تبدأ بعد ساعات الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يحبس العالم أنفاسه حولها انتظاراً لإعلان النتائج، إلا أننا قد لا نعرف الفائز مساء الثلاثاء أو صباح الأربعاء إذا كانت النتائج متقاربة في الولايات الحاسمة، نظراً للعدد القياسي من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم عبر البريد، ولكن من المهم التعرف على الأساسيات اللازمة حول كيف يمكن أن تسير الأمور.
وعلى الرغم من وجود سيناريوهات عديدة لنتائج الانتخابات، إلا أن أكثرها احتمالاً ثلاثة سيناريوهات لإمكانية فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وثلاثة أخرى لإمكانية فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
الرقم السحري 270
تجري الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على مرحلتين، حيث يختار الأميركيون من يمثلهم في اختيار الرئيس عبر آلية المجمع الانتخابي. ولكي يفوز أي مرشح بالسباق الرئاسي ينبغي عليه الوصول إلى الرقم السحري أي 270 صوتاً على الأقل من أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538 صوتاً، ولأن عدد أصوات كل ولاية في المجمع الانتخابي يختلف وفقاً لعدد ممثلي كل ولاية في الكونغرس، فإن تركيز المرشحين ينصب على الولايات ذات الأصوات الأكبر، وبخاصة إذا كانت متأرجحة أو غير مضمونة، بمعنى أن تأييدها يتقلب بين الحزبين الكبيرين من انتخابات لأخرى.
ولأن الولايات الحمراء تصوت تقليدياً للجمهوريين، فمن المتوقع أن تذهب أصواتها إلى الرئيس الجمهوري ترمب مثل ولايات تينيسي وأيداهو وميسيسبي وكينتاكي ولويزيانا وغيرها. وبالمثل فإن الولايات الزرقاء تصوت تقليدياً للديمقراطيين، بالتالي يتوقع أن تذهب أصواتها إلى بايدن، مثل ولايات كاليفورنيا وواشنطن ونيويورك وإلينوي وميريلاند وغيرها.
لكن الولايات الأرجوانية (بين الحمراء والزرقاء) أي الولايات المتأرجحة التي يصعب توقع نتائجها، هي التي سوف تحسم المعركة الانتخابية الحالية. ومن هذه الولايات فلوريدا (29 صوتاً) وبنسلفانيا (20) وميتشيغن (16) وويسكونسن (10)، وانضمت إليها حسب استطلاعات الرأي كل من نورث كارولاينا (15) وجورجيا (16) وأريزونا (11) وآيوا (6) وأوهايو (18) ونيفادا (6) ومينيسوتا (10) وكولورادو (9 أصوات)، فضلاً عن منطقتين منفصلتين تصوتان خارج أصوات ولايتهما في كل من ماين ونبراسكا، ولكل منهما صوت واحد في المجمع الانتخابي. ويصل مجموع أصوات الولايات المتأرجحة التي يدور حولها الصراع إلى نحو 102 من الأصوات في المجمع الانتخابي، يحاول كل من ترمب وبايدن الفوز بها لضمان الوصول إلى 270 صوتاً على الأقل.
السيناريو الأول لترمب: فلوريدا + بنسلفانيا
تبرز ولاية فلوريدا بشكل واضح باعتبارها الولاية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات الرئاسية، بفضل أصواتها في المجمع الانتخابي البالغ عددها 29، وهي الولاية الثانية بين الولايات المتأرجحة بعد تكساس (38 صوتاً) من حيث حجم الأصوات. ولأن الفارق بين ترمب وبايدن ضئيل للغاية في فلوريدا وأحياناً يتعادل المرشحان، فإن الفوز بهذه الولاية المهمة يمثل حجر زاوية.
وفي حين يعلق الديمقراطيون آمالاً كبيرة على جهودهم الرامية إلى تحويل الولايات الجمهورية الحمراء مثل أريزونا وجورجيا وتكساس إلى اللون الأزرق، أي تحويلها إلى ولايات مؤيدة للديمقراطيين في هذه الانتخابات، فإن الأمر يتطلب من ترمب ضرورة الحفاظ على ولاء هذه الولايات، ولو فاز ترمب بفلوريدا واحتفظ بتأييد هذه الولايات المتواجدة في النصف الجنوبي من البلاد مثلما فعل عام 2016، فإن طريق الديمقراطيين إلى النصر سيكون صعباً وإن كان ممكناً، وإذا احتفظ ترمب أيضاً بتقدمه في ولايتي الغرب الأوسط (آيوا وأوهايو)، وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدمه فيهما بهامش ضئيل بعدما كان قد فاز فيهما بفارق 8 نقاط ضد هيلاري كلينتون عام 2016، فإن فوز ترمب بولاية ميشيغن أو بنسلفانيا وحدها سيحقق الهدف ويفوز في الانتخابات، حيث سيكون لديه 280 صوتاً إذا فاز بولاية بنسلفانيا وحدها، بالإضافة إلى ولايات الجنوب، كما سيكون لديه 276 صوتاً إذا فاز بولاية ميتشيغن وحدها بالإضافة إلى ولايات الجنوب.
