آثرت ميليشيات الحشد الشعبي التكتّم على ضربة جوية محدودة وجهها الطيران الأميركي لقوةّ تابعة للحشد متمركزة في منطقة الحدود بين سوريا والعراق، وقال محلّلون عسكريون إنّ الهدف منها هو توجيه إنذار لتلك الميليشيات وخصوصا لإيران التي تدعمها وتستخدمها في حرب بالوكالة ضدّ القوات الأميركية، بأنّ التمادي في محاولات ربط الأراضي العراقية بالسورية بهدف مدّ طريق سالكة عبرها باتجاه دمشق واللاذقية وبيروت على ضفاف البحر المتوسّط يظل خطا أحمر أميركيا حتى وإن قبلت واشنطن مرحليا بمهادنة الميليشيات لكن ضمن حدود العراق.
وأفاد مصدر عسكري الأحد أن القصف الأميركي الذي نفذته طائرة مسيرة استهدف مركبة تتبع الحشد الشعبي ضمن المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق.
وقال ضابط في الجيش العراقي برتبة مقدم لوكالة الأناضول إن القصف دمر المركبة بالكامل وأوقع قتلى، غير أنّ قناة روسيا اليوم الروسية نقلت عن مراسلها في العراق معلومات تفيد بتعرض عربة تابعة للواء 14 في الحشد الشعبي للقصف دون تسجيل خسائر بشرية. وفي سياق متوافق مع هذه الرواية أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” نقلا عن مراسلها أن “الاحتلال الأميركي استهدف عبر طائرة مسيرة شاحنة لنقل مواد غذائية في بلدة السويعية التابعة لمدينة البوكمال بريف دير الزور الجنوبي الشرقي ما أدى إلى تدمير السيارة دون وقوع إصابات بشرية”.
القصف الأميركي للميليشيات يتركز على الحدود العراقية – السورية لمنع إيران من استكمال مد طريقها صوب المتوسط
ومن جهته نفى قائد عمليات الأنبار للحشد الشعبي قاسم مصلح الأنباء المتداولة بشأن القصف الأميركي. غير أنّ مصدرا سياسيا عراقيا لم يستبعد أن يكون هذا النفي إجراء تكتيكيا بطلب من إيران ذات الصلة الوثيقة بميليشيات الحشد وذلك بهدف التحكّم في التصعيد، الذي حدث مؤخّرا بين الميليشيات الشيعية والقوات الأميركية ومنع انفلاته.
وقال مصلح في بيان نشرته هيئة الحشد الشعبي إنّ “قاطع المسؤولية مؤمّن بشكل كامل ولا توجد حوادث عرضية أو مساس بقواتنا المرابطة على الحدود العراقية السورية وداخل العمق الصحراوي العراقي خلافا لما يتم ترويجه”.
وأضاف “قواتنا مستمرة في أداء مهامها في مسك الحدود وتعقب الإرهاب وحماية المنشآت وخطوط إمداد الطاقة الكهربائية بتنسيق عال مع العمليات المشتركة ضمن قواطع المسؤولية”.
وتصاعد التوتّر بين القوات الأميركية في العراق والميليشيات الشيعية التي تقول إنّها تعمل على دفع تلك القوات المقدّر عددها بـ2500 للانسحاب من البلاد، بعد توجيه الطيران الحربي الأميركي ضربات لمواقع تابعة للحشد في العراق وسوريا نهاية يونيو الماضي ما أسفر عن مقتل نحو عشرة من عناصره، وردّت عليها الميليشيات باستهداف محيط مقرّ سفارة الولايات المتّحدة في بغداد، وكذلك نقاط تمركز القوات الأميركية وخصوصا في قاعدة عين الأسد غربي العراق الأمر الذي أثار مخاوف بشأن صدام عسكري أميركي إيراني بالوكالة على الأراض العراقية.
لكنّ مصادر عراقية مطلّعة تؤكّد عدم رغبة كلا الطرفين الأميركي والإيراني في الذهاب بالتصعيد إلى مديات غير محسوبة ولا تخدم مصلحة كلّ منهما في الوقت الحالي.
وضمن هذا الإطار تحديدا صنّفت المصادر سلسلة زيارات قام بها مؤخّرا مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني إلى بغداد، حاملين أوامر للميليشيات بالتهدئة مع الولايات المتحدة إلى ما بعد المحادثات الجارية في فيينا بشأن النووي الإيراني.
وعلى الجهة المقابلة لم يخل الخطاب الأميركي من رغبة في الحدّ من التصعيد مع الميليشيات في العراق، في وقت تسعى فيه واشنطن لإيجاد صيغة للحفاظ على وجود عسكري ولو محدود على الأراضي العراقية بهدف عدم إخلاء الساحة أمام إيران وميليشياتها.
قناة روسيا اليوم الروسية نقلت عن مراسلها في العراق معلومات تفيد بتعرض عربة تابعة للواء 14 في الحشد الشعبي للقصف دون تسجيل خسائر بشرية
وتجسّدت نبرة التهدئة الأميركية في إعلان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة جوي هود مؤخّرا، بأنّ بلاده ليست في حالة حرب مع الميليشيات، مضيفا “نريدها أن تتركنا وشأننا وتترك الشعب العراقي وشأنه”.
ويرجّح مراقبون أن تكون نبرة التهدئة الأميركية خيارا تكتيكيا خدمة لهدف أهمّ وأبعد مدى، وهو إيجاد صيغة ما من خلال الحوار الإستراتيجي مع بغداد لإبقاء القوات الأميركية في العراق والتي تضغط الميليشيات لدفعها إلى المغادرة، ما سيعني للأميركيين إخلاء الساحة أمام إيران لاستكمال هيمنتها على البلد وربط أراضيه بأراضي سوريا المجاورة ضمن ممر طويل يصل طهران بضفة البحر المتوسّط عبر لبنان.
وقال هود إنّ الجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق ستعقد في غضون أيام قليلة لتعزيز العلاقات بين بين البلدين. وفي يناير 2020 صوّت البرلمان العراقي لصالح قرار يطالب بإخراج القوات الأجنبية بما فيها الأميركية من البلاد، إثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ورئيس هيئة أركان الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
ولا يحظى إخراج القوات الأجنبية من العراق بإجماع كافة الأطراف والقوى السياسية، فحماس الأحزاب والميليشيات الشيعية للمسـألة يقابله اعتراض قوى سنّية وكردية تخشى اختلال التوازن بالكامل لمصلحة ما يعرف بمعسكر إيران في العراق. أما القيادات السياسية التي تحاول مسايرة القوى الشيعية المتنفّذة، فتعلم مدى حاجة العراق للولايات المتّحدة في عدّة مجالات أمنية واقتصادية، وتخشى أن تتأثر العلاقات بين البلدين بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.
القدس العربي