بغداد – تفرح إيران بمصائب تركيا في العراق، بعدما أطلقت بغداد “حملة إيمانية” تستهدف غلق محال بيع الخمور، على أن تحل محلها تجارة المخدرات الإيرانية.
وبينما تحولت المشروبات الكحولية القادمة من تركيا في الجنوب، إلى أمر نادر الوجود، انتشرت المخدرات القادمة من إيران بكثافة في أوساط الشبان، لتسد النقص الكبير في سوق “المواد الباعثة على البهجة”.
ويبدو أن إيران قرّرت إغلاق السوق العراقية أمام الكحول التركية، بهدف توسيع نطاق استهلاك المخدرات.
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية تعرض العديد من محال بيع المشروبات الكحولية في بغداد إلى هجمات بعبوات ناسفة نفذتها ميليشيات شيعية تابعة لإيران، من دون أن تتجرأ أجهزة الأمن على التدخل.
والأغرب، أن أجهزة الأمن نفسها عادت لإطلاق حملة ملاحقات ضد محال بيع الكحول التي نجت من الهجمات التفجيرية، لإغلاقها بحجة أنها غير مجازة.
وقال عاملون في القطاع إن حجم تجارة الكحول في بغداد انخفض بحدود النصف في غضون اليومين الماضيين، ما يفسح المجال واسعا أمام سوق المخدرات الإيرانية للازدهار على المدى المتوسط.
وتضخ إيران عن طريق منافذ في البصرة وديالى كميات كبيرة من المواد المخدرة، على شكل مساحيق وحبوب، تُستهلك في معظمها داخل المناطق الشيعية الفقيرة في الوسط والجنوب.
ويقول الخبير القانوني في العراق طارق حرب إن “سوق المخدرات يفرح بنكبة سوق المشروبات، مع دعاء الدول المصدرة للمخدرات ومع بكاء الدول المصدرة للمشروبات”.
وتشير نبرة السخرية والتندر في تعليق حرب إلى التنافس الكبير بين تركيا “أمّ الكحول” وإيران “أمّ المخدرات” على السوق العراقية، إذ تسعى كل منهما إلى احتكارها أو الهيمنة على الجانب الأكبر منها.
وبينما أنشأت تركيا معامل إنتاج وتعبئة قرب حدود العراق لتحقيق تنافسية أعلى في سوق هذا البلد، طور الإيرانيون مادة مخدرة شديدة التأثير تدعى “الكريستال”، وعملوا على نشرها بكثافة في العراق، حتى تحولت إلى المرتبة الأولى في معدل الاستهلاك.
ويقول خبراء في مجال مكافحة المخدرات إن “الكريستال” الإيراني يترك أثرا رهيبا على الجهاز العصبي، ويدفع من يتعاطاه إلى القيام بأعمال في غاية الخطورة.
وتقول مصادر أمنية إن تجارة المخدرات الإيرانية تعدّ الآن أبرز مورد لتمويل أنشطة الميليشيات الشيعية في العراق.
ويوفر هذا النوع من التجارة تمويلا مستداما، بعدما تراجع حجم الأموال التي تحصل عليها الميليشيات الشيعية التابعة لإيران عبر مؤسسات الدولة، بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد، والانخفاض المزمن في أسعار النفط.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية لعبت المخدرات دورا في توفير ملايين الدولارات للميليشيات الشيعية التابعة لإيران في العراق، وأسهمت في معالجة عجز التمويل الناجم عن توقف معظم مشاريع الدولة التي كانت تدر الأرباح في السابق.
ولم تعد إحالة المشاريع الخدمية إلى شركات المقاولات أمرا شائعا في العراق بسبب الأزمة المالية، ما يعني أن الميليشيات لم تعد تجد الكثير من المقاولين الذين يملكون الأموال كي تبتزهم، لذلك نشطت تجارة المخدرات بقوة لتلافي العجز المالي.
لكن تركيا لم تتضرر كثيرا، إذ أن القدرة الاستهلاكية في بغداد وبعض المناطق العراقية الأخرى أبقت العراق في موقع متقدم ضمن قائمة الدول المستهلكة للكحول.
وتحتكر تركيا ما يزيد على 90 في المئة من سوق المشروبات الكحولية في العراق، وأنشأت معامل تعبئة خاصة لهذا الغرض في إحدى المناطق الحدودية.
وتدخل معظم المشروبات الكحولية إلى العراق عن طريق إقليم كردستان، الذي يقتطع من عوائد هذه التجارة حصصا محترمة، قبل أن يسهّل عملية نقلها إلى بقية أجزاء العراق.
وفيما مضى من أعوام كانت محال المشروبات الكحولية تمثل جزءا من مشهد مألوف في مدن جنوبية مثل البصرة والناصرية، المعروفتين بنزوعهما نحو المدنية، بالرغم من كونهما مركزين كبيرين للتشيع الإثني عشري.
لكن صعود بعض الحركات الراديكالية، مثل تيار مقتدى الصدر الذي يربط به جيش المهدي، الأب الروحي لجميع الميليشيات الشيعية التي تناسلت خلال الأعوام الماضية، أضر بالفسحة المدنية في جنوب العراق، لصالح الرؤية المتشددة في تطبيق الدين.
ويقول كثيرون إن جيش المهدي هو النسخة الشيعية من تنظيم القاعدة التكفيري، بينما تنافست ميليشيات عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء لتكون النسخة الشيعية من تنظيم داعش.
ونقلت الميليشيات الشيعية التي تديرها إيران بالكامل، تجربة القاعدة وداعش إلى المناطق الشيعية، وحاربت تجارة الكحول بوصفها حراما يؤدي الوقوع فيه إلى دخول النار.
العرب