“الأيباك” أم “الأفنجيليون”.. من هو اللوبي الأكثر دعما لإسرائيل في الولايات المتحدة؟

“الأيباك” أم “الأفنجيليون”.. من هو اللوبي الأكثر دعما لإسرائيل في الولايات المتحدة؟

من هو اللوبي الأكثر دعما لإسرائيل في الولايات المتحدة “الإيباك” أم الإنجيليين أم المسيحيين الصهاينة أم اليهود؟ وهل تتغير الصورة لدى الجيل الأمريكي الصاعد؟

حول هذا السؤال وغيره يستعرض المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية “مدار” مسيرة وتحولات اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة. وفي زيارته إلى الولايات المتحدة كان هذا السؤال يشغل رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، إضافة إلى جانب مهمة ترميم العلاقة ما بين إسرائيل وبين الحزب الديمقراطي الأمريكي.

يذكر أن “الأيباك”، اللجنة الأمريكية- الإسرائيلية للشؤون العامة، هي أكبر لوبي يستخدمه يهود الولايات المتحدة للتأثير على السياسة العامة الأمريكية بهدف دعم مصالح إسرائيل. وفي فترة بنيامين نتنياهو تلقت منظمة الأيباك انتقادات لاذعة من قِبَل أصوات لامعة في الحزب الديمقراطي مثل بيرني ساندرز والسيناتور إليزابيث بيرنر وقد أثرت هذه الانتقادات على مكانتها داخل الولايات المتحدة، بسبب انجرارها وراء الأجندة اليمينية المُتطرفة لنتنياهو وتحالفاته العمياء مع الجمهوريين، خصوصا في ظل وجود إدارة دونالد ترامب في البيت الأبيض.

ويستعرض “مدار” خريطة اللوبيات الداعمة لإسرائيل في الولايات المتحدة في العام 2021، والتركيز على التصدعات التي طالت علاقة “الأيباك” مع الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يقود الإدارة الأمريكية الحالية، بسبب سياسات نتنياهو خلال العقد المنصرم، موضحا أنه منذ تأسيسها في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، تحولت “الأيباك” إلى أكبر لوبي مُنظم ومُناصر لإسرائيل؛ إذ تعتبر نفسها المتحدث باسم كافة المجموعات اليهودية في الولايات المتحدة، كالسياسيين؛ المنظمات؛ مجموعات الضغط؛ مراكز الأبحاث والتفكير والطلاب.

ولا تُعتبر “الأيباك” منظمة يهودية، لكن معظم أعضائها من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وتحظى بشبكة علاقات تشمل مئات مؤسسات القاعدة، وجيشا ضخما من المتبرعين الأثرياء اليهود وغير اليهود، ولديها حوالي 100 ألف عضو، و17 مكتبا في أرجاء الولايات المتحدة، وتمتلك قدرة عالية جدا على تجنيد الأموال وتوظيفها سياسيا داخل الولايات المتحدة.

لذلك يعمل كل مُرشح للرئاسة الأمريكية جاهدا لإلقاء خطاب أمام “مؤتمر أيباك السنوي”، والتقرب من المنظمة لدعم حملته الانتخابية مُقابل وعود بتقديم مصالح إسرائيل في الشرق الأوسط. وأفضل مثال على تغلغل الأيباك في النخبة السياسية العليا في الولايات المتحدة هو عندما استطاعت جمع تواقيع 464 عضو كونغرس أمريكيا في العام 2011 لحث الولايات المتحدة على عرقلة التصويت الأُممي بشكل يحول دون انضمام فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة.

لوبي غير حيادي
وتُعرف “الأيباك” نفسها على أنها لوبي حيادي فيما يخص علاقتها مع الحكومات الإسرائيلية وكذلك مع الإدارات الأمريكية المختلفة وفيما يخص إسرائيل؛ فهي ملتزمة بدعم ومناصرة لها بصرف النظر عن الأجندة الخاصة لحكومتها سواء أكانت يسارية أو يمينية، أو ائتلافية.

