أطلق المحللون في مراكز الأبحاث الدولية طيلة الأسابيع الماضية سيلا هائلا من التخمينات بشأن الطريقة المثالية، التي يمكن أن يتبعها الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمواجهة إيران، وأيضا حول ما سيعنيه التغيير في الإدارات الأميركية لمستقبل الاتفاق النووي.
وكل تلك التكهنات تأتي بينما يمنّي المسؤولون الإيرانيون أنفسهم بوضع أفضل، وكان آخرهم الرئيس حسن روحاني حينما أعرب عن ثقته بأن إدارة بايدن ستعود لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب، لكن طهران تناست أو تغاضت أن الأهداف التي تريد تحقيقها بالمراوغة في الشرق الأوسط لم يعد بإمكانها فعل ذلك.
ويركز محللون على نقطة مهمة تتعلق باستشعار مواقف الشعوب العربية، لاسيما في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وكذلك رأي الشارع الإيراني، الذي ظهرت إشارات تململ في صفوفه حيال سياسات طهران، إذا ما أراد بايدن أن يوازن بين علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الرئيسيين بالمنطقة، وخاصة السعودية، وبين استراتيجيته التي يريد أن يتبعها مع إيران في استمرار لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما.
أحد مفاتيح الحل
سيكون التحدي الأميركي الرئيسي في الشرق الأوسط مستقبلا، كما كان في ظل إدارة ترامب، هو تحقيق الاستقرار لدول الخليج العربي وحلفائها ضد القوة الإيرانية، التي من شأنها أن تطغى عليهم في الفراغ، وتسمح لطهران بالسيطرة بشكل أكبر على المنطقة.
ويدرك بايدن جيدا الصعوبات، التي تنطوي عليها محاولة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والتعقيدات الإضافية بسبب الإجراءات، التي اتخذها ترامب وإسرائيل، والتي عملت على تقوية التيار المتشدد في إيران، وبالتالي سوف تزيد من نزعته لتوسيع نفوذ بلده على الدول العربية.
وكان بايدن قال إنه سيعود إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب منه ترامب في العام 2018، رغم معارضة الحلفاء الأوروبيين، إذا استأنفت إيران الالتزام به. أما إيران فقد قالت إن على الإدارة الأميركية الجديدة أن تتحرك أولا وإنها ربما تطلب تنازلات.
ورغم أنه سيكون من الصعب على بايدن أن يعرض على إيران تخفيف العقوبات بشكل كبير خلال وقت قريب، فثمة إشارات من فريق إدارته أن بوسعه أن يفتح الباب أمام إعادة التواصل بتخفيف القيود، التي عرقلت حصولها على السلع المخصصة للأغراض الإنسانية في غمار جائحة كورونا.
ولكن في خضم هذا التحدي، الذي سيكون على طاولة إدارة بايدن منذ اليوم الأول لدخولها إلى البيت الأبيض، يعتقد جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي أن أحد مفاتيح حل المشكلة هو مناقشة الماضي والمستقبل المحتمل للاتفاق النووي، ووجهات نظر كل من الآراء العامة العربية والإيرانية، التي أجريت طيلة أشهر عبر الشرق الأوسط.
وتشير تلك الاستطلاعات إلى أن تدخل إيران أولا في لبنان، ثم في العراق، وأخيرا في سوريا، تسبب في إثارة القلق العميق لدى الرأي العام العربي. ووجدْت أن تصنيفات إيران الإيجابية بين العرب في معظم الدول قد تراجعت من نطاق 80 في المئة في عام 2006 إلى أقل من 30 في المئة في عام 2012 ثم إلى أقل من 20 في المئة.
ويلفت زعبي إلى أن دور إيران في سوريا كان بمثابة المسمار في نعش مكانة إيران في الرأي العام العربي، وقد انتقد أعضاء فريق الأمن القومي في إدارة أوباما حول إنفاق واشنطن للكثير من الأموال في سبيل إيقاف قنبلة لا تمتلكها إيران -وحتى لو فعلت ذلك، فلن تتمكن من استخدامها- بينما أن التركيز على الخطر الحقيقي، الذي تشكله تدخلات طهران المباشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن هو الأجدى.
ورغم أن العقوبات في إطار حملة “الضغوط القصوى”، التي شنها ترامب على إيران عضو منظمة أوبك إلى تقليص إيراداتها النفطية وعرقلت تجارتها الخارجية، لكنها لا تزال تتبع أساليب ملتوية في الحصول على الأموال، كما أن تقارير غربية ذكرت مرارا أنها تلجأ إلى تجارة المخدرات لمساعدة أذرعها في العراق وسوريا ولبنان، وخاصة حزب الله اللبناني.
وقامت طهران بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، بالتراجع بشكل تدريجي عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق، لكن مسؤولين إيرانيين أكدوا أن العودة إلى هذه الالتزامات ستكون “تلقائية” متى احترمت واشنطن تعهداتها بموجبه. وهذه نقطة مفصلية لأي مستقبل للاتفاق النووي.
محدّد رئيسي
يتجه محللون إلى تأييد فكرة أن موقف الشعوب العربية وخاصة في الدول المجاورة لإيران أو تلك التي بسطت طهران نفوذها عليها، يعد محددا رئيسيا في تحديد كيفية تعامل بايدن مع النظام الإيراني، فسياسة المقايضة لا تعطي دائما نفس النتيجة.
وعندما تم الإعلان عن إطار الاتفاق النووي في 2015، عارضته الأغلبية في معظم الدول العربية، ولكن في السنوات التالية، نما الدعم للاتفاقية مع زيادة الثقة في أنها ستعمل على الحدّ من قدرة إيران على تطوير قنبلة نووية وبحلول 2018، دعمت الأغلبية في نفس هذه الدول الصفقة.
ولكن، نظرا لوجود قلق متزايد بشأن سلوك إيران الإقليمي، في نفس العام، أيدت أغلبية قوية في كل دولة عربية، بما في ذلك العراق ولبنان، قرار إدارة ترامب بإلغاء الصفقة، معربة عن الأمل في أن يتم استبدالها باتفاقية جديدة، وهو ترتيب من شأنه أن يحدّ من دور إيران في صراعات المنطقة.
التحدي الأميركي في الشرق الأوسط سيكون مستقبلا، كما كان في ظل إدارة ترامب، هو تحقيق الاستقرار لدول الخليج العربي
وتدرج الولايات المتحدة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب، وبذلك فإن كل من يتعاون مع هذا الجناح، يتم شموله بحجب أمواله وممتلكاته الواقعة ضمن الأراضي الأميركية أو نطاق صلاحياتها.
وكان ترامب أكد أن استراتيجيته لمواجهة إيران ستبدأ بفرض عقوبات على الحرس الثوري، وقال مرارا إن إيران تنتهك قرارات الأمم المتحدة ببيع أسلحة وتقديمها للدعم العسكري لجهات مقاتلة موالية لها في اليمن وسوريا ولبنان، ومن الضروري التصدي لسلوكها العدواني والمزعزع للاستقرار والمنتهك للقوانين في المنطقة.
وعلى امتداد سنوات أظهرت نتائج استطلاعات للرأي أجراها المعهد العربي الأميركي تحولات داخل إيران والدول العربية، ولكن الأمر الأبرز هو أن شريحة واسعة من الإيرانيين يطالبون بلدهم بالتركيز على الشؤون الداخلية وخاصة في ما يتعلق بالاقتصاد، والتي غالبا ما تفرض عليه طهران تكتما شديدا في الداخل بينما تقوم بنشر دعايات للرأي العام الدولي.
وبات الإيرانيون اليوم أكثر قسوة، بعد أن أثرت عليهم العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، ومع اقتراب الانتخابات في إيران في يونيو المقبل، بدأ المتشددون في البلاد في الصعود، في الوقت الذي ازدادت فيه حدة الرأي العام تجاه إيران بين العرب في ظل استمرار الدور العدواني الإيراني في المنطقة.
كما تشددت المواقف تجاه إيران في الولايات المتحدة، خاصة بين الجمهوريين، فقد تواجه أي خطوة لتخفيف العقوبات أو إعادة الدخول للاتفاق النووي معارضة من الكونغرس إذا لم يتم إضفاء لمسات تعديلية عليه بحيث تُبقي طهران تحت المراقبة الدولية، وفي نفس الوقت تجعل الحلفاء العرب في موقف أكثر ارتياحا لحين البحث عن حلول جذرية تنهي سطوة الإيرانيين على المنطقة.
صحيفة العرب