في 3 كانون الثاني/يناير، عيّن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي العميد إسماعيل قاآني قائداً لـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، بعد ساعات فقط من مقتل سلفه قاسم سليماني في ضربة جوية نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار. ونظراً لأن خلفية القائد الجديد وأنشطته العسكرية غير معروفة جيداً كتلك الخاصة بسليماني، لذلك فإن إلقاء نظرة فاحصة عليها يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كان الفرع الرئيسي لـ «الحرس الثوري» الإيراني الذي يُنفذ عمليات خارج الحدود الإقليمية قد يشهد تغييراً في ظل قيادته وكيف سيحدث ذلك.
النشأة المبكرة والخلفية العسكرية
من المثير للاهتمام، أنه حتى التفاصيل الأساسية المتعلقة بولادة قاآني هي موضع خلاف. فوفقاً للسيرة الذاتية الموجزة التي نشرتها “وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية”، فهو من مواليد مشهد لكن “الحركة الخضراء” المعارضة تدّعي أنه وُلد في بجنورد. ويشير تقرير الوكالة أيضاً أنه وُلد في عام 1959، مما يعني أنه يناهز الـ 61 عاماً – لكن وزارة الخزانة الأمريكية ادعت أنه وُلد في عام 1957 حين صنّفته إرهابياً في عام 2012 (وهو إجراء حَفّزه الدور المنسوب إليه في تمويل شحنات أسلحة «فيلق القدس» إلى غامبيا).
ولا توفر المواد المفتوحة المصدر باللغة الفارسية الكثير من المعلومات حول الخلفية العائلية لقاآني، ولكن يبدو أن لديه ابناً واحداً على الأقل هو علي قاآني، الذي كان يدرس الهندسة الكهربائية في فرع “جامعة آزاد” في مشهد عام 2010. ووفقاً لـ “الحركة الخضراء”، تمّ توقيف علي لمشاركته في تجمعات مناهضة للحكومة في حرم الجامعة في مشهد عام 2009، وهو ادعاء نفاه والده.
يُذكر أن معظم السير الذاتية لمسؤولي الجمهورية الإسلامية تتضمن شرحاً مفصلاً حول مساهماتهم في الثورة عام 1979، لكن ليست هذه هي الحال مع قاآني. ففي مقابلة نادرة متعلقة بسيرته الذاتية نُشرت في عدد تشرين الأول/أكتوبر 2015 لصحيفة “رمز عبور” الإخبارية، أقرّ أنه لم يلعب دوراً بارزاً بقوله: “كنت حاضراً [في الثورة] كبقية الناس”. وما يثير الاهتمام على نحو مماثل إقراره بأنه لم ينضمّ إلى صفوف الثوار على الفور – بل انخرط بدلاً من ذلك في الفرع المحلي لـ «الحرس الثوري» الإيراني الناشئ في مسقط رأسه خراسان في آذار/مارس 1980، أي بعد عام كامل على اندلاع الثورة، ولكن قبل أشهر قليلة من الغزو العراقي.
وفي ذلك الوقت، كان يتولى إدارة فرع «الحرس الثوري» الإيراني في خراسان مجلس قيادي مؤلف من رجال دين شباب محليين، بمن فيهم علي خامنئي. ولا يوجد أي دليل على أنه كانت هناك علاقة مباشرة بين قاآني وخامنئي في تلك المرحلة، ولكن كان مقدّراً لهما أن يعرفا بعضهما البعض.
ووفقاً لمقابلة في “رمز عبور”، تم إرسال قاآني بعد ذلك إلى طهران حيث خضع لتدريب شبه عسكري في ثكنة «الحرس الثوري» الإيراني في سعدآباد دام 35 يوماً، ويُعرف هذا الموقع العسكري حالياً باسم “ثكنة الإمام علي”. ومن المحتمل أن يكون ضباط من “اللواء 23 للقوات الخاصة المحمولة جواً” قد تولوا التدريب. وهناك جمَعَته صداقة مع رفيقين من خراسان: محمد مهدي خادم الشريعه (الذي قُتل لاحقاً في الحرب مع العراق عام 1982) وولي الله شرقجي (الذي قُتل عام 1985). وبعد انتهاء التدريب، عاد قاآني إلى مشهد حيث شكّل نواة وحدة سمّيت لاحقاً بفرقة “النصر -5” إلى جانب شرقجي وخادم الشريعه ومحمد باقر قاليباف (الذي أصبح فيما بعد رئيس بلدية طهران) ونور علي شوشتري (ضابط مؤثر للغاية في «الحرس الثوري» الإيراني، الذي أغتيل في عام 2009).