لكن إضافة مينيسوتا أو ويسكونسن وحدهما إلى الولايات الجنوبية من شأنه أن يضع ترمب في مركز متعادل مع بايدن برصيد 269 صوتاً لكل منهما من أصوات المجمع الانتخابي.
وحيث أن بايدن يتقدم في استطلاعات الرأي في غالبية الولايات المتأرجحة وبخاصة الشمالية منها، فإن خسارة ترمب ولاية فلوريدا أو أي من الولايات الجنوبية التي كانت حمراء في الماضي وفاز بها عام 2016، سوف يعني خطراً كبيراً بالنسبة إليه، لأنه سيتعين عليه في هذه الحالة تعويض هذه الخسارة من ولايات الجدار الأزرق الشمالية وهو هدف صعب المنال.
على رغم أن بعض ولايات الجنوب لا زالت موضع شك، إلا أن اكتساح ترمب للولايات الشمالية الصناعية وهي بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن التي حسمها لصالحه عام 2016 بفارق أقل من نقطة مئوية واحدة، سوف يضعه في معادلة جديدة. ولا يبدو ذلك مستحيلاً على رغم استطلاعات الرأي التي تضع بايدن متقدماً بفارق 8 نقاط في ميشيغين، و6 نقاط في ويسكونسن، و4 نقاط في بنسلفانيا، ولو نجح ترمب بطريقة ما في اكتساح هذه الولايات الثلاث التي فاز بها بفارق نقطة واحدة عام 2016، إلى جانب فوزه بولايات مينيسوتا وأيوا وأوهايو المجاورة، فسيحتاج إلى عشرة أصوات إضافية يمكن أن ينالها بأكثر من طريقة، مثل فوزه بفلوريدا أو أريزونا أو نورث كارولاينا أو بمزيج من ولايات أخرى مثل نيفادا ونيو هامبشاير وصوت انتخابي واحد من ماين ونبراسكا.
ولو فاز ترمب بهذه الولايات الثلاث المهمة مرة أخرى لأصبح أمامه عدة طرق أكثر من بايدن للنصر، إذ إن الفوز باثنتين منهما سيحسن حظوظه بشكل كبير.
السيناريو الثالث لترمب: انتظار المفاجآت
قد لا تنحصر المفاجآت في فوز ترمب بالولايات الشمالية الصناعية في الغرب الأوسط، فمن المحتمل أن ينتهى الأمر بأن استطلاعات الرأي أخطأت بمقدار خمس نقاط، وليس ثلاث أو أربع كما كانت الحال في الانتخابات الرئاسية السابقة، أو أن نظرية الناخب الخجول سوف تتحقق ويقرر الملايين التصويت في اللحظة الأخيرة بما قد يُحدث تحولاً قد يصل إلى 5 في المئة، أو أن يحدث تحول كبير يقلب الموازين في اليوم الأخير، ما يجعل السباق الانتخابي متقارباً بشدة، وقد يؤدي إلى فوز ترمب بولاية ثانية ربما بعدد 280 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي.
السيناريو الأول لبايدن: إعادة بناء الجدار الأزرق
تُظهر استطلاعات الرأي على مستوى عديد من الولايات المتأرجحة، أن نائب الرئيس السابق المرشح الديمقراطي جو بايدن في وضع أفضل، فهو يحتاج إلى الاحتفاظ بالولايات التي يُظهر فيها تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي. ومع افتراض تغير النتيجة عما تشير إليه الاستطلاعات بمعدل هبوط قدره ثلاث نقاط، فسوف يظل في استطاعة بايدن الفوز بولايات الجدار الأزرق الديمقراطية، ما سوف يمكنه من الفوز حتى مع خسارته فلوريدا وولايات الجنوب وأريزونا، الأمر الذي سيجعله يفوز بهامش محدود محققاً 278 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي.
