نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا قال فيه إن الشبان الأفغان الذين جندتهم إيران للدفاع عن نظام بشار الأسد يواجهون مصيرا غامضا.
وكتب علي لطيفي، مراسل الموقع في العاصمة كابول، أن خطوط القتال في حلب وحمص وحماة وتدمر ودرعا شهدت في الفترة التي اشتدت فيها وتيرة الحرب الأهلية السورية عام 2014 بمقاتلين شباب من اللاجئين الأفغان. وتم نقلهم حيث كان بعضهم عمره 14 عاما من مخيمات اللاجئين في إيران للدفاع، كما قيل لهم عن مزار السيدة زينب حفيدة الرسول عليه السلام في جنوب دمشق.
وبعد زيارة سريعة لمزار زينب، نُشر المقاتلون في مناطق بالعاصمة دمشق أو تم نقلهم إلى خطوط القتال، حيث قيل لهم إنهم على الخطوط الأمامية لقتال تنظيم “الدولة”. وفي الحقيقة كان المقاتلون الذين أصبحوا يعرفون بـ”لواء فاطميون” ميلشيا عسكرية نشرتها إيران للدفاع عن نظام الأسد.
ومنذ ذلك الوقت، امتلأت المقابر في سوريا وإيران بمن قُتل منهم. ومع تأمين وضع الأسد ورغم ما وعدت به عائلات المقاتلين بالحصول على الإقامة في إيران، إلا أن مستقبل لواء الفاطميين لا يزال غامضا ولم يتم حله بعد.
ورسمت مصادر نقل عنها الموقع صورتين مختلفتين عن المقاتلين الأفغان الذين نظر إليهم كوقود في لعبة التأثير الإيراني بالمنطقة.
ويقول فيليب سميث الزميل البارز في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن لواء الفاطميين هو جزء من استراتيجية إيران طويلة الأمد ولإظهار قدرتها على التلويح بقوة سياسية وعسكرية في قارة آسيا. وقال: “كانت الفكرة تقوم على بناء قوة حقيقية من الحرس الثوري تحتشد بالمقاتلين من كل أنحاء العالم. وبالتالي نشرهم في أي نزاع يريد الحرس الثوري الدفاع فيه عن قضيته”.
وأضاف سميث، أن إيران تريد تقديم لواء الفاطميين والزينبيين (قوة مشابهة مكونة من مقاتلين باكستانيين) كقوة شبح مكونة من مئات إن لم يكن آلاف المقاتلين المدربين المجربين في الحرب ويمكن أن يشكلوا تهديدا لأي بلد بما فيها الجارة أفغانستان.
وقال عبد القيوم رحيمي، الحاكم السابق لولاية هيرات الأفغانية، إنه لو قررت إيران تبني هذا النهج فسيكون مثالا واضحا عن استخدام باكستان وإيران قوات مباشرة وغير مباشرة للتأثير على النزاع المستمر منذ 40 عاما في أفغانستان. وعلق قائلا: “إيران والولايات المتحدة في مواجهة، ولو ساءت الأمور بينهما فستكون أفغانستان الساحة الطبيعية للمعركة لهما”.
وزادت المخاوف بعد اغتيال الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني بداية هذا العام. واتهمت باكستان وإيران ومنذ سنوات بدعم وترضية حركة طالبان التي تعد أكبر جماعة معارضة مسلحة في أفغانستان. وقالت مصادر الشرطة في 2017 إنها عثرت بمنطقة شنداند بهيرات والقريبة من الحدود الإيرانية، على أسلحة مصدرها باكستان وإيران، مع أنها تعتبر من أكثر المناطق الآمنة في الولاية.
وأشار رحيمي إلى أن استخدام إيران مقاتلين أفغان في الحرب السورية أمر عادي. وهذا نابع من المعاملة السيئة التي يعامل بها اللاجئون الأفغان من الهزارا في إيران، وللنزاع الطويل الذي تعيشه بلادهم. و”بعد 40 عاما من الحرب، أصبح الأفغان ماهرين في حرب العصابات” وهي حقيقة استفادت منها إيران.
ويرى سميث ورحيمي أن الشبان الأفغان الذين عانوا على مدى السنوات الماضية من التحرش ولم يجدوا سوى العمل اليدوي، وُعدوا ليس بالإقامة، ولكن براتب 300- 500 دولار أمريكي في الشهر لو قاتلوا في سوريا. ويقول سميث ورحيمي إن هناك أدلة على نشر المقاتلين الأفغان في مناطق أخرى مثل اليمن والبحرين والعراق.