وسرعان ما تمّ إرسال وحدة مشهد إلى گنبد کاووس في محافظة كلستان لقمع اضطرابات قام بتنظيمها تركمان يساريون وإثنيون. ولا يوجد دليل على مشاركة قاآني في تلك العملية أو في فرض النظام لاحقاً في المدينة. ومع ذلك، فقد أقر لصحيفة “رمز عبور” أنه تمّ إرساله إلى محافظة كردستان في إيران لقمع الانفصاليين الأكراد. ووفقاً لموقع فرقة “النصر-5” الإلكتروني، كان 100 عنصر من عناصر «الحرس الثوري» الإيراني متمركزين في مدينة سنندج في محافظة كردستان للعمل تحت قيادة محمود كاوه اعتباراً من آذار/مارس 1980. يُذكر أن العديد من عناصر «الحرس الثوري» الذين برزت أسماؤهم لاحقاً، بمن فيهم سليماني، خدموا في تلك المنطقة في مرحلة ما، ولكن ليس هناك دليل على وجود أي تواصل بين سليماني وقاآني. وبحلول الوقت الذي غزا فيه العراق البلاد في أيلول/سبتمبر 1980، كانت وحدة خراسان في كردستان قد توسعت إلى 250 عنصراً تحت قيادة بابا-محمد رستمي وتم نقلهم إلى الأهواز لإبطاء تقدّم العدو.
العلاقات مع سليمان وخامنئي
نشأت الصداقة بين قاآني وسليماني على الجبهة الجنوبية في آذار/مارس 1982. وعلّق قاآني على هذه العلاقة في مقابلة أُجريت عام 2015 قائلاً: “نحن جميعنا أطفال حرب. فما يربطنا ويجمعنا نحن ورفاقنا ليس قائماً على الجغرافيا وعلى بلدتنا. نحن رفاق حرب، والحرب هي التي جعلتنا أصدقاء … أولئك الذين يصبحون أصدقاء في أوقات الشدة، تجمعهم علاقات أعمق وأكثر دواماً من أولئك الذين يصبحون أصدقاء لمجرد أنهم أصدقاء من الحي”.
وبالفعل، واجه الرجلان الكثير من المصاعب خلال الحرب. ولعبت فرقة “النصر-5” دوراً ناشطاً في النزاع، وشارك قاآني شخصياً في عمليات ناجحة على غرار “عاشوراء”، التي حررت مرتفعات فاصيل وغاركوني شمال ميماك (18-22 تشرين الأول/أكتوبر 1984)؛ “والفجر 8” التي تمّ بموجبها الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو (9 شباط/فبراير – 29 نيسان/أبريل 1986)؛ “كربلاء 1” التي حررت مهران (30 حزيران/يونيو – 10 تموز/يوليو 1986)؛ “نصر 8″، التي رسخت المواقع الإيرانية حول مدينة موت (20-21 تشرين الثاني/نوفمبر 1987)؛ و”كربلاء 5” التي حررت الشلامجة (9 كانون الثاني/يناير – 3 آذار/مارس 1987). ولكنه شارك أيضاً في العملية الكارثية “بيت المقدس 7” في مجنون (25 حزيران/يونيو 1988) – في هزيمة يتحمل مسؤوليتها على الأقل جزئياً لأنه كان قائد الفرقة في ذلك الوقت.
وخلال تلك الحملات العسكرية، حظي قاآني أيضاً بفرصة التعرّف على خامنئي الذي كان رئيساً آنذاك. وكونه من مواليد مشهد، غالباً ما كان خامنئي يزور فرقة “النصر-5” في الجبهة. وارتبطا الرجلين بصورة أكثر من خلال شوشتري، الذي كان على معرفة بخامنئي قبل الثورة.
المسؤوليات داخل «الحرس الثوري»
فور انتهاء الحرب، تمّت ترقية قاآني إلى نائب قائد “القوات البرية” التابعة لـ «الحرس الثوري». وبتلك الصفة، شارك على الأرجح في عمليات لمكافحة عصابات المخدرات التي تسللت إلى محافظة خراسان من أفغانستان. كما ساعد في دعم “التحالف الشمالي” الأفغاني ضدّ حركة “طالبان” في أواخر تسعينيات القرن الماضي. ولا شكّ في أن هذه الأنشطة قد ساهمت في توطيد علاقته بسليماني، الذي كان يسعى إلى سلوك مسار مماثل في محافظة كرمان المجاورة في ذلك الوقت.