أما في يخص الولايات المتحدة، فقد نجحت “الأيباك” عبر عقود طويلة في تعريف نفسها على أنها لوبي يقف على مسافة آمنة من الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري؛ حيث أنها حرصت على عدم احتساب نفسها على أي حزب منهما، وربما لهذا السبب بالتحديد، تدعم “أيباك” كل سياسات إسرائيل، لكنها تُصر دائما على تبني خطاب حل الدولتين، على الأقل في بياناتها وليس في ممارساتها، حرصا منها على عدم إزعاج أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذي يُشكلون جزءا أساسيا من شبكة علاقاتها في الطبقة العُليا للنخبة السياسية الأمريكية.

ويشير “مدار” أن ما حصل في فترة حكم نتنياهو الطويلة نسبيا، هو أن أجندته اليمينية المُتطرفة، أدت إلى قيامه بمُعاداة الحزب الديمقراطي، فقد قاد حملة لمُناصرة ترامب، الأمر الذي دفع “الأيباك”، التي تُؤيد أي حكومة إسرائيلية بصرف النظر عن أجندتها إلى الانجرار خلفه.

وعندما كان جو بايدن نائبا للرئيس باراك أوباما، قاد نتنياهو حملة شرسة ضد الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعه أوباما، وقد شملت الحملة هجوما يمينيا “نتنياهويا” ضد كل الديمقراطيين، و”الأيباك” المُلتزمة بدعم سياسات الحكومات الإسرائيلية، قامت بمُناصرة نتنياهو في حملته هذه، الأمر الذي أغضب العديد من الديمقراطيين الذين اعتبروها مُنحازة سياسيا للخط الجمهوري.

كما يشير أنه في السنوات الأخيرة، هناك تصور داخل النخبة السياسية الأمريكية بأن “الأيباك” أصبحت لوبيا يهوديا مُنحازا إلى حزب الليكود في إسرائيل من ناحية، وإلى الجمهوريين والمُحافظين في الولايات المتحدة من جهةٍ أخرى أما الآن، وبعد خروج نتنياهو وترامب من المشهد السياسي، فتُحاول “الأيباك”، وربما بجهود من بينيت، ترميم هذه التصدعات.

حصان طروادة
ويردف أن بينيت الذي سيبذل جهودا لإعادة تصويب علاقات “الأيباك” بالديمقراطيين، خصوصا في ظل إدارة بايدن، لن يستميت في ذلك؛ فالأيباك لم تعُد الوجهة الأولى لإسرائيل في عصر الانزياح الحاد تجاه اليمينية والشعبوية والتطرف الذي يأخذ شكلا مُحافظا ودينيا.

وعن ذلك يقول “مدار”: “صحيح أن الأيباك تاريخيا شكلت حصان طروادة صهيونيا داخل الإدارات الأمريكية المُتعاقبة، وأعادت تشكيل سياسات أمريكا الداخلية والخارجية بما يخدم الأجندة الإسرائيلية، إلا أنها لم تعُد أكبر لوبي مُناصر لإسرائيل من داخل الولايات المتحدة اليوم، حيث برز إلى اليمين من “الأيباك” منذ عقد تقريبا ما يُسمى باتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل ويستند هذا الاتحاد إلى قاعدة عريضة من الإنجيليين الأفنجيليين.

المسيح المخلص
ويوضح “مدار“ أن الأفنجيلية؛ باعتبارها المسيحية التبشيرية التي تنشر رسالة المسيح بين الشعوب، تضم بداخلها تيارا مسيحيا صهيونيا، خصوصا في الولايات المتحدة، ويرى هذا التيار أن إقامة إسرائيل في العام 1948، وعودة اليهود إلى “أرض الميعاد” مرحلة أساسية لقدوم المسيح المخلص وتدشين نهاية الحياة الدنيا.

