السياسيون اللبنانيون يتجاهلون اتهامات ماكرون

السياسيون اللبنانيون يتجاهلون اتهامات ماكرون

بيروت – تبرّأ السياسيون اللبنانيون من مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية في لبنان. وأكّد رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي وجّه إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهمة رفض تحمّل مسؤولياته من أجل تشكيل حكومة لبنانية، أنّه “متمسّك بالمبادرة الفرنسية”.

وقال عون، لدى استقباله السفير الفرنسي برونو فوشيه بمناسبة انتهاء مهمّته في لبنان، إنّه “يأسف” لعدم تمكن رئيس الوزراء المكلّف مصطفى أديب من تشكيل حكومة. وتجاهل رئيس الجمهورية كلّيا ما ورد في الخطاب الذي ألقاه ماكرون يوم الأحد، والذي ركّز فيه على العراقيل التي وضعها “الثنائي الشيعي”، حزب الله وحركة أمل، في طريق مصطفى أديب بعد إصرار هذا الثنائي على أن يكون وزير المال في الحكومة شيعيا وأن يسمّيه الثنائي.

واعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن السبب الذي يدعو ميشال عون إلى تجاهل موقف “الثنائي الشيعي” خوفه من أيّ صدام بينه وبين حزب الله الذي يقف وراء وصوله إلى موقع رئيس الجمهورية.

في غضون ذلك، لوحظ أنّ “الثنائي الشيعي” التزم الصمت في حين ركّزت وسائل الإعلام التابعة له على رفض أي تدخلات خارجية في شؤون لبنان مع إشارة واضحة إلى فرنسا وسعيها إلى لعب دور الوصيّ على لبنان.

وأجمعت الأوساط السياسية اللبنانية على اعتبار أنّ إيران لعبت دورا في إفشال تشكيل حكومة لبنانية. وكان رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة واضحا في تأكيده من خلال مقابلات تلفزيونية أن إيران وراء تصلّب حزب الله وفرضه شروطا أعاقت تشكيل الحكومة.

وأشار السنيورة بشكل خاص إلى تشدّد في الموقف الإيراني عكسته مواقف حزب الله، وذلك بعد فرض الإدارة الأميركية عقوبات على وزيرين سابقين هما علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.

وقالت المصادر السياسية إنّه على الرغم من أن خليل ينتمي إلى حركة أمل وفنيانوس إلى تيّار المردة وأنه مسيحي وليس شيعيا، إلّا أنّ الاثنين يعتبران محسوبين مباشرة على حزب الله. وقد اعتبر حزب الله العقوبات على الوزيرين السابقين رسالة موجّهة إليه.

ولوحظ أمس دخول روسيا على خط تهدئة الوضع في لبنان، إذ أعلن في بيروت عن اتصال أجراه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو المبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

وبحث بوغدانوف مع جنبلاط تطورات الأوضاع في لبنان في ظل استمرار أزمة الحكومة.

وأكد الجانب الروسي “نهجه المتبع الداعم لضرورة إيجاد حلول لكافة المسائل الشائكة والحساسة على جدول الأعمال الوطني من خلال اللبنانيين أنفسهم على أساس التوافق بين القوى السياسية والطائفية الرئيسية في الجمهورية اللبنانية”.

وأشارت أنباء إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد يزور لبنان في أواخر أكتوبر المقبل، في رسالة قوية إلى فرنسا مفادها أن الملعب اللبناني لن يظل مفتوحا أمامها وحدها، وأن عليها زيادة الضغوط على الفرقاء السياسيين لإنجاح مبادرتها قبل أن تدخل مبادرات أخرى على الخط.

وكان لافتا إعلان طهران بدورها رفض أي تدخل في الشؤون اللبنانية. ونفت عبر الناطق باسم وزارة الخارجية أي دور لإيران في تعطيل تشكيل حكومة لبنانية برئاسة مصطفى أديب، وذلك في وقت ركّز فيه المعلّقون السياسيون اللبنانيون على “الدور المعرقل” الذي لعبته إيران في هذا المجال.

ويقول المتابعون للشأن اللبناني إن محدودية الضغوط الفرنسية سمحت للسياسيين المؤثرين في البلد باعتماد أسلوبهم التقليدي القائم على ترك الأمور لعامل الوقت من أجل حسم الخلاف عن طريق التسويات، وهو ما قد يعطل أي مبادرة فرنسية أو دولية لدعم الاقتصاد اللبناني، مشيرين إلى أن مختلف المانحين يضعون شرط الاستقرار السياسي ضرورة لأي دعم.

وتعتزم فرنسا نهاية أكتوبر تنظيم مؤتمر دعم دولي للبنان مع الأمم المتحدة، على أن تُوجّه المساعدات الإنسانية “مباشرة إلى السكان فقط عبر المنظمات غير الحكومية الموجودة على الأرض والأمم المتحدة”.

وفي التاسع من أغسطس، بعد أيام من انفجار المرفأ الذي تسبب في مقتل أكثر من 190 شخصا، نظمت فرنسا مع الأمم المتحدة مؤتمرا عبر الفيديو عن بعد، تم بموجبه جمع مساعدات بقيمة نحو 300 مليون دولار.

وعدل ماكرون عن فكرة استقباله القادة السياسيين في باريس توازيا مع انعقاد مؤتمر الدعم من أجل تقييم التقدم في خارطة الطريق التي وضعها. لكنه قال إنه سيجمع “بحلول عشرين يوما كل أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان لترسيخ وحدة المجموعة الدولية بشأن المراحل المقبلة”.

وستكون المرحلة الأولى “المطالبة بنتائج التحقيق” في انفجار المرفأ و”نشرها وتحديد المسؤولين” عنه.

ورفضت القوى المسيطرة في لبنان إجراء تحقيق دولي في الانفجار. وأوقفت، بموجب تحقيقات تجريها ولم تعلن عن أي نتيجة من نتائجها بعد، 25 شخصا على الأقل بينهم مسؤولون كبار عن إدارة المرفأ وأمنه.

وخلال زيارته الأخيرة للبنان، وكانت الثانية عقب انفجار المرفأ، أعلن ماكرون أنّه سيعود مجددا إلى بيروت في ديسمبر، في إطار “آلية متابعة” التقدّم الذي سيتم إحرازه من قبل الحكومة الجديدة.

إلا أنه لم يتضح، بعد النكسة التي منيت بها المبادرة الفرنسية، ما إذا كان عازما على المجيء أم أنه عدل عن فكرته.

العرب