تدريجيا، أخذت مشاركة النساء تتزايد في ساحات الاحتجاج في العراق وأمام المدارس وداخل الجامعات وفي الشوارع، يقفن في خطوط المواجهة مع قوات الأمن، أو يقدمن المساعدات الطبية أو الخدمية في الخطوط الخلفية.
ففي ذلك المكان، يبدو جليا لأي زائر أن النساء أيضا بدأن يحصلن على موطئ قدم لهن في الاحتجاجات، على أمل أن يحققن أهدافهن الخاصة، إلى جانب المطالب العامة.
وبينما يهتف الجميع ضد النخبة السياسية الحاكمة، ويطالبون برحيلها لبناء نظام جديد بعيد عن المحاصصة وسطوة الأحزاب التقليدية؛ تتطلع النساء إلى أبعد من ذلك، عبر سعيهن للانتفاض على القيود القبلية التي تعيق حريتهن إلى حد كبير في بلد لا تزال القبيلة تلعب دورا كبيرا في المجتمع.
للمرأة دور
بان (25 عاما) واحدة من هؤلاء الفتيات اللواتي يصنعن انتفاضتهن الخاصة؛ حيث كانت تجلس في استراحة محارب عقب انتهائها مع أخريات من فرش السجاد الأحمر في أروقة مبنى مهجور يطل على ساحة التحرير، ويعرف باسم “المطعم التركي”، وأطلق عليه المحتجون أيضا اسم “جبل أحد”.
قالت بان -وهي تلهث- “لأول مرة أحس بالانتماء لهذا البلد، وبأهمية وجودي، وبأن الثورة محتاجة وجودنا جميعا”.
صمتت قليلا قبل أن تضيف “ثورتنا هذه المرة لم تكن ضد نظام الحكم فحسب، بل ضد الأنظمة العشائرية القبلية الدينية اللي تسوق أفكارا لتحجيم دور المرأة في المجتمع”.
ولا يبدو أن الموت يشغل بال النساء المشاركات في الاحتجاجات، بل إن ما يثير مخاوفهن أمر مختلف تماما.
الموت والاختطاف
متظاهرة تضع كمامة على أنفها، تحدثت -مفضلة عدم كشف هويتها- عن هذا الهاجس بالقول “ليس لدي أو لدى زميلاتي أي خوف من الموت، لكن ما نخشاه هو الاختطاف أو الاعتقال، لأن الموضوع يتحمل تبعات عائلية واجتماعية”.
وتستشهد بحديثها بما تعرضت له زميلتها (صبا المهداوي) التي اختطفت بعد عودتها من ساحة التحرير. وتضيف “لو كان هناك في البلاد من يحترم الدستور والقانون لما أقدم على اختطافها واعتقالها وإخفائها بهذه الطريقة، رغم كونها لم تقدم سوى المساعدة لإخوانها المتظاهرين”.
ويأتي حديث المتظاهرة قبل الإعلان عن إطلاق سراح صبا، وأكد ضابط في شرطة بغداد أن صبا وصلت إلى ذويها سالمة، مضيفا أن السلطات المختصة لا تزال تحقق للتوصل للجهة التي تقف وراء الاختطاف. وكانت المهداوي اختطفت في الثاني من الشهر الجاري خلال عودتها من ساحة التحرير إلى بيتها.
وتزايدت المخاوف مع تداول ناشطين عراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي خبر اختفاء ناشطة أخرى تدعى ماري محمد.
ويقول المدونون إن ماري محمد اختفت قبل نحو خمسة أيام، ولا أثر لها، لكن أسرتها آثرت الصمت على أمل الوصول إلى خاطفيها قبل حدوث أي ضجة إعلامية.
رغم مخاوفهن من الاختطاف، فإن هذا الهاجس لم يقف حاجزا أمام إقبال متزايد للنساء في الاحتجاجات، بدءا من خط المواجهة الأول وصولا إلى الخطوط الخلفية.
وباندفاع كبير، تحدثت المسعفة الطبية اشتياق (36 عاما)، وقالت “بدأنا نأخذ دورنا وبدأ يكبر، ونحن الآن نقف وسط إخوتنا المتظاهرين في كل ميادين الاحتجاج، فنحن نتواجد على خط المواجهة الأول سواء كمفارز طبية أو لتقديم المساعدة، بالرغم من وجود الرصاص الحي والقنابل الموجهة على رؤوسنا والقريبة منا”.
وتابعت “تتواجد نساء أخريات في الخطوط الأخرى لتقديم الدعم اللوجيستي والطعام وحملات التنظيف وأعمال تطوعية أخرى، وكذلك هناك شابات أسهمن في رسم جداريات، وأخريات أسهمن مع إخوانهن في إصدار جريدة ورقية يومية في ساحة التحرير باسم “تك تك”.
وطالب المحتجون في البداية بتحسين الخدمات وتأمين فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تشمل مطالبهم رحيل الحكومة.
ويرفض رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الاستقالة، ويشترط أن تتوافق القوى السياسية أولا على بديل له، محذرًا من أن عدم وجود بديل “سلس وسريع” سيترك مصير العراق للمجهول.
تجربة عظيمة
“هذه تجربة عظيمة”. هكذا وصفت رغد (ثلاثون عاما) مشاركتها في الاحتجاجات، وتقول “شاركت هذه المرة لأن المظاهرة خالصة للعراق، وليست فيها رموز سياسية أو دينية أو أي أجندة”.
ولم تتوقع رغد أن تجد حملة أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيف ساحة التحرير والمطعم التركي كل تلك الاستجابة السريعة التي حظيت بها.
وفي هذا الصدد، تقول “أطلقت الحملة على مواقع التواصل لتنظيف ساحة التحرير والمطعم التركي، وشارك أغلب الشباب والشابات فيها من دون تردد”.
اعلان
وتكمل -بملامح مطمئنة- “الشباب في ساحة التحرير يفكرون بشكل واع، ويدركون أن التغيير يبدأ حين نتشارك معا رجالا ونساء للحصول على حقوقنا، ونطالب بالتغير معا”.
ويشهد العراق، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات شعبية في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، ومنذ ذلك الوقت، سقط في أرجاء العراق 323 قتيلا، وفق لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، وأكثر من 15 ألف جريح.
الجزيرة