وعليه تُعتبر المسيحية الصهيونية، والتي أفرزت “الاتحاد المسيحي لأجل إسرائيل”، مُناصرة لإسرائيل الاستيطانية، وتدعم بشدة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وإعادة بناء “الهيكل” المزعوم في القدس. وفي العام 2006، أعاد المُبشر الأفنجيلي الصهيوني، جون هيغي، تأسيس الاتحاد الذي ظهر لأول مرة في العام 1975، محولا إياه إلى أكبر لوبي أمريكي داعم لإسرائيل. وفي العام 2012، أعلن “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل” عن تخطيه المليون عضو، وتحول بذلك إلى أكبر لوبي مُناصر لإسرائيل في الولايات المتحدة واليوم يضم الاتحاد حوالي سبعة ملايين عضو ويُعتبر، بكلمات نتنياهو، “الصديق الأول لإسرائيل في الولايات المتحدة”.

المسيحيون الصهاينة
على العكس من “الأيباك” التي تُعتبر لوبيا يهوديا، فإن “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل” يضم الأفنجيليين من تيار المسيحيين الصهيونيين. وحسب السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، رون دريمر، والذي يُعتبر من الموالين المُخلصين لنتنياهو، فإن على إسرائيل أن تُركز على الأفنجيليين أكثر من تركيزها على اليهود الذي ينتقدون سياساتها المتطرفة والمُحرجة دوليا بين الفينة والأخرى.

ونتنياهو، الذي يمتلك رؤية بعيدة النظر، استخدم “الأيباك” في العديد من المناسبات قبل أن يُهمشها ويركنها جانبا كخيار ثانِ، والسبب هو أن “الأيباك” تقوم على لوبي يهودي، وهذا يُشكل حوالي ثُمن القاعدة الانتخابية في الولايات المتحدة، أما الأفنجيليون فيُشكلون أكثر من ربع الناخبين. إضافة إلى ذلك، فإن حوالي 75% من يهود أمريكا المنضوين تحت منظمة “الأيباك” يُصوتون للديمقراطيين، بينما 80% من الأفنجيليين يصوتون لصالح الجمهوريين، الأمر الذي تنبه له كل من نتنياهو وترامب مبكرا.

والمسيحية الصهيونية لا تدعم فقط سياسات إسرائيل اليمينية المحافظة؛ وإنما تتخذ موقفا واضحا يُؤيد ضم الضفة الغربية المحتلة وترفض قيام دولة فلسطينية، وتمول الاستيطان وتغطي على جرائم الحرب الإسرائيلية، كل ذلك اعتقادا منها أن دعم إسرائيل بشكل مُنفلت العِقال، هو فريضة دينية مسيحية. كما أن المسيحية الصهيونية لا تدعم سياسة الحكومة الإسرائيلية فحسب؛ بل إنها تلعب دورا محوريا في إعادة تشكيل إسرائيل من الداخل من خلال دعم منظمات المجتمع المدني الصهيونية المُحافظة، ودعم مؤسسات ومراكز أبحاث وجمعيات استيطانية داخل إسرائيل والأرض المحتلة عام 1967.

جدير بالذكر أن أحد أهم أباطرة المال في الولايات المتحدة هو من المتبرعين السخيين في “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل”، وهو شيلدون أديلسون، مالك الكازينوهات الأمريكية وحليف الأفنجيليين وأحد ممولي مؤسسات اليمين الجديد في إسرائيل.

كتاب جديد
وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل اليمينية، فإن “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل” يُعد اللوبي الأهم وليس “الأيباك”، وهذا تطور ملموس على العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية لم يأخذ بعد حقه الكامل من النقاش والبحث، وسيُصدر قريبا كتاب عن “مركز مدار” يسبر غور هذا الحقل.

