من يسيطر على الكونغرس الأميركي بعد انتخابات نوفمبر؟

من يسيطر على الكونغرس الأميركي بعد انتخابات نوفمبر؟

بينما تتجه كل الأنظار إلى سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية بين الرئيس دونالد ترمب وخصمه الديمقراطي جو بايدن، إلا أن هناك سباقاً آخر لا يقل أهمية عن ذلك الرئاسي وهو سباق السيطرة على الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ. ففي حين يبدو الديمقراطيون بحسب استطلاعات الرأي أقرب للاحتفاظ بغالبيتهم في مجلس النواب، إلا أن المفاجآت تظل ممكنة. وفي المقابل تدور معركة أكثر التهاباً حول مجلس الشيوخ الذي يسعى كل من الحزبين الكبيرين إلى السيطرة عليه بكل عزم وإصرار، لأن ذلك من شأنه أن يغير موازين القوى إذا تمكن الديمقراطيون من تحقيق الغالبية داخله، ما سيعوق عمل الرئيس ترمب إذا فاز في دورة ثانية، كما سيمنح بايدن حرية حركة واسعة إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، والعكس صحيح إذا احتفظ الجمهوريون بغالبيتهم الحالية في المجلس. فما خريطة الصراع، وما المقاعد الأكثر سخونة في المعركة الانتخابية، وما أهمية وصلاحيات مجلس الشيوخ في هيكل السلطة الأميركية؟

كونغرس متناغم أم منقسم؟

في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، سيؤدي الرئيس دونالد ترمب أو نائب الرئيس السابق جو بايدن اليمين الدستورية، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة سيكون لديها كونغرس متناغم يسيطر على غرفتيه الجمهوريون أو الديمقراطيون أو سيكون منقسماً بين الحزبين في المجلسين كما هي حاله الآن.

وفي حين تشير التوقعات المختلفة التي تتابع عن كثب وبشكل يومي سباقات مجلس النواب كافة إلى أن الديمقراطيين سيحتفظون على الأرجح بسيطرتهم على المجلس، فإن الصورة تبدو مختلفة في مجلس الشيوخ، حيث يمكن أن يذهب تصويت الناخبين إلى أي من الاتجاهين.

مجلس النواب

ويجري انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب كل عامين، ويتألف المجلس من 435 مقعداً تمثل 435 دائرة انتخابية تتوزع في الولايات المختلفة بحسب الكثافة التي يحددها الإحصاء السكاني كل عشر سنوات، فولاية تكساس على سبيل المثال تضم 36 دائرة انتخابية نظراً إلى عدد سكانها البالغ نحو 30 مليوناً، في حين أن ولاية فيرمونت لا يمثلها في مجلس النواب سوى نائب واحد فقط، بسبب عدد سكانها المحدود الذي يبلغ 624 ألف نسمة.

ولمجلس النواب مهمات حيوية في النظام السياسي الأميركي، إذ إنه مكلف بحسب الدستور بإقرار التشريعات الفيدرالية، المعروفة باسم مشاريع القوانين، والتي تُرسل إلى الرئيس، بعد موافقة مجلس الشيوخ. ويتمتع مجلس النواب أيضاً بصلاحيات حصرية، فهو يباشر جميع مشاريع القوانين الخاصة بالإيرادات، كما يعزل المسؤولين الفيدراليين وصولاً إلى الرئيس ونائبه، وينتخب كذلك الرئيس إذا لم يحصل أي مرشح على غالبية الأصوات في المجمع الانتخابي.

حسابات الفوز بالنواب

ويسيطر الديمقراطيون في المجلس الحالي على 232 مقعداً بينما يستحوذ الجمهوريون على 197 مقعداً، وهناك ستة مقاعد شاغرة، ويحتاج الديمقراطيون أو الجمهوريون إلى 218 مقعداً على الأقل لضمان السيطرة على مجلس النواب.

