بينما تضغط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من حين لآخر على تركيا والميليشيات المتحالفة معها بشأن عملياتها العسكرية في شمال سوريا، مما يضيف إلى تعقيد العلاقات ما بين واشنطن وأنقرة، فإن هناك مجالا للتعاون يمكن أن ينعكس بالنفع على السوريين هناك.
ويقول الباحثان الدكتور أحمد طرقجي، الذي عمل سابقا رئيسا لتحالف الإغاثة الأمريكي من أجل سوريا، وهو مؤسسة غير ربحية مقرها واشنطن، والدكتور محمد بكر غبيس، رئيس منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة وسالمة” في الولايات المتحدة، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية، إنه عندما عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قمة ثنائية في 31 تشرين أول/أكتوبر 2021، كانت سوريا بالتأكيد من بين المواضيع التي نوقشت.
وأضاف الباحثان أنه على الرغم من أن الرئيسين بعيدان كل البعد عن الاتفاق على سوريا والشرق الأوسط على نطاق أوسع، سوف تكسب الولايات المتحدة وتركيا من خلال التعاون مع الدول ذات التفكير المماثل لتحديد أولويات السياسة التي تركز على الشعب في سوريا. ويمكن أن يكون هذا التعاون أحد آخر الفرص المجدية للبلد الذي مزقته الحرب طوال عقد من الزمن.
وحتى الآن، يبحث رئيس النظام السوري بشار الأسد بقوة عن سبل لتكون سوريا بأكملها تحت حكمه، في حين أن روسيا لا تساعد في تشكيل عملية سياسية ذات مغزى. وليس للشعب السوري دور أساسي في ذلك وتشهد معيشته تدهورا إلى أدنى حد. ويبدو أن آفاق السلام في سوريا تتضاءل يوميا والسأم الدولي لا يوفر أي مساعدة. وقد خيم ذلك في الواقع على رؤية السوريين لبلدهم ومستقبلهم.
وفي الوقت الحاضر، يمكن أن يكون التوفيق بين المناطق الشمالية الغربية والشمالية الشرقية في سوريا حافزا للإصلاح الحقيقي في البلاد. فهناك ستة ملايين سوري من خلفيات متنوعة يعيشون خارج سيطرة النظام في شمال سوريا. هؤلاء الأشخاص، الذين يمثلون حوالي 40% من سكان سوريا الحاليين، يعانون من ظروف معيشية صعبة للغاية، وتشريد متكرر، وتراجع لسيادة القانون. وفشلت الجهود الدبلوماسية السابقة لحماية المدنيين وبناهم التحتية دون جدوى. ولا يزال المدنيون السوريون يبحثون عن حياة أفضل لأنفسهم ولأبنائهم. وسيضع الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة الشمالية المجتمعات المحلية على طريق أفضل، مما سيعزز المجتمع المدني والحكم المحلي بمرور الوقت.
ويقول الباحثان إن الجماعتين العسكريتين المهيمنتين في المنطقتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، وهما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني السوري على التوالي، تزعمان أنهما تحاربان داعش بالتعاون مع المجتمع الدولي. ورغم أن هذا أمر حقيقي، يشهد هذا الهدف المشترك معاناة لأن المنطقتين أصبحتا متