قبيل تداعيات وباء “كوفيد-19″، قلل مراقبون من إمكانية صمود أي مرشح ديمقراطي أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظراً إلى النمو الاقتصادي الذي ينسبه الرئيس الجمهوري إلى سياساته. لكن بعد مارس (آذار) الماضي، لم يعد الاقتصاد ورقة سيد البيت الأبيض الرابحة، إذ زاد فيروس كورونا لهيب المنافسة، وحبس أنفاس الأميركيين والعالم، ترقباً للثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وخريفه الذي يسقط معه السياسيون كما تتساقط أوراق الشجر.
وعلى الرغم من الخلافات الحادة التي شهدها عام 2020، بين الجمهوريين والديمقراطيين، حول ملفات من أبرزها استجابة الإدارة الحالية لفيروس كورونا، ومرشحة المحكمة العليا، وآلية التصويت، كان هناك شبه إجماع بين الحزبين، على عدم تأجيل يوم الانتخابات، وعقده كما جرت العادة في الأيام الأولى من نوفمبر، ليجدد ذلك المكانة التي يحظى بها الشهر الحادي عشر من السنة الميلادية، وأهمية الأحداث التاريخية التي شهدها من بروز رؤساء وسقوط آخرين، ونهوض سياسات وانطفاء أخرى.
لماذا نوفمبر؟
لعبت الزراعة دوراً محورياً خلال القرن التاسع عشر في تحديد يوم الانتخابات، إذ اعتاد معظم الأميركيين على الاشتغال بهذه المهنة والعيش في مناطق نائية، وبالتالي، لاحظ المشرعون الحاجة إلى تحديد فترة كافية للتصويت لا تقل عن يومين، بهدف تمكين هذه الشريحة من السفر إلى مراكز الاقتراع، في حين لم تكن عطلات نهاية الأسبوع مناسبة، لقضاء الأفراد أيام الأحد في الكنيسة، أما الأربعاء، فمتعارف عليه بين المزارعين بأنه يوم للتسوق.
وللوصول إلى انتخابات نزيهة وتأمين المشاركة المتساوية، أقر كونغرس الولايات المتحدة عام 1845، قانوناً فيدرالياً يحدد كل ثلاثاء بعد أول يوم إثنين في نوفمبر يوماً للاقتراع، كونه وقتاً مثالياً يتزامن مع الفراغ من الحصاد، ويسبق وصول الشتاء، ويسهم في تجنب تداخل انتخابات الربيع والصيف وبداية الخريف مع موسمي الزراعة والحصاد.
تقليل التلاعب
يعد يوم الانتخابات عطلة رسمية في ولايات “نيويورك، ونيوجيرسي، وديلاوير، وهاواي، وكنتاكي، ولوزيانا، ومونتانا، وفرجينيا، وويست فرجينيا”، ويطالب نشطاء بأن يكون يوم الانتخابات عطلة فيدرالية لزيادة الإقبال وتمكين الناس على التصويت من دون التغيب عن أعمالهم. ومن الحلول التقليدية بهذا الشأن هو الاقتراع عبر البريد، غير أنه صار في انتخابات 2020 ركيزة أساسية لا غنى عنها مع تفشي الوباء.
ونص النظام القديم على السماح للولايات بإجراء الانتخابات الرئاسية في أي وقت خلال فترة 34 يوما قبل أول يوم أربعاء من شهر ديسمبر (كانون أول)، لكن ألغيت هذه الطريقة لأثرها السلبي، إذ يمكن أن تؤثر معرفة نتائج التصويت المبكر في نسبة المشاركة ورأي الناخبين المتأخرين، فضلاً عن قدرة هؤلاء المصوتين على قلب نتيجة الانتخابات بأكملها.