ولكي يحتفظ الديمقراطيون بسيطرتهم على المجلس يجب ألا يزيد صافي خسارتهم على 15 مقعداً، أما بالنسبة إلى الجمهوريين، فإن الحسابات تبدو معقدة وصعبة بعض الشيء، إذ يتطلب الأمر الفوز بالمقاعد الشاغرة حالياً وعدم خسارة أي مقعد يستحوذون عليه الآن وهذا سيمنحهم 203 مقاعد، ومع ذلك سيظلون بحاجة إلى 15 مقعداً إضافياً يقتنصونها من أيدي الديمقراطيين للوصول إلى 218 مقعداً اللازمة للفوز بالغالبية.

غير أن المعركة الانتخابية الجارية الآن تشير، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة إلى اقتراب الديمقراطيين من الحفاظ على سيطرتهم في المجلس، حيث تتوقع الاستطلاعات فوزهم بـ230 مقعداً مقابل فوز الجمهوريين بـ183 مقعداً، بينما يتصارع الحزبان للفوز بـ22 مقعداً آخر لن تكون حاسمة، نظراً إلى أن السيطرة على المجلس تتطلب 218 مقعداً فقط وهو ما يقترب الديمقراطيون من تحقيقه.

مجلس الشيوخ

ويتكون مجلس الشيوخ الأميركي من 100 مقعد، ينتخب ثلث أعضائه كل عامين، إذ يمضي العضو المنتخب ست سنوات في المجلس قبل موعد استحقاق إعادة انتخابه. ويمثل كل ولاية من الولايات الخمسين، عضوان فقط، بصرف النظر عن حجم الولاية أو مساحتها أو عدد سكانها أو أهميتها، فولاية كاليفورنيا على سبيل المثال التي يصل تعداد سكانها إلى ما يقارب الـ40 مليوناً يمثلها عضوان فقط بشكل متساوٍ مع ولاية وايومنغ التي يبلغ عدد سكانها 580 ألف نسمة، وكان الهدف الذي أرساه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة هو الحفاظ على حقوق متساوية بين الولايات، بحيث لا تطغى رغبة ولاية وفيرة السكان على رغبة ولاية محدودة السكان مما يحافظ على وحدة البلاد.
ويحتفظ مجلس الشيوخ بسلطات عدة لنفسه، فهو يصادق على المعاهدات بغالبية ثلثي الأصوات، ويؤكد تعيينات الرئيس للقضاة والموظفين الفيدراليين بغالبية الأصوات، كما يقوم بدور رقابي متميز ويستطيع استدعاء الشهود في الأمور التي تمس مصلحة البلاد وأمنها القومي.

ويضم مجلس الشيوخ الأميركي الحالي 53 جمهورياً و47 ديمقراطياً، من بينهم اثنان من المستقلين، ويجري التنافس هذا العام على 35 مقعداً بما في ذلك الانتخابات الخاصة في كل من أريزونا وجورجيا. وبينما يدافع الحزب الجمهوري عن 23 مقعداً يشغلها أعضاء الحزب في الدورة الانتخابية الحالية، يدافع الديمقراطيون عن 12 مقعداً فقط.

حسابات الفوز بالشيوخ

ولكي يحتفظ الجمهوريون بغالبية مجلس الشيوخ، عليهم عدم خسارة أكثر من مقعدين بينما يحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بثلاثة أو أربعة مقاعد لبسط سيطرتهم على المجلس.

أما إذا انتهى الأمر باقتسام المقاعد المئة أي يكون لكل حزب خمسون مقعداً، فإن الغلبة ستكون للحزب الذي يفوز في البيت الأبيض. وبموجب الدستور الأميركي، يشغل نائب الرئيس منصب رئيس مجلس الشيوخ إذ يصوت لكسر التعادل في الاقتراع في عدد من الإجراءات، مثل التعيينات القضائية والفيدرالية وتعيينات المحكمة العليا التي لا تتطلب غالبية أكثر من 50 في المئة لتمريرها.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن المؤشرات تقترب بشكل أكبر من احتفاظ الجمهوريين بـ47 مقعداً على الأقل واقتناص الديمقراطيين مقعدين إضافيين بما يمكنهم من الفوز بـ49 مقعداً على أقل تقدير، فيما تحتدم المعركة التنافسية بين الحزبين على أربعة مقاعد حاسمة يسعى كل طرف إلى الفوز بها لضمان سيطرته على مجلس الشيوخ.

