لكن ترامب تشدد لاحقا ففرض عقوبات على تركيا، غير أنها رفعت بعد أن علقت أنقرة هجومها بموجب اتفاق أبرم بين أردوغان ومايك بنس نائب الرئيس الأميركي.
لكن ما المتوقع تحقيقه أو التوصل إليه بشأن الملفات العالقة أثناء زيارة الرئيس التركي لوشنطن؟
المنطقة الآمنة
يقول المحلل التركي أوكتاي يلماز إن المسألة الأهم لدى تركيا هي محاربة الإرهاب، إذ “لن تقبل أنقرة بحليف يدعم أعداءها مهما كان الأمر”، في إشارة إلى دعم واشنطن قوات سوريا الديمقراطية.
ويتابع يلماز في حديث للجزيرة نت “نعم، مرت تركيا وأميركا بمراحل صعبة وسيئة سابقا، لكن علاقاتهما الثنائية هي الآن في أسوأ مراحلها، لأن الرئيس الأميركي نفسه يواجه ضغوطات من الداخل ولا يستطيع اتخاذ قرار أو الإبقاء عليه”.
ويستشهد المحلل التركي في ذلك بقرار ترامب الإبقاء على قواته في سوريا بعد بدء عملية نبع السلام بعدما كان قد أعلن انسحابها.
ورغم أن يلماز لا يتوقع أي انفراج في الملفات الشائكة التي سيبحثها أردوغان مع نظيره الأميركي فإنه يؤكد أن “ما يفعله أردوغان هو محاولة لاتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية أمن البلاد”.
الصواريخ الروسية
وبخصوص ملف منظومة الصواريخ الروسية، يقول يلماز إن “هذه مسألة منتهية بالنسبة لتركيا، إذ كانت أنقرة بحاجة لهذه المنظومة، ولا يمكن تغيير الواقع مهما كانت التهديدات الأميركية من فرض عقوبات أو غيرها”.
ويرى الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية محمد ألتن داغ أن تركيا كانت تعلم كل التحديات التي ستواجهها قبل المضي في صفقة شراء صواريخ أس400.
ويضيف ألتن داغ في حديثه للجزيرة نت أن أردوغان يجلس اليوم من موقع قوة على الطاولة، ولا تستطيع واشنطن إجبار أنقرة على التراجع عن شراء المنظومة الصاروخية الروسية، لكن “يمكن أن يتوصل الطرفان إلى تفاهم ما، إنما لن يشمل مثلا ألا تستخدم تركيا الصواريخ الروسية”.
وبشأن عملية نبع السلام، يرى أستاذ العلاقات الدولية أن “ما حققته تركيا من نجاح لم تكن أي جهة دولية تتوقعه، لذا فإن تركيا اليوم أقوى من قبل بكثير”.
إبادة الأرمن
ويرى ألتن داغ أن تصويت مجلس النواب الأميركي نهاية الشهر الماضي على قرار يعترف بإبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية يندرج ضمن ممارسة الاستفزاز والضغط على تركيا بسبب دخولها الأراضي السورية.
وأشار إلى أن الرئيس التركي لطالما أكد استعداد بلاده لتشكيل لجنة متخصصة من خبراء العالم -بمن فيهم الأرمن والأتراك- للتحقيق في هذه المسألة.
ويضيف ألتن داغ أنه “إن ثبت تورط تركيا في الأمر فإن الرئيس سيعتذر وسيعطي الأرمن حقوقهم، لأن الشعب التركي لا يقبل بأي نوع من الإجرام”.
ويصف المختص في الشأن التركي معين نعيم إبادة الأرمن بأنها ورقة قوة بيد تركيا “فهي لا تمانع التحقيق بمسألة الأرمن، وتقول إن الوثائق التاريخية هي المستند الرئيسي”.
ويعتبر نعيم في حديث للجزيرة نت أن ما يحاول الكونغرس فعله هو “الضغط على تركيا سياسيا وإعلاميا، لذا فالأهم من ذلك هو منع استمرار تدهور الأمور في هذا الملف حتى لا تتحول ورقة القوة إلى ورقة ضغط على تركيا في المحافل الدولية، وهو ما يتوقع أن يفعله الرئيس التركي”.
محاربة الإرهاب
أما المسألة الأبرز -وفق نعيم- فهي “دعم واشنطن للإرهابيين، فأميركا ورغم الاتفاق الذي وقع عقب بدء عملية نبع السلام فإنها لم تفِ به، لذا فإن تركيا تشعر بعدم الرضا عن النتائج الحالية”.
وأشار إلى أنه رغم انسحاب القوات الأميركية من الشمال السوري “فإن دعمها للمليشيات أصبح شبه رسمي، وهذا يثبت أقدامهم مجددا، مما سيعود بالخطر على تركيا وسيفشل مشروع المنطقة الآمنة كليا”.
وحسب نعيم، فإن السيناريو المتوقع هو اضطرار تركيا للموافقة على بعض الشروط في ملفات أخرى من أجل تحقيق النصر في مسألة المنطقة الآمنة.
وأشار إلى أنه “قد تضطر أنقرة لتجميد تفعيل منظومة الصواريخ الروسية أو تأجيلها، أو ربما التوصل إلى اتفاق بعدم شراء صفقة جديدة وشراء منظومة باتريوت الأميركية”.