كم هو ملفتٌ تغيّر الأزمان. فقد استهلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في الرابع من كانون الأول/ديسمبر مقالة لها بعبارة: “المملكة العربية السعودية تهدد بزيادة إنتاج النفط…”، ولكن أجّل أيها القارئ ابتهاجك للحظة. فالغرض من خطوة الرياض هذه هو إعادة الانضباط إلى كارتيل “أوبك” للحفاظ على ارتفاع الأسعار، وطموحها هو الحرص فعليًا على تخفيض أعضاء الكارتيل معدلات الإنتاج.
والمنطق خلف ذلك بسيط. فإذا أُبقي الإمداد النفطي منخفضًا، ارتفعت الأسعار. ولكن هذه المعادلة تنطوي على إمكانية حدوث تغيير مفاجئ في مسار الأمور. فإذا انخفض الطلب هو أيضًا، سوف تتراجع الأسعار. وهذه الجُمل القصيرة الثلاثة تختصر التحدي الذي سيواجهه أعضاء “أوبك” غدًا خلال اجتماعهم في فيينا وخلال اجتماعهم اليوم التالي مع مجموعة الدول المنتجة للنفط غير المنتمية إلى “أوبك” والمرؤوسة من روسيا.
وحده الأحمق، أو صاحب الطبع الأهدأ والجيب الأكبر، يراهن على نتيجة هذه الاجتماعات. فإلى أين يتجه الاقتصاد الأمريكي، خصوصًا في ظل غياب اتفاقية حول التعرفة مع الصين؟ وهذا الأمر أيضًا ينطوي على تغيير مفاجئ، فإذا ارتفعت أسعار النفط، يصبح بالإمكان الاستفادة من احتياطي الزيت الحجري الأمريكي. والرقم الأساسي في هذا السياق هو ستون دولارًا لكل برميل نفط. فأي رقم دون ذلك يرجّح تراجع إنتاج الزيت الحجري، وأي سعر فوقه – مع العلم بأن خام برنت الذي هو أحد المعايير الرئيسية يبلغ اليوم نحو 64 دولارًا – يعني تدفق النفط الإضافي.
لا يخفى أن الفترة التي سبقت اجتماعات “أوبك” الماضية كانت تشهد تداول هذا النوع من الأفكار، ولكن هذه المرة ثمة عاملٌ خاص جديد. فيوم الخميس تكتمل عملية الاكتتاب الجزئي بأسهم شركة النفط السعودية “أرامكو”. سوف تسعى الرياض إلى تصوير ما سمّي بالطرح العامل الأولي على أنه نجاح مدوٍّ، في حين أن الحقيقة هي العكس تقريبًا: بدل أن تصبح نسبة خمسة في المائة من الأسهم قابلةً للتبادل في السوق المالية السعودية، لن تتوفر إلا نسبة 1,5 في المائة، أضف إلى أن سعر هذه الأسهم سيكون أقل بكثير مما أمله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لذلك، ستصبّ أسعار النفط المرتفعة في خدمة المظاهر، ولو لفترة وجيزة. لكن تهديد السعودية بالتلاعب بمستويات إنتاج النفط ما هو إلا تذكير بأن “أرامكو” تعمل وفق قرارات سياسية وليس تجارية.
والواقع أن يوم الجمعة لن يكون مجرد “اليوم التالي” للطرح، فهو يحمل تحدياته الخاصة. من الناحية النظرية، كانت روسيا طرفًا في الصفقة المبرمة مع “أوبك” لخفض الإمدادات بمقدار 1,2 برميل في اليوم حتى أواخر شهر آذار/مارس 2020. ولكن شركات النفط الروسية تعمل على أساس تجاري وبالتالي لم تحترم التخفيضات المتفق عليها. وفيما كان الاتحاد السوفياتي في الماضي أشبه بالشيطان بالنسبة للسعودية، تُعتبر روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين شريكًا استراتيجيًا محتملاً – أكثر ثباتًا من أمريكا في عهد الرئيس ترامب مع أنها ربما ليست أكثر أهلاً للثقة.
إذا أمكن التوصل إلى اتفاق إضافي بشأن حدود الإنتاج، من المرجّح أن يستغرق الأمر حتى أواخر أيلول/سبتمبر – بمعنى آخر، حتى موعد الانتخابات الأمريكية. حتى ذلك الحين، هل يعني ذلك استقرار الاقتصاد أم نموه؟ يذكّرنا الاقتصاديون بما يسمّونه “العوامل الخارجية”. بحسب تعريفها، يصعب التنبؤ بتأثير هذه العوامل – على غرار إجراءات عزل ترامب، أو تداعيات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت) على بريطانيا وأوروبا. عند النظر إلى أحداث العام 2019، ما زلنا نحاول فهم تبعات الهجمات الصاروخية الإيرانية على معمل النفط السعودي في بقيق.
لربما تسهم فعاليات فيينا المرتقبة في اليومين المقبلين في توضيح الصورة بعض الشيء، أو لعلها ببساطة تساهم في تكثيف ضبابية الوضع.
معهد واشنطن