هكذا قدمت أمريكا خدمة لإيران في العراق

هكذا قدمت أمريكا خدمة لإيران في العراق

قال جارد كيلر في موقع “ذا نيوريببلك” إن الوثائق الإيرانية التي كشف عنها الأسبوع الماضي تظهر حماقة المغامرة الإيرانية في الشرق الأوسط.

وأشار إلى المراجعة التي قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية لغزو العراق بعد عقد من الإطاحة بصدام حسين. وبدأت المراجعة تحت إشراف الجنرال ري أوديرنو وانتهت تحت إشراف الجنرال مارك رايلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الحالي وجاءت في مجلدين من 1.300 صفحة، وهي نظرة شاجبة للغطرسة الامريكية حيث انتهت مراجعة البنتاغون بعبارة واضحة: “في وقت نهاية هذا المشروع عام 2018 يبدو أن إيران التوسعية والجريئة هي المنتصر الوحيد”. ونعرف الآن بالضبط كيف حققت طهران النصر وبمساعدة أمريكية كما تظهر البرقيات السرية التي أعدتها المخابرات الإيرانية.

وحصل موقع “ذا انترسيبت” على الوثائق من داخل الاستخبارات الإيرانية ونشرها الأسبوع الماضي بالتعاون مع صحيفة “نيويورك تايمز” وتقدم بطريقة مثيرة وتعيد حكاية كيف استفادت إيران من الفوضى التي تلت الغزو الأمريكي عام 2003 حيث اخترقت إيران النظام السياسي والإقتصادي للبلد. وذكر موقع “إنترسيبت” أن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري وصل الشهر الماضي إلى بغداد لدعم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في وقت كان فيه مئات المتظاهرين يحاصرون الحكومة ويطالبون بالإطاحة به. وبحسب “إنترسيبت” فقد مزقت الولايات المتحددة العراق وعليها تحمل المسؤولية، وفي الحقيقة كانت تريد عراقا محطما وغادرته. و “لكن إيران هي التي بقيت لتتعامل مع القطع التي تركها الأمريكيون وراءهم.

وتكشف الوثائق أن الإيرانيين استفادوا من كل عثرة أمريكية واستخدموها لتوسيع تأثيرهم. فعندما حلت سلطة التحالف المؤقتة الجيش العراقي بناء على سياسة اجتثاث البعث استغلت إيران حمام الدم الطائفي بين السنة والشيعة من أجل دمج الضباط السابقين فيه واستخدامهم.

وعندما بدأت الولايات المتحدة بإعادة بناء المؤسسات التي تحطمت بفعل سياستها قام المبعوثون الإيرانيون ببناء علاقات وتحالفات مع مسؤولين بارزين مثل عبد المهدي. وأعضاء في حكومة حيدر العبادي. ولم تتوقف جهود إيران على العراق بل وحاولت تجنيد عميل داخل وزارة الخارجية الأمريكية. وعندما أعلنت أمريكا عام 2011 عن خطة الإنسحاب من العراق قامت إيران بمحاولات لتجنيد معظم الارصدة الأمنية والعملاء الذي تعاونوا مع المخابرات الامريكية. فقد تركت سي آي إيه عددا من عملائها الذين خدموها طويلا ورمتهم في الشارع بدون عمل وفقراء في بلد حطمه الغزو خائفين على حياتهم بسبب علاقتهم مع الأمريكيين. ولهذا بدأ عدد منهم بالتعاون مع المخابرات الإيرانية وأخبروها كل ما يعرفونه عن عمليات سي آي إيه في العراق. وباع مصدر للإيرانيين كل ما يعرفه عن المخابرات الأمريكية من البيوت الآمنة وأسماء الفنادق ومسؤولي سي آي إيه وتفاصيل عن أسلحته والتدريب الرقابي الذي تلقاه. وأسماء العملاء العراقيين الذين عملوا مع الأمريكيين. ومثل تاريخ البنتاغون عن حرب العراق فالوثائق الإيرانية ليست دليلا على ذكاء الإيرانيين ولكنها شجب لجهود بناء الدول في القرن الحادي والعشرين. وهدم الغزو العراقي الذي جاء محملا بالغطرسة العسكرية الأمريكية كل ملمح من الإستقرار وأشعل الخلافات القديمة التي لم يكن يمكن حلها من خلال دورة قصيرة باللغة الفارسية.

والمفارقة أن مشروع بناء الدول في الشرق الأوسط تحول إلى أداة يستخدمها أعداء أمريكا لتوسيع تأثيرهم. ففي أفغانستان التي تقوم فيها أمريكا بسحب قواتها وسط توسع سيطرة طالبان على البلد. وأثبتت روسيا وإيران القدرة على جلب مسلحي طالبان إلى طاولة المفاوضات، بشكل زاد من تأثيرهما على حساب أمريكا المجهدة. وفي سوريا أدى الخروج السريع للقوات الأمريكية لنفس الفراغ استعرضت من خلاله تركيا وروسيا عضلاتهما. وخلق التخلي عن حلفاء أمريكا الأكراد وضعا مثل تخلي سي أي إيه عن عملائها في العراق، حيث وجد أكراد سوريا أنفسهم في تحالف مع نظام بشار الأسد الرهيب. وتشبه محاولات أمريكا الحديثة لبناء الدولة مثل سارق غريب يدخل بيتا ويقضي 20 عاما لكي ينظف ما تركه. ثم يطلب هذا الغريب مساعدة جيرانه.

القدس العربي