كيف وصلت أميركا إلى قرار قتل رجل إيران القوي في المنطقة؟

كيف وصلت أميركا إلى قرار قتل رجل إيران القوي في المنطقة؟

لم تصل الإدارة الأميركية إلى اتخاذ قرار نهائي بقتل رجل إيران القوي قاسم سليماني في الهجوم بصواريخ أطلقتها طائرة مسيّرة على موكبه قرب مطار بغداد الدولي، إلاّ بعد نفاد صبرها من استمرار العناد الإيراني والتصعيد الخطير الذي بدا أنه بلا نهاية، فقد كان الهجوم الأخير الذي دبّرته إيران وحشدت له الميليشيات العراقية الحليفة لها عبر مهندس عملياتها الإقليمية الأول سليماني في الهجوم على أكبر سفارة أميركية حول العالم هو النصل الذي قطع حبل الصبر الأميركي، فضلاً عن التقارير الاستخباراتية الأخيرة التي أكدت أن قائد فيلق القدس كان منخرطاً بصورة نشطة في تطوير خطط لمهاجمة دبلوماسيين وجنود أميركيين في العراق والمنطقة.

العامل الحاسم

بالنسبة إلى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فإن الجنرال سليماني وفيلق القدس، مسؤولان عن مقتل مئات الأميركيين في العراق ودول أخرى في الشرق الأوسط، وجرح آلاف آخرين، حسب بيان الوزارة الصادر في واشنطن، لكن تأكد إدارة الرئيس دونالد ترمب أن سليماني هو من أعطى الضوء الأخضر لاستهداف السفارة الأميركية في العراق مع أول أيام العام الجديد، عامل حاسم، حسب مسؤولين أميركيين، في اتخاذ القرار النهائي بتصفية سليماني وإعطاء درس قاس لإيران بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي هجوم يمكن أن ينال من كرامتها وهيبتها أو بتكرار سيناريو أزمة الرهائن في طهران عام 1979 أو حادثة قتل السفير الأميركي في بنغازي عام 2012.

وحتى قبل اتخاذ قرار التخلص من سليماني، لم تكن الضربات الجوية الأميركية ضد كتائب “حزب الله” العراقية المدعومة من إيران، مدفوعة فقط بحادث الهجوم في كركوك العراقية، الذي أدى إلى مقتل المقاول الأميركي وإصابة أميركيين آخرين، وإنما بتكرار وزيادة وتيرة الهجمات الصاروخية والمدفعية من الميليشيات العراقية التي تحرّكها وتسلّحها إيران ضد منشآت أميركية في العراق، وهو ما كشف عنه قبل ساعات من تنفيذ عملية قتل سليماني، وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الذي قال بوضوح إن قواعد اللعبة تغيّرت، ونحن مستعدون للدفاع عن قواتنا ومصالحنا وشركائنا في المنطقة.

ويقول مراقبون في واشنطن، إن المشهد الذي نقلته شبكات التلفزيون الأميركية من حصار للسفارة الأميركية في بغداد، وإشعال المتظاهرين المدعومين من إيران قنابل المولوتوف في أسوارها وجنباتها واقتحام إحدى غرف الاستقبال في مداخلها ونصب الخيام حول مبنى السفارة، هو أكثر النقاط اشتعالاً في العلاقات الأميركية الإيرانية داخل العراق.

اختبار لإيران

ومثّل استخدام العنف حول السفارة الأميركية، اختباراً جديداً لسياسة ترمب حيال إيران بعد أشهر من تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية ضد طهران عقب إسقاط قوات الحرس الثوري طائرة مسيّرة أميركية، ما قد تكون إيران قد فسرته بالخطأ على أنها نقطة ضعف لرئيس تعهّد لناخبيه بأنه لن يدخل في مواجهات عسكرية خارجية وليس مستعداً لأن ينكث عهده الذي قطعه على نفسه.

لكن الرئيس الأميركي أراد هذه المرة أن يثبت خطأ الحسابات الإيرانية، وأنه ليس الرجل الذي يضع رأسه في الرمال، ويتغاضى عن محاولات إيران استفزازه في وقت يتعرض لمحاولات الديمقراطيين عزله عن مقعد الرئاسة.

أميركا جديدة في العراق

ولأنّ حادث الهجوم على السفارة الأميركية، أشعل أيضاً توتراً آخر غير مسبوق مع الحكومة العراقية التي ظلت تسعى إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة كزعيمة للعالم الغربي، ولكن مع تكريس علاقتها مع إيران جارتها المؤثرة في سياستها، قررت الولايات المتحدة إدخال تغييرات جديدة على سياستها داخل العراق، واقترح الوزير إسبر خلال لقاء له مع شبكة “فوكس نيوز” التلفزيونية تغييراً محتملاً في استراتيجية الولايات المتحدة داخل العراق، مشيراً إلى أن “داعش” هُزم ولم يبق سوى فلول له، وأن الإدارة الأميركية تستهدف ردع السلوك الإيراني السيئ الذي استمر 40 عاماً.

لكن إسبر رفض التعقيب على سؤال حول ما إذا كانت إيران في حاجة إلى “لكمة أميركية في الأنف” تتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وكلمات التهديد والوعيد الصارمة، قائلاً إن الوقت قد حان كي تبدأ إيران بالتصرف كدولة عادية.

وعلى الرغم من التحذيرات من رد إيراني عنيف، وعدم وضوح موقف الحكومة العراقية من قتل سليماني أو مدى قدرتها على مقاومة الضغوط الإيرانية التي ربما تدفع بغداد إلى طلب سحب القوات الأميركية من البلاد، فإن الولايات المتحدة تأمل في أن تكون التهديدات الأميركية الصريحة بأن ردها سيكون قاسياً رادعاً لمتخذي القرار في طهران، ورسالة بأن السياسة الأميركية تجاه إيران لم تعد كما كانت في الماضي، وأن التساهل الأميركي مع الدور الإيراني المثير للاضطرابات والقلاقل في كل أرجاء الشرق الأوسط قد بلغ مداه.

اندبندت العربي