تعرّض الاقتصاد الإيراني لضربة موجعة بسبب حملة “الضغوط القصوى” التي أطلقها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فمنذ انسحاب ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” أو اتفاق إيران النووي، غرقت إيران في حالة حادة من الركود بسبب العقوبات، وبلغت نسبة التضخم مستويات فائقة، وتراجعت قيمة الريال الإيراني بدرجة غير مسبوقة، وتشهد احتياطيات العملات الأجنبية انخفاضاً سريعاً، كذلك أدت القيود المفروضة على الميزانية إلى تضرر قدرة طهران على تمويل العمليات العدائية التي ينفذها عملاؤها في المنطقة (حماس، حزب الله، الحوثيون في اليمن)، لكن يتحمّل الشعب الإيراني أسوأ تداعيات هذا الوضع.
تُضاف إلى هذه المشاكل أزمة فيروس كورونا التي أسفرت عن وفاة أكثر من 120 ألف شخص من أصل 83 مليون نسمة، لذا من المبرر أن يشعر الشعب الإيراني باليأس، حيث ينزل الإيرانيون باستمرار إلى الشوارع للاحتجاج لكن يتعامل معهم النظام بوحشية، فقد قتل أكثر من 1500 شخص في شهر نوفمبر وحده من عام 2019.
وبما أن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة ليست مؤكدة بعد في الوقت الراهن، فلا بد من تحليل المرحلة التي وصل إليها برنامج إيران النووي قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فوفق تقرير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في سبتمبر 2020، تجاوزت إيران بنود “خطة العمل الشاملة المشتركة” بأشواط على مستوى مخزون اليورانيوم المُخصّب وتركيب أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في مصنع “نطنز” للتخصيب وتطوير الصواريخ البالستية النووية، لذا تبدو العودة إلى شروط الاتفاق النووي مستحيلة.
زاد الوضع تعقيداً بعدما أصدر “معهد العلوم والأمن الدولي” تقريراً يحلل فيه معطيات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، فاعتبر أن الفترة المتبقية قبل أن تكتسب إيران سلاحاً نووياً تقتصر على ثلاثة أشهر ونصف الشهر، اعتباراً من أواخر سبتمبر، وتشير تقديرات المعهد إلى احتمال أن يصبح جهاز ثانٍ جاهزاً بعد شهرين على ذلك.
باختصار، لن تكون العودة إلى شروط “خطة العمل الشاملة المشتركة” من يوليو 2015 محبذة أو قابلة للتنفيذ في هذه المرحلة، بل يجب أن تطرح الولايات المتحدة شروطاً صارمة ترتكز على الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في “مؤسسة التراث” في مايو 2018. لم يكتفِ ذلك الإعلان المهم للسياسة الأمريكية تجاه طهران باعتبار برنامج إيران النووي تهديداً مباشراً على الأمن الأمريكي، بل تطرّق أيضاً إلى “أحكام الانقضاء” التي شرّعت ذلك البرنامج ورسّخت سوء النوايا الإيرانية عند التفاوض على تلك البنود، فقد طالب بومبيو بمحاسبة كاملة لطهران على الأبعاد العسكرية لبرنامجها النووي “السابق” ودعا إيران إلى وقف تخصيب اليورانيوم وعدم البدء بعمليات إعادة معالجة البلوتونيوم، ثم أعلن أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” يجب أن تتمكن من الوصول إلى جميع المواقع في أنحاء البلد، وتكلم عن ضرورة وضع حدّ لتطوير الأنظمة الصاروخية ذات القدرة النووية.
أخيراً، طالب بومبيو إيران بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان مع مواطنيها وتعهد بأن تدافع الولايات المتحدة عن الشعب الإيراني بلا كلل، إذاً حان الوقت كي تلتزم الولايات المتحدة بهذا التعهد شرط ألا يقتصر وعدها على الشعب الإيراني الذي يعاني منذ وقتٍ طويل، بل يجب أن تفي بوعدها أيضاً للشعب الأميركي عبر ضمان أمنه القومي، فإذا كانت هذه الخطوة تعني استحالة عقد اتفاق إيراني نووي جديد خلال أي إدارة أميركية مقبلة، فلا بأس بذلك.
يجب أن نتابع الضغط بالوسائل الدبلوماسية والمالية والعسكرية كي يتجرّع نظام الملالي السمّ أو ينهار، فيتحرر الإيرانيون أخيراً من طغاتهم المجرمين.
الشرق اليوم