السيناريو الثاني لبايدن: فلوريدا + ميتشيغن
إذا تحولت ولاية فلوريدا لصالح بايدن وحصل أيضاً على الولايات الزرقاء التي فازت بها هيلاري كلينتون عام 2016، بما في ذلك مينيسوتا ونيفادا ونيوهامبشاير، فسوف يحصل بالفعل على 262 صوتاً انتخابياً من أصوات المجمع الانتخابي، وسيتعين على بايدن في هذه الحالة أن يفوز بولاية واحدة أخرى كبيرة يمكن نيل أصواتها مثل أريزونا أو ميشيغين أو نورث كارولاينا أو أوهايو أو بنسلفانيا أو ويسكونسن. وإذا كانت ولاية ميشيغين هي الأقرب حالياً لفوز بايدن كونه يتقدم هناك بفارق 8 نقاط، فسوف يحصل بايدن على 278 صوتاً.
ويؤكد هذا السيناريو مدى أهمية فلوريدا لدى كل من المرشحين، فإذا كان فوز ترمب بولاية فلوريدا يمنحه الأمل، فإن فوز بايدن بها يجعل من الصعب عليه أن يخسر السباق.
السيناريو الثالث لبايدن: الجائزة الكبرى
من الأمور التي لم يكن من الممكن تصورها حتى قبل أربع سنوات، هو تحقيق فوز ديمقراطي في ولاية أريزونا أو جورجيا أو تكساس، ذلك أن استطلاعات الرأي التي جرت أخيراً تشير إلى أن بايدن يتقدم على ترمب بنسبة 2.2 نقطة مئوية في أريزونا، ويتعادل معه في ولاية جورجيا، بينما يتقدم ترمب على بايدن بفارق 2.6 نقطة مئوية في تكساس، ما يعني عملياً أن هناك فرصة أن يفوز بايدن بواحدة أو أكثر من هذه الولايات الثلاث، التي كانت لفترة طويلة ولايات جمهورية.
إذا فاز بايدن بأصوات ولاية تكساس (38 صوتاً) سيكون قد حقق انتصاراً حاسماً يمنحه 249 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي، بما في ذلك الولايات التي فازت بها كلينتون عام 2016، من دون إضافة ولايات بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسون التي صوتت لترمب بهامش ضئيل، وحينئذ سيحتاج بايدن إلى 21 صوتاً كي يفوز بالرئاسة، حيث ستكون جورجيا نقطة جذب كبيرة أخرى قد تشير إلى فوز بايدن أيضاً في ولاية نورث كارولاينا المجاورة، وربما حتى فلوريدا. وإذا فاز بايدن بتكساس وفلوريدا فسيكون قد فاز بالرئاسة من دون الحاجة إلى ولايات الغرب الأوسط الصناعي الشمالية.
ومع ذلك، هناك عديد من مسارات الفوز الأخرى لبايدن، فإذا فاز بولاية آريزونا، فسيكون من المرجح أن يفوز بولاية نيفادا المجاورة، لكن ذلك سيمنح بايدن ميزة بسيطة في السباق مقارنة مع سيناريو فوزه بولايات جورجيا ونورث كارولينا أو تكساس، أما إذا سيطر ترمب على جميع الولايات الجنوبية الثلاث التي تميل إلى الحزب الجمهوري، وهي جورجيا ونورث كارولاينا وتكساس، يظل بايدن يتمتع بميزة طفيفة، حتى مع خسارته فلوريدا وبنسلفانيا لصالح ترمب، ولكن سوف يقتضي الأمر أن يفوز بميشيغين وويسكونسن، بالإضافة إلى صوت واحد من منطقة ولاية ماين، كي يصل إلى تحقيق الرقم السحري وهو 270 صوتاً مقابل 268 لترمب.
سيكون هذا بالتأكيد هو الانقلاب الأقل تفضيلاً بالنسبة إلى بايدن الذي يطمح بطبيعة الحال أن ينال جائزة كبرى يستعيد فيها ولايات الغرب الأوسط إلى حضن الديمقراطيين ويفوز بولايتين أو ثلاث من ولايات الجنوب، التي كانت تميل للتصويت لمصلحة الجمهوريين.
وخلال الساعات التي تلي غلق لجان الاقتراع وبداية عملية فرز الأصوات مساء الثلاثاء، سوف تتضح الصورة بشكل كبير بما يوضح أي من السيناريوهات السابقة هو الأقرب للتحقق.
طارق الشامي
اندبندت عربي