وعلى غرار أوساط إسرائيلية أيضا فإنه إذا رغبت إسرائيل بالاعتماد الاستراتيجي على المسيحية الصهيونية، فهذا يعني أنها ستحسم موقعها ضمن الخارطة السياسية الأمريكية لصالح الحزب الجمهوري، وستعادي في الوقت نفسه، وكما فعل نتنياهو، كل مرشح ديمقراطي. يُدرك بينيت أهمية هذا اللوبي المسيحي الصهيوني، لكنه أيضا يدرك أن رضا جو بايدن عن حكومته يُعتبر مسألة حيوية لاستمرار الائتلاف الحكومي الضيق والهش. من هنا، يقف بينيت أمام مهمة صعبة تتمثل في الحفاظ على “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل” في نفس الوقت الذي يُحافظ فيه على علاقة وطيدة مع “الأيباك” الذي يميل أكثر للديمقراطيين.

وينبه “مدار” إلى أن الجيل الشاب من المسيحيين الصهيونيين يبدو أكثر انتقادا لسياسات إسرائيل ويتابع “صحيح أن اللوبي المسيحي الصهيوني يُعتبر اليوم قوة عظمى في الحياة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، لكن استفتاء قامت به جامعة نورث كارولاينا قبل أشهر أظهر أن فئة الشباب المُنتمي إلى المسيحية الصهيونية بدأت تُراكم وعيا ليبراليا، وتستفيق على قيم حقوق الإنسان والمساواة، وبالتالي؛ تبدو أقل تعصبا من الجيل المُخضرم داخل المسيحية الصهيونية”.

ويُظهر الاستطلاع الذي أُجري على الأفنجيليين الشباب من فئة 18-29 عاما؛ أن حوالي 33% فقط منهم أبدوا مُناصرة لإسرائيل وسياساتها، مقابل 24% ناصروا الفلسطينيين وحوالي 42% وقفوا على الحياد. وبرأيه، تنبئ هذه النسب بحدوث تحولات جذرية داخل الأفنجيلية بشكل عام، والتي ستُلقي بظلالها على تيار المسيحية الصهيونية، أي “الصديق الأول لإسرائيل” كما وصفه نتنياهو. وعليه؛ إذا استمرت هذا النزعة الشبابية في التصاعد، فإن قدرة كل من “الأيباك” و”اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل” ستتراجع أمام خطر التحولات التي يقودها جيل الشباب.

حل الدولتين لصالح إسرائيل
في المقابل وعلى اليسار من “الأيباك” و”اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل”، هناك لوبي آخر داعم لإسرائيل، وقد يكون الأكثر حبا لها ولكنه الأكثر انتقادا لأجندتها اليمينية وهو اللوبي الذي يُطلق على نفسه اسم”جي ستريت” ويعتبر لوبي صغيرا نسبيا مُقارنة بـ”الأيباك” أو “اتحاد المسيحيين لأجل إسرائيل”.

ويتبنى “جي ستريت” سياسة مُخلصة لإسرائيل، لكنه يعتقد أن حماية إسرائيل والدفاع عن أمنها يأتي من خلال حل الدولتين وإنهاء حالة العداء في الشرق الأوسط، ويعارض الاستيطان في الضفة، ويرفض بشدة “صفقة القرن”. ويقول “مدار” إن “جي ستريت”هي منظمة صاعدة، وتلهم المزيد من الشباب اليهودي في أمريكا في الآونة الأخيرة، وربما تكون موطن الجيل الشاب من الأفنجيليين ممن يبدون اليوم أقل تحمسا لفكرة إسرائيل اليمينية، محذرا من أن الافتراض بأن “جي ستريت” سترِث “الأيباك” أو الأفنجيليين، وتتحول إلى أكبر لوبي مُناصر لإسرائيل هو افتراض هش لا يُمكن الاستناد إليه، بناء على حالة التطرف اليميني المستمرة في كل من إسرائيل وأمريكا والعالم.

القدس العربي