من الأوفر حظاً؟

ويعود السبب وراء تحسن فرص الديمقراطيين إلى زيادة عدد الجمهوريين في هذه الدورة الذين يخوضون الانتخابات (23) مقارنةً بالديمقراطيين (12)، وهو ما أدى إلى تأرجح حظوظ ثمانية من الأعضاء الجمهوريين الحاليين صعوداً وهبوطاً، من بينهم ثلاثة يكافحون للخروج من دائرة الخطر في ولايات ماين وأريزونا ونورث كارولاينا، واثنان حظوظهما متساوية في استطلاعات الرأي مع الديمقراطيين في ولايتي آيوا ومونتانا.

ووفقاً لتقديرات مركز “فايف ثرتي إيت” المعني بدراسة احتمالات الفوز والخسارة في الانتخابات الأميركية، فإن لدى الديمقراطيين فرصة أكبر بقليل للفوز بعدد يتراوح بين 48 و55 مقعداً من إجمالي 100 مقعد في المجلس، بينما تظل لدى الجمهوريين فرصة للفوز بعدد يتراوح بين 45 و52 مقعداً.

وبحسب تقرير كوك السياسي وهو مؤسسة غير حزبية، فهناك ثمانية مقاعد يسيطر عليها الجمهوريون في مجلس الشيوخ، تصنف حالياً على أنها تميل باتجاه الديمقراطيين أو تتساوى فيها نسب التأييد بينهم والجمهوريين، بينما لا يوجد سوى مقعد ديمقراطي واحد فقط يصنف على أنه يميل باتجاه الجمهوريين ولا يواجه أي من الأعضاء الديمقراطيين المتنافسين في انتخابات مجلس الشيوخ تعادلاً في نسب التصويت مع خصومهم.

أبرز ساحات القتال

ومن أهم المعارك الرئيسة، تلك التي يخوضها المرشح الديمقراطي دوغ جونز ضد الجمهوري تومي توبرفيل في ولاية ألاباما التي تميل تقليدياً إلى التصويت لصالح الجمهوريين.

كما يواجه جونز احتمالات صعبة في ولاية فاز فيها الرئيس ترمب عام 2016 الذي أيّد توبرفيل في تغريدات متحمسة، كما أن استطلاعاً أجري قبل أيام كشف عن تقدم توبرفيل بفارق 12 نقطة.

وعلى النقيض من ذلك، بدا أن مقعد السيناتور الراحل جون ماكين في ولاية أريزونا أصبح في متناول الديمقراطيين، إذ يتنافس على استكمال الفترة المتبقية من ولاية ماكين، المرشح الديمقراطي مارك كيلي، وهو رائد فضاء سابق مؤيد لتقييد امتلاك السلاح، والسيناتورة الحالية مارثا ماكسالي، التي تحالفت بشكل وثيق مع ترمب في السابق قبل أن تنأى بنفسها عنه أخيراً.

وأكبر دليل على احتدام المنافسة أن كيلي تمكّن من جمع أموال لحملته بلغت نحو 39 مليون دولار في الربع الثالث من عام 2020، بزيادة قدرها 16 مليون دولار عن منافسته ماكسالي التي جمعت 23 مليون دولار تقريباً في الفترة ذاتها. وقبل ثلاثة أسابيع من انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، وسّع كيلي تقدمه على ماكسالي إلى عشرة في المئة في آخر استطلاع أجرته جامعة مونماوث.

كولورادو وجورجيا

وفي ولاية كولورادو، يواجه كوري غاردنر السيناتور الجمهوري الحالي، حاكم الولاية السابق جون هيكنلوبر، الذي ترشح أيضاً لانتخابات الرئاسة التمهيدية عن الحزب الديمقراطي.

وعلى الرغم من أن هيكنلوبر حقق تقدماً في استطلاعات الرأي ضد غاردنر، فقد اضطرت حملته إلى التعامل مع فضيحة أخلاقية تتعلق بما كشفت عنه لجنة رسمية في الولاية عن أنه انتهك كحاكم للولاية، القواعد مرتين حين قدم هدايا قيّمة لمسؤولين.

