في تذكير حادّ بهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، خرج الممثلان الرئيسيان لهذا الحدث عبر وسائل الإعلام لقول رأيهما في ذلك الموضوع الذي غيّر التاريخ المعاصر للعالم. الأول كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وقعت العمليات على أراضي بلاده قبل عشرين عاما، والثاني هو أيمن الظواهري، زعيم تنظيم «القاعدة» الذي كان نظّم تلك الهجمات.
بايدن هو الرئيس الأمريكي الرابع منذ تلك الأحداث، بعد جورج دبليو بوش، صاحب مقولة «من ليس معنا فهو ضدنا» الذي حكم بلاده لولايتين، وقاد بلاده بعد شهر واحد من تلك الهجمات لاجتياح أفغانستان، وباراك أوباما (الذي حكم أيضا ولايتين) ودونالد ترامب، وكلاهما تابع مسيرة «الحرب على الإرهاب» فيما قدّم الأخير (بايدن) عبر إنهاء سحب القوات العسكرية لـ«التحالف الدولي» مشهدا تاريخيا شديد العبثية مع عودة حركة طالبان السريعة للحكم، وانهيار الجيش والنظام الأفغانيين المدعومين أمريكيا.
إضافة إلى انتقامها المهول من أفغانستان الذي انتهى هذه النهاية البائسة، قامت واشنطن بحرب عبثية أخرى، وبمزاعم ثبت كذبها، على العراق، وقامت بتدخلات عسكرية مع عدد آخر من البلدان بالارتباط بتلك «الحرب على الإرهاب» وهو ما كلّفها قرابة ثمانية تريليونات دولار، وأدى إلى مقتل أكثر من 900 ألف شخص، وشاركت أجهزتها الأمنية في أعمال التعذيب، وسجنت عشرات الآلاف من البشر.
لم تكن هذه «الحرب على الإرهاب» من إنجاز الساسة، من كلا الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل شاركت فيها وسائل الإعلام التي ساهمت في تضليل الجمهور، وإذا كان الساسة الأمريكيون، قد اقتنعوا، تدريجيا، بتقليص حجم الكارثة التي صنعها التدخل العسكري الخارجي الأطول في تاريخ أمريكا، فإن بعض الإعلاميين (مدفوعين على الأغلب بعلاقاتهم مع المجمع الصناعي العسكريّ والتيارات اليمينية المتطرّفة) ما زالوا يدافعون عن خوض واشنطن حروبا لا تنتهي، بل ويزعمون أن أمريكا انتصرت في حربيها البائستين في أفغانستان والعراق.
إحدى المفارقات الكبرى لـ«الحرب على الإرهاب» أن المؤسسات الأمريكية أخذت، بالتدريج، تتنازل عن القيم الديمقراطية التي تعتبر أنها تميّزها عن أولئك الذين تحاربهم، فبدأت عمليات الخطف والاعتقال غير القانوني والتعذيب وأشكالا متعددة من انتهاك حقوق البشر، وصولا إلى اعتبارها ضحايا غارات الطائرات المسيّرة من المدنيين «مقاتلين» أو «أضرارا جانبية» وهو ما يعتبر ترجمة غربية لفتوى «التترس» التي تستخدمها التنظيمات السلفية المسلّحة لتبرير قتل المدنيين خلال هجماتها، فما الذي يميّز، في هذه الحالة، بين الدولة المدنية الديمقراطية والمتحضرة مع من تعتبرهم إرهابيين ومجرمين؟
من المفيد طبعا أن تنهي الولايات المتحدة احتلالها لأفغانستان، وأن تعتبر ما جرى «ذكرى مؤلمة» على حد تعبير الرئيس الأمريكي، وجدير ببايدن أن يضع إكليلا من الزهور في بنسلفانيا، في موقع النصب التذكاري الوطني للرحلة 93، حيث تمت كتابة أسماء الركاب وطاقم الطائرة الذين قضوا ضحيّة الهجوم، على جدارية من الرخام، وأن يحضر مع الرؤساء السابقين، بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما (بغياب دونالد ترامب!) احتفالا في «غراوند زيرو» في نيويورك، غير أنه من غير الممكن للولايات المتحدة أن تتصالح مع ذاتها، ولا مع العالم، من دون اعتبار لـ«الذكرى المؤلمة» لمئات الآلاف الذين ماتوا في حروب أمريكا الانتقامية بعد تلك الأحداث.
من غير ذلك فلا أمل للضحايا، وللشعوب التي تغيّرت مصائرها للأبد، والذين، بالنسبة إليهم، فإن الحرب لم تنته بعد.
القدس العربي