يتواصل تطبيق اتفاق توصلت إليه اللجنة المركزية المفاوضة عن الأهالي في أحياء درعا البلد جنوب سورية، مع النظام السوري بضمانة من الجانب الروسي، وهو ما قد يمهد الطريق أمام وضع حد لمأساة آلاف المدنيين المحاصرين في هذه الأحياء منذ أكثر من سبعين يوماً.
وشهدت محافظة درعا، أمس الخميس، هدوءاً حذراً مع دخول وقف إطلاق النار يومه الثاني، مع تواصل عمليات التسوية الجديدة للمطلوبين في درعا البلد، وسط ترقب لإنشاء نقاط عسكرية للشرطة العسكرية الروسية وقوات اللواء الثامن الموالي لموسكو في المنطقة. إلى ذلك، ذكرت وكالة “نبأ” المحلية أن الشرطة العسكرية الروسية دخلت أمس الخميس إلى درعا البلد، برفقة ضباط من اللجنة الأمنية التابعة للنظام، لاستكمال إجراء التسوية للمطلوبين، وذلك استكمالاً لتنفيذ بنود الاتفاق.
الحوراني: خطوات تنفيذ الاتفاق تسير من دون مشاكل
وأكد الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، أن “خطوات تنفيذ الاتفاق تسير من دون أي مشاكل حتى الآن”. وأضاف: “يقوم الأشخاص الراغبون بتسوية أوضاعهم بالتقدم إلى مركز التسوية الذي افتتحه النظام، بينما سلم الأشخاص المطلوبون للنظام أسلحتهم”. وأوضح أن “الأشخاص الـ34 المطلوبين كان أمامهم إما إجراء تسوية أو التهجير، لكنهم فضلوا إجراء تسوية والبقاء في درعا”.
وكان المتحدث الرسمي باسم لجنة درعا المركزية عدنان المسالمة قد أوضح، الأربعاء الماضي، أن الاتفاق الذي أبرم مع النظام، تحت إشراف روسي، ينص على “الوقف الفوري لإطلاق النار، ودخول دورية للشرطة العسكرية الروسية، وتمركزها في درعا البلد”. كما نص على “فتح مركز لتسوية أوضاع المطلوبين وأسلحتهم، ومعاينة هويات المتواجدين في درعا البلد لنفي وجود الغرباء، ونشر أربع نقاط أمنية، وفك الطوق عن محيط مدينة درعا، وإعادة عناصر مخفر الشرطة، والبدء بإدخال الخدمات إلى درعا البلد، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين بعد مضي خمسة أيام على تطبيق هذا الاتفاق”، وفق المسالمة.
واستُقبل الاتفاق بتقدير وترحيب كبيرين من الشارع السوري المعارض، الذي وجد أن اللجنة المركزية توصلت لتسوية مع النظام تُجنّب أكثر من 11 ألف مدني محاصرين في أحياء درعا البلد أخطاراً جمّة، لو استمرت قوات النظام بحملتها على هذه الأحياء. كما أبعد الاتفاق الفرقة الرابعة، وهي الأكثر فتكاً بالمدنيين من بين الفرق العسكرية التابعة للنظام، عن درعا البلد، وهو ما يعد مكسباً كبيراً، خصوصاً أن هذه الفرقة معها مليشيات إيرانية كانت تتوعد بارتكاب مجازر وعمليات انتقام من سكان درعا البلد، منبع الثورة السورية.من جهته، يحاول النظام من خلال وسائل إعلامه الإيحاء لمواليه أنه حقق نصراً في منطقة درعا البلد، بينما الوقائع على الأرض تشير إلى أن الوفد المفاوض عن النظام لم يستطع فرض شروطه، خصوصاً لجهة تسليم السلاح الفردي لكل المقاتلين في درعا البلد، ودخول الأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة. كما لم يستطع النظام الحصول على اعتراف مكتوب من اللجنة المركزية في درعا بشرعية بشار الأسد رئيساً على البلاد، بل إن أبو علي المحاميد، وهو أحد المفاوضين عن أحياء درعا البلد، قال في بيان أمس الأول: لن تتغير مواقفنا من الثورة السورية التي قدمنا فيها الدماء والأرواح، حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة.