ولكن مسؤولا أمنيا في أفغانستان يخالف هذه النظرة، حيث أكد أن التصريحات التحذيرية من “الفاطميين” وأسلحتهم لا أساس لها من الصحة. وقال: “تحتفظ الأجهزة الأمنية الأفغانية بملفات عن الفاطميين وحتى الآن لم تحصل على إشارة عن تهديد حقيقي للبلد”.
وأضاف أن بعض المقاتلين الأفغان لا يزالون في سوريا، ولكن الحكومة الأفغانية لم تر أي دليل على نشرهم في أي مكان في العالم. وحاول مئات منهم الهروب من الحرب المشتعلة في سوريا إلى الجارة لبنان ولكنهم أعيدوا من الحدود بعد الشك بأنهم أجانب.
وأكد تصريحَ المسؤول الأمني الأفغاني صحافيون وباحثون في لبنان قالوا إنهم لم يشاهدوا أدلة على دخول مقاتلين أفغان إلى لبنان. والسبب وراء عدم وجود أدلة على نشر الفاطميين في دول أخرى، هو عدم تنفيذ الوعود التي وعدوا بها.
ويتراوح عددهم اليوم ما بين 500- 1.500 وأقل من وقت الذروة وهو 4.000 مقاتل. ووافق سميث على هذا، حيث قال إن “إيران غير معروف عنها الوفاء بوعودها، لكن ما يهم طهران هو أن تكون جيدة بدرجة كافية لتنفيذ الوعود”. وقال إن العقوبات التي فرضتها أمريكا وأثرت على الاقتصاد الإيراني كانت السبب وراء عدم قدرة إيران على الوفاء بوعودها و”جزء من هذا هي صعوبة الحصول على سكن وعمل لغير الإيرانيين في وقت يعاني فيه اقتصادهم”.
ولكن المصدر الأمني الأفغاني يقول إن اللوم يقع على الأفغان أنفسهم الذين قدموا وثائق مزورة للسلطات الإيرانية على أنها وثائق لأوليائهم. وأضاف: “منذ البداية كان يمكن للحرس الثوري التأكد منها واستبعاد العجزة والمدمنين لكنهم لم يفعلوا لأن الهدف الرئيسي هو حصولهم على وقود للحرب”.
أما الموضوع الآخر، فهي التحديات اللوجيستية التي تواجه عائلات المقاتلين، خاصة من قتل منهم للحصول على المنافع التي وُعد بها أبناؤهم. فالعائلات التي تعيش في سوريا تحاول عدم فتح عين الحكومة في أفغانستان على وضعها والحديث عن سفر أبنائها إلى سوريا، فيما انتظرت عائلات لسنوات من أجل الحصول على الإقامة في إيران بدون جدوى، رغم محاولة طهران احترام المقاتلين الأفغان والافتخار بهم، حسب المسؤول الأمني الفغاني.
بالإضافة لهذا، لم يحصل الشبان الأفغان على قاعدة رسمية للمنافع التي سيحصلون عليها أثناء تجنيدهم. وقيل لبعضهم إن فترة عملهم مع الحرس الثوري هي لمرة واحدة. وطلب من آخرين السفر عدة مرات إلى سوريا قبل أن يحصلوا على المنافع.
كل هذا أدى كما قال سميث ورحيمي والمصدر الأمني لخلق قوة اسمها الفاطميون تعلمت من دروس الحرب في سوريا وأصبحت أكثر تشددا. ويقول سميث: “كانت الفكرة الرئيسية هي امتحان هؤلاء الرجال وتحديد من يصل منهم إلى القمة ويمكن استخدامه وغيره كقوة نخبة، وعركهم لمعرفة من ينتقل إلى مرحلة النخبة وليس الوقود للحرب”.
ويرى رحيمي أن الطريقة الوحيدة لتحييد قوة الفاطميين هي إنهاء الحرب الأخيرة في أفغانستان التي بدأت عام 2001. وأشار إلى أن اتفاق السلام بين طالبان والحكومة الأمريكية الموقع في الدوحة في شباط/ فبراير يحظر عليها السماح بدخول قوة أخرى إلى البلاد، مما يعني استحالة دخول الفاطميين. و”لو انتهت الحرب فسيكون من الصعب على باكستان وإيران تحريض وكلائها في أفغانستان”.
وفي النهاية يخشى رحيمي على مستقبل هؤلاء الشباب الذين نشأوا في النزاع داخل بلادهم ثم نقلوا إلى خطوط القتال: “عندما يكون لديك شباب قضوا خمس سنوات وهم يتدربون على القتال فمن الصعب عودتهم للحياة اليومية الطبيعية”.
إبراهيم درويش
القدس العربي