ولا تشير المعلومات المفتوحة المصدر إلى التاريخ الذي انضمّ فيه قاآني إلى «فيلق القدس». وتظهر أول إشارة موثقة إلى خدمته ضمن هذا الفيلق في نسخة عام 1993 من كتاب “التطرف الإسلامي: التهديد العالمي الجديد”، الذي عرّفه كقائد جماعة “أنصار” المندرجة ضمن «فيلق القدس» المسؤول عن أنشطة «الحرس الثوري» الإيراني في أفغانستان وباكستان والجمهوريات الآسيوية”. وربما عيّنه سليماني نائباً له بعد توليه قيادة الفيلق بين 1997 و 1998.
وبالمثل، تَبيَن من دراسة أجراها كاتب هذا المقال في عام 2012 بشأن أنشطة قاآني أن مسؤولياته الرئيسية كونه الشخص الثاني في القيادة تمحورت حول أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، الأمر الذي يُفسّر وجوده في الأقسام الشرقية من إيران وزياراته المتكررة إلى قم، حيث يتلقى قادة الميليشيات الشيعية الأفغانية الوكيلة لإيران التلقين السياسي. وربما يكون قاآني قد تولى مسؤولية عمليات «فيلق القدس» في أفريقيا وأمريكا الجنوبية. على سبيل المثال، حين سافر الرئيس محمود أحمدي نجاد من غامبيا إلى برازيليا في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 برفقة “200 من قادة رجال الأعمال”، أفادت بعض التقارير أن قاآني كان ضمن الوفد – في خطوة مثيرة للجدل نظراً لأن البرازيل تعتبر «فيلق القدس» منظمة إرهابية. وبعد بقائه في البرازيل لمدة 24 ساعة، واصل الوفد جولته متوجهاً إلى بوليفيا وفنزويلا والسنغال.
وهناك القليل من التفاصيل الأخرى المتاحة حول أنشطة قاآني كنائب سليماني، لكن يبدو أن الاثنين تقاسما الأعمال بشكل تقريبي بعد غزو التحالف للعراق عام 2003، إن لم يكن قبل ذلك التاريخ. ففي تلك الفترة تحوّل التركيز الإستراتيجي لإيران نحو الغرب، حيث عمل سليماني بشكل رئيسي على الجبهة الغربية بينما انصبّ تركيز قاآني على الحدود الشرقية لإيران. وبنفس القدر من الأهمية، سرعان ما برز سليماني كقائد مؤثر في «فيلق القدس»، في حين شارك قاآني على ما يبدو في الشؤون البيروقراطية والإدارية اليومية للتنظيم.
تغيير في الاسلوب؟
في ظل قيادة قاآني، من المرجّح أن يشهد «فيلق القدس» استمرارية أكبر مما سيشهد تغييراً. ففي السنوات الأخيرة، أرغمت العوامل الخارجية «الحرس الثوري» الإيراني على إعادة تنظيم عملياته الخارجية بطريقة أبقته بعض الشيء بمنأى عن خسارة كبيرة على غرار مقتل سليماني. ونظراً لارتفاع معدل الوفيات في صفوف أفراد «فيلق القدس» في سوريا، فقد بدأت طهران بإرسال أفراد من «الحرس الثوري» النظامي إلى تلك البلاد، الأمر الذي أزال العديد من الحواجز بين الفرعين وحوّل تدريجياً «الحرس الثوري» بأكمله إلى قوة كبيرة واحدة تنفذ عمليات خارج الحدود الإقليمية.
ومع ذلك، من المحتمل حصول تغيير في «فيلق القدس» من ناحية واحدة مهمة على الأقل. فعندما أصبح سليماني الوجه العلني لتنظيم كان سرياً فيما مضى، عرَّض نفسه لخطر كبير، مما أدّى إلى مقتله في النهاية. ولكنه تمكّن أيضاً من أن يصبح شخصية بطولية قادرة على حشد الكثير من الأشخاص وراء قضية اعتبرها مقدسة. ومن الصعب أن نتوقّع أن يحاكي قاآني، البيروقراطي، هذا النوع من القيادة المؤثرة. ومع ذلك، سيظل هناك تأثير كبير لقاآني على الأنشطة الخارجية لإيران بسبب القوة المؤسسية التي يتمتع بها «فيلق القدس» الذي يقوده الآن.
علي ألفونة
معهد واشنطن