تتنافس العديد من الدول على بسط نفوذها في القوقاز نظرا إلى الموقع الجيواستراتيجي المهم الذي تتمتع به المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، ومن بين هذه الدول إيران وإسرائيل.
وشهدت الفترة الماضية تعزيز طهران لحضورها العسكري على حدودها مع أذربيجان في نزاع مع باكو يتعلق بإسرائيل، حيث زعمت إيران أن أذربيجان تسمح بوجود للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية – الأذرية، وهو ما نفاه الرئيس الأذري إلهام علييف وردّ عليه بإجراء مناورات عسكرية مع الحليفة تركيا.
ويقول الكاتبان ذوالفقار أجاييف وجولنار موتيفالي في تقرير لوكالة بلومبرغ للأنباء إن ما بدأ كاستعراض محلي للعضلات يمكن أن يتطور إلى مواجهة أكثر خطورة قد تكون لها تداعيات أوسع على منطقة تتقاطع فيها خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي إلى الغرب، تماما كما تتقاطع فيها المصالح القوية لروسيا وتركيا.
وبشكل عام يثير تقارب باكو مع إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بتجارتها العسكرية، قلق طهران التي تشتبه في وقوف إسرائيل وراء هجمات سرية استهدفت برنامجها النووي.
ورغم أن إيران وأذربيجان دولتان مسلمتان بهما أغلبية شيعية وتربطهما علاقات عرقية ولغوية وتاريخية قوية، إلا أن هناك توترات بينهما منذ الحرب التي دارت العام الماضي بين أذربيجان وأرمينيا المجاورة على صلة بمنطقة ناغورني قرة باغ.
وأسفرت تلك الحرب عن استعادة أذربيجان لمناطق على امتداد 130 كيلومترا (81 ميلا) من حدودها مع إيران، والتي كانت أرمينيا تسيطر عليها منذ التسعينات. كما استعادت جزءا من الطريق السريع الرئيسي الذي يربط إيران بأرمينيا عبر أذربيجان، وهو طريق تجاري مهم إلى البحر الأسود وروسيا.
وقامت أذربيجان بفرض ضريبة عالية على الشاحنات الإيرانية التي تنقل البضائع إلى أرمينيا أدت إلى شل حركة التجارة بينهما وقوّضت وصول إيران إلى الأسواق الأبعد، وهو ما أثار غضب طهران. في المقابل اتهم علييف إيران بتجاهل مطالب وقف تسليم البضائع للأرمن في ناغورني قرة باغ. وتجري إيران وأرمينيا حاليا مشاورات بشأن طريق بديل يبعد تجارتهما البينية عن أذربيجان.
Thumbnail
ولفت المحللان إلى أن نشوب صراع بين إيران وأذربيجان قد يؤدي إلى تعرض مشاريع طاقة في المنطقة للخطر. وقد استثمرت شركة “بي.بي” البريطانية وشركاؤها أكثر من 70 مليار دولار في مشاريع تطوير الطاقة والنقل في أذربيجان منذ عام 1994.
ومن بين المشاريع خط أنابيب يبلغ طوله 1768 كيلومترا (1098 ميلا) يربط إنتاج بحر قزوين بميناء جيهان التركي على البحر المتوسط.
وساعدت أذربيجان في القيام بمدّ 3 آلاف و500 كيلومتر (2174 ميلا) من أنابيب نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا. وبدأت أذربيجان تصدير الغاز في الحادي والثلاثين من ديسمبر إلى دول الاتحاد الأوروبي من بينها اليونان وإيطاليا عبر ممر الغاز الجنوبي المدعوم من الولايات المتحدة.
وتعتبر إيران علاقات باكو وإسرائيل تهديدا لأمنها القومي. ومنذ سنوات، يُشتَبه في أن إسرائيل تستغل العلاقات للتجسس على إيران من خلال معدات مثل طائرات المراقبة بدون طيار. وتعد “خدمة حدود الدولة” في أذربيجان هي المستقبل الرئيسي لمعدات الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة والطائرات بدون طيار الهجومية.
وتتهم إيران إسرائيل بالوقوف وراء العديد من الهجمات التي استهدفت منشآتها النووية، فضلا عن اغتيال خمسة من علمائها كان من بينهم أكبر خبير نووي إيراني العام الماضي.
وتعتبر أذربيجان مورّد نفط رئيسي لإسرائيل التي تبيع لها في المقابل طائرات بدون طيار عالية التقنية وأسلحة أخرى كانت حاسمة في مساعدة علييف في الانتصار في الحرب مع أرمينيا. ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام كانت إسرائيل ثاني أكبر مورّد للأسلحة لأذربيجان في الفترة من 2011 إلى 2020 بعد روسيا.
ووفقا للمعهد أيضا مثّلت صادرات الأسلحة إلى أذربيجان 17 في المئة من إجمالي صادرات إسرائيل من الأسلحة الثقيلة من 2016 إلى 2020.
ويشير المحللان إلى أنه بينما استضافت أذربيجان مرارا قادة إسرائيليين وسط اعتراضات من إيران، لم يقم أي رئيس أذري بعد بزيارة رسمية إلى إسرائيل، فلا تزال العلاقة حساسة بالنسبة إلى أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة. كما أن لإسرائيل سفارة في باكو، إلا أن أذربيجان لم تفتتح بعد بعثة دبلوماسية في تل أبيب.
ويقول أجاييف وموتيفالي إن الحقيقة هي أن القلق الإيراني من علاقة أذربيجان بإسرائيل ليس جديدا، إلا أن التدريبات العسكرية على الجانبين مؤشر قوي على ارتفاع حدة التوتر بشكل غير عادي.
وفي الثالث من أكتوبر الجاري حذر المرشد الإيراني علي خامنئي دول الجوار من إيواء جيوش أجنبية. ورغم أنه لم يذكر اسم أذربيجان صراحة، فقد ترجم حسابه الرسمي على موقع تويتر تصريحه إلى اللغة الأذرية.
Thumbnail
وما يزيد الأمور تعقيدا هو السكان الأذريون في إيران نفسها، حيث يشكلون ما يقرب من ثلث سكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وهناك تقارب قوي بين الكثير منهم وبين أذربيجان، وسيحرص المسؤولون الإيرانيون على تجنب تأجيج أية اضطرابات انفصالية إذا ما تفاقمت حدة التوترات.
ومن المتوقع أن يستتبع أي قتال تدخل تركيا وروسيا، حيث وقعت أنقرة العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) اتفاقية دفاع مشترك مع أذربيجان في يونيو، وتعهدت بموجبها بتقديم المساعدة الضرورية في حالة تعرضها لهجوم.
ولطالما كانت تركيا الداعم العسكري الرئيسي لأذربيجان، حيث دعمتها علنا بالأسلحة والمستشارين خلال القتال مع أرمينيا. وتقوم حاليا إلى جانب روسيا بنشر قوات لمراقبة وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا، بينما تمتلك روسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا إضافة إلى اتفاق دفاعي بين البلدين، بينما توترت علاقات موسكو مع أذربيجان بعد الحرب وسط خلافات بشأن اتفاقية الهدنة.
صحيفة العرب