هزائم واستثناءات
شهد نوفمبر أحداثاً تاريخية، منها فوز الديمقراطي فرانكلين روزفلت بولايته الأولى خلال فترة الكساد العظيم، التي تعتبر من أكبر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين. ومن ثم دخوله التاريخ كأكثر الرؤساء الأميركيين بقاءً في منصبه بواقع 12 سنة مقسمة على أربع ولايات. وأسهمت سياسة “الصفقة الجديدة” أو “نيو ديل”، بعد نجاحها في إخراج البلاد من أزمتها وإنعاش الاقتصاد، في رفع شعبية الرئيس الـ32 في تاريخ الولايات المتحدة، وتعزيز حظوظه لاقتناص فوز سهل بفترة رئاسية ثانية من أمام منافسه آلف لاندن.
وخاض الرئيس الديمقراطي الانتخابات مرة ثالثة عام 1940، وسط معارضة حزبه، غير أنه تمكن من الاحتفاظ بمنصبه ملوحاً بخبرته في التعامل مع التهديدات الألمانية، والحرب العالمية الثانية. ولم تدم الولاية الرابعة التي انتزعها من أمام الجمهوري توماس ديوي خلال عام 1944 طويلاً، إذ وافته المنية بعد عام عن عمر يناهز 63 عاماً. ونظراً إلى إرثه السياسي ونجاحاته العسكرية في حقبة تاريخية متوترة، يذهب البعض إلى اعتباره واحداً من أعظم ثلاثة رؤساء مروا على الولايات المتحدة، مع جورج واشنطن وأبراهام لينكولن.
ومن النجاح إلى الفشل، ظلت الهزيمة المذلة التي مني بها وولتر مونديل حاضرة في ذاكرة نوفمبر 1984، حين خسر المواجهة مع رونالد ريغان في جميع الولايات عدا ولاية مينيسوتا، مسقط رأسه. وبعد أربع سنوات، حقق جورج بوش الأب فوزاً جمهورياً كاسحاً على منافسه الديمقراطي مايكل دوكاكيس، حاكم ولاية ماساتشوستس آنذاك.
كما شهد عام 1960، انتصار جون كينيدي على ريتشارد نيكسون على الرغم من عدم فوز الأول بولايات مهمة مثل “فلوريدا، وكاليفورنيا، وأوهايو”، وبلغ عدد أصوات المجمع الانتخابي، 303 مقابل 219، في حين كان الفارق بين المرشحين في التصويت الشعبي 112 ألف صوت فقط.
وفي عام 1864 فاز لينكولن بولاية ثانية، وسط انقسام غير مسبوق بين الجنوب والشمال، فاقمه صعود اتحاد الولايات الكونفدرالية، مما استدعى من الرئيس الـ17 مواصلة جهوده لتوحيد البلاد بالقوة العسكرية، وإنهاء الحرب الأهلية. واشتهر لينكولن الذي حكم في الفترة ما بين 1861 و1865، بدوره البارز في إلغاء نظام العبودية.
ودخلت انتخابات 4 نوفمبر 2020، الآتية وسط تنافس محموم بين ترمب وبايدن، إلى قائمة الأحداث التي تزامنت مع ظروف استثنائية في الولايات المتحدة، إذ أجبر فيروس كورونا الأميركيين على تقبل التغيير في تقاليدهم، فالمناظرات الرئاسية بدأت وانتهت بلا مصافحات، والاقتراع بالبريد طغى على التصويت الحضوري، أما التجمعات، فبدت أقل زخماً وأهمية لدى حملة المرشح الديمقراطي.
وتشهد الانتخابات الرئاسية هذا العام معدلات قياسية على صعيد التصويت المبكر، إذ بلغ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم قبل ثلاثة أيام من يوم الاقتراع، أكثر من 90 مليوناً.
ووسط التوقعات التي ترجح تأخر إعلان الفائز ليلة الثلاثاء بسبب الاقتراع عبر البريد، واستغراق فرز الأصوات فترة أطول من المعتاد، خصوصاً في الولايات الكبرى الحاسمة مثل بنسلفانيا وويسكونسن.
عيسى نهاري
اندبندت عربي