علاقات إسرائيل مع الصين على المحكّ

علاقات إسرائيل مع الصين على المحكّ

يسود اعتقاد بين صفوف معظم خبراء الشؤون الأميركية في إسرائيل، فحواه أن علاقات هذه الأخيرة مع الصين ستكون على المحكّ في الفترة القريبة المقبلة، تحت تأثير الصراع الآخذ في الاحتدام بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وما بات يُعرف بـ”العلاقات الخاصة” لإسرائيل مع الولايات المتحدة من جهة أخرى. ويذهب بعض هؤلاء إلى حدّ التنبؤ بأنه في خضم ذلك قد توضع إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا واشنطن أو بكين، وهم يجزمون بأن خيارها واضح منذ الآن، في ضوء كون الأولى حليفتها الاستراتيجية الرئيسية، وكذلك كون نحو نصف اليهود في العالم يعيشون فيها، فيما يؤكد بعض آخر أنّ الأمور ليست سائرة نحو هذا المنحى.

يبدو أنّ النقطة الزمنية الأقرب لما تقدّم هي الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، حيث من المتوقع أن يتم افتتاح ميناء جديد في خليج حيفا، فازت الشركة الصينية “شانغهاي إنترناشيونال بورت غروب” (SIPG) بمناقصة تشغيله على مدار 25 عاماً. وهو مُحاذٍ لميناء حيفا القائم المقرّرة خصخصته أيضاً في وقت لاحق. وأعربت الولايات المتحدة، إبّان الإدارة السابقة، عن مخاوف أمنية كبيرة من فوز هذه الشركة الصينية بالمناقصة، نظراً إلى أنّ ميناء حيفا يشكل، منذ أعوام طويلة، نقطة رسو لسفن الأسطول الأميركي السادس، وأنّ الصين قد تستغل علاقاتها مع إسرائيل من أجل تحسين مكانتها الاستراتيجية، بالإضافة إلى أنّ وجودها في الميناء يمكن أن يُستخدم لجمع معلومات استخباراتية حسّاسة، ومعرفة تكنولوجيا سرية. وأفيد بأنّ إسرائيل قدمت إلى واشنطن ضماناتٍ تكفل بألّا تتمكن الصين من تجييش المشاريع التي تشارك فيها في إسرائيل، لتحسين مكانتها الاستراتيجية وقدراتها الاستخباراتية.

وتعتبر قضية الميناء في حيفا بمثابة تفصيل صغير في شبكة العلاقات المتطوّرة مع الصين على مدار الأعوام القليلة الفائتة، غير أنّ ما تشدّد عليه المصادر الأميركية هو أنّ الهيمنة الصينية على موانئ استراتيجية عديدة وممرّات بحرية في أنحاء العالم تأتي في إطار “مبادرة الحزام والطريق” التي قال الرئيس الصيني إنّها تدمج بين العسكري والمدني. وفي ضوء ذلك، يمنح عقد إدارة ميناء حيفا الجيش الصيني نظرياً منشأة مفيدة في البحر الأبيض المتوسط في واحدٍ من أهم مسارات التجارة العالمية.

ولا تختلف الحال مع وجود إدارة أميركية جديدة، ففي أول خطاب أمام الكونغرس، قال الرئيس جو بايدن، إنّ إدارته تعتبر أنّ أميركا في وضع تنافس مع الصين على التفوّق والريادة في القرن الحالي. ويقتبس أحد السفراء الإسرائيليين السابقين في واشنطن عن مستشار سياسي لبايدن مختص في شؤون الصين، راش دوشي، ضمن كتاب جديد له بعنوان The Long Game: China’s Grand Strategy to Displace American Order قوله إن الهدف الذي تسعى الصين إليه هو الوصول إلى تفوّق عالمي مطلق على الولايات المتحدة في غضون الأعوام الثلاثين المقبلة. وينوّه أحد القناصل الإسرائيليين السابقين في نيويورك بأنه في يوليو/ تموز الفائت قدّم مركز الأبحاث في الكونغرس تقريراً في 56 صفحة عنوانه “التحديث البحري الصيني وتداعياته على قدرات الأسطول الأميركي” وورد في أول فقرة منه أنّ “جهود التحديث العسكري التي تقوم بها الصين، لا سيما في الأسطول، أصبحت البؤرة الرئيسية لتخطيط وموازنة برامج الدفاع الأميركية، فالأسطول الصيني الذي يخضع إلى سيرورات تحديث وتعاظم منذ أكثر من 25 عاماً، أضحى قوة عسكرية مهمة في الحلبة البحرية المباشرة للصين، لكنّه يقوم بمناورات بعيداً عن الصين، في حيّزات المحيط الهادي، والمحيط الهندي، والمناطق البحرية المحاذية لأوروبا”. وقبل هذا التقرير، أصدر وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن “توجيهاتٍ لتوصيات طاقم المهمات بشأن الصين” حدّد فيها أنّ “بكين تعتبر التحدّي الأكبر للولايات المتحدة” ولذا على ميزانية الدفاع لعام 2022 أن تعكس مقاربةً ترى أنّ الصين بمثابة “تهديد ماثل في الأفق”! وهو أفقٌ غير منحصر في تخوم أميركا.

انطوان شلحت

العربي الجديد