وذكرت صحيفة “الوطن” الموالية أن فريقاً من قوات النظام “دخل الأربعاء إلى درعا البلد لإنشاء 4 نقاط عسكرية له في المنطقة”، مشيرة إلى أن “أقسام الشرطة ستعود اعتباراً من اليوم (الخميس) إلى القيام بمهامها في درعا البلد، وسيلي ذلك عودة جميع مؤسسات الدولة”. ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها “إن المسلحين المتبقين والرافضين لبنود التسوية انتقلوا من درعا البلد إلى حي المخيم المجاور”، مشيرة إلى “أن هناك مباحثات تجري مع وفد من المخيم لإجراء تسويات فيه”، معربة عن أملها بأن “ينسحب الحل السلمي الذي جرى في درعا البلد على المخيم”. ويضم المخيم آلاف اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى نازحين سوريين من الجولان المحتل منذ العام 1967، وهو من المناطق المحاصرة من قبل قوات النظام. ووفق وكالة “سانا” التابعة للنظام، فقد جرى تسليم أسلحة وتسوية أوضاع عشرات الأشخاص من درعا البلد، في مركز التسوية بحي الأربعين، مشيرة إلى “تسوية أوضاع 209 أشخاص، وتسليم الأسلحة الفردية التي كانت بحوزة بعضهم، وذلك تنفيذاً لاتفاق التسوية الذي طرحته الدولة في إطار جهود الحل السلمي”. ولفتت إلى أنه “سيتم فتح عدة مراكز تسوية في حي درعا البلد لتسوية أوضاع العديد من الأشخاص، وتسليم السلاح”.
رضوان زيادة: النظام لم يستطع فرض شروطه كاملة على الأهالي
من جهته، وصف العقيد ياسين علوش، وهو قيادي في فصائل المعارضة في جنوب سورية، الاتفاق الذي أبرم في درعا البلد بـ”المشرف”. وقال، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “على الرغم من الحصار لأكثر من 70 يوماً صمد أهالي درعا البلد، وصدوا بسلاحهم الفردي عشرات محاولات الاقتحام من قوات النظام والمليشيات الإيرانية. لقد خرج أهالي درعا البلد بنصر على النظام، حيث لا تهجير ولا تسليم سلاح، كما كان يشترط النظام لتوقيع أي اتفاق مع أهالي درعا البلد”. وأشار إلى أن الأهالي “سيلتزمون بالاتفاق”، غير أنه رأى أن الاتفاق “هش بسبب عدم وجود ضمانات دولية”، مضيفاً: الجانب الروسي دائم المراوغة وينتقل من دور الضامن إلى دور الوسيط. ورأى علوش أن المليشيات الإيرانية “ربما تعمل على إفشال هذا الاتفاق”، مضيفاً: “النظام ليس صاحب قرار، وإيران تسعى للوصول إلى الحدود السورية الأردنية. أينما تكُن إيران يكُن الخراب، وهذا ما أثبتته الوقائع في كل الدول العربية التي لها نفوذ كبير فيها”.
وفي السياق، لفت المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن النظام “لم يستطع فرض شروطه كاملة على أهالي وسكان درعا البلد”. وقال: تبيّن للنظام أن درعا خاصرة رخوة بالنسبة له لا يستطيع تطويقها كما جرى في غوطة دمشق الشرقية وبقية المناطق في ريف دمشق. وأشار زيادة إلى أن النظام، بقادة أجهزته الأمنية والعسكرية والمدنية، “ظهر في أضعف حالاته في درعا البلد”، مضيفاً: لقد ظهر حجم الشقوق والتصدعات في هذا النظام، والتي ربما تزيد مع الضغوط الاقتصادية والخارجية والداخلية.
أمين العاصي
العربي الجديد