أما في ولاية جورجيا، فهناك صراع لشغل مقعدين في مجلس الشيوخ، وكلاهما يحتفظ بهما الجمهوريون حالياً، فتتساوى حظوظ السيناتور الجمهوري الحالي ديفيد بيرديو مع الديمقراطي جون أوسوف، وهو ما يؤدي إلى جولة إعادة إذا لم يحصل أي من المرشحين على 50 في المئة من الأصوات.

أما المقعد الثاني، فيتعلق بانتخابات خاصة تتواجه فيها السيناتورة الحالية كيلي لوفلر مع منافس من حزبها الجمهوري هو النائب دوغ كولينز، كما تواجه أيضاً المرشح الديمقراطي رافاييل وارنوك المتقدم حالياً في استطلاعات الرأي. وفي سباق كهذا، من غير المحتمل أن يحصل أي مرشح على نسبة 50 في المئة المطلوبة من الأصوات لإعلان الفوز، لذا فإن جولة الإعادة تظل قائمة، حتى لو كان المتنافسون من الحزب ذاته.

وإذا دخل أحد المقعدين في جورجيا أو كلاهما في جولة الإعادة، فقد يترك ذلك مصير مجلس الشيوخ مجهولاً لأسابيع عدة بعد الثالث من نوفمبر.

أيوا وماين وميتشيغان

وفي ولاية أيوا، دخلت السيناتورة جوني إرنست عن الحزب الجمهوري التي تعدّ واحدة من الحلفاء الوثيقين لترمب، في سباق متقارب مع الديمقراطية تيريزا غرينفيلد التي أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدمها بثلاث نقاط، أخيراً، على الرغم من أن ولاية أيوا تبدلت في انتخابات 2016 إلى تأييد ترمب.

وتشتعل في ولاية ماين معركة حامية، حيث وجدت السيناتورة الحالية سوزان كولينز عن الحزب الجمهوري نفسها في مواجهة منافستها الديمقراطية سارة جديون، التي تشكل تهديداً خطيراً للسيناتورة التي شغلت مقعدها في مجلس الشيوخ منذ عام 1997.

ويواجه مقعد ولاية ميتشيغان الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، خطراً محدقاً، إذ ينافس السيناتور الحالي غاري بيترز، في سباق متقارب المحارب السابق في الجيش الأميركي جون جيمس في ولاية متأرجحة للانتخابات الرئاسية وتميل إلى الديمقراطيين في سباق مجلس الشيوخ.

مونتانا ونورث كارولاينا

ويتطلع الديمقراطيون إلى ستيف بولوك حاكم ولاية مونتانا المنتهية ولايته، للتغلب على السيناتور الجمهوري الحالي ستيف داينز في ولاية فاز فيها ترمب بفارق 20 نقطة عام 2016، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب تأييد المتنافسين.

وفي ولاية نورث كارولاينا، يواجه السيناتور الجمهوري توم تيليس محاولة صعبة لإعادة انتخابه ضد منافسه كال كننغهام، عضو مجلس الشيوخ السابق الذي قاتل في حرب العراق. وتحولت المعركة إلى واحدة من أكثر المنافسات الانتخابية تكلفة في مجلس الشيوخ على الإطلاق، فقد جمع المنافس الديمقراطي كانينغهام 28.3 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية بزيادة تعادل أربعة أضعاف المبلغ الذي تمكّن تيليس من جمعه وهو 6.6 مليون دولار خلال الفترة ذاتها. كما تقدم كننغهام على تيليس بأربع نقاط مئوية في أحدث استطلاع للرأي.

وأشارت نتائج استطلاعات الرأي إلى أن كننغهام الذي نجا من فضيحة اتهامه بإرسال رسائل جنسية وغرامية لسيدة ليست زوجته، تأثرت درجة تفضيله نسبياً.

ويعدّ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، أحد أهم قيادات الحزب الذي انخرط في مواجهة صعبة في ولاية ساوث كارولاينا ضد منافسه الديمقراطي جايمي هاريسون، الذي حطم سجلات جمع التبرعات بين مرشحي مجلس الشيوخ، ويتعادل الآن مع غراهام في استطلاعات الرأي.

طارق الشامي

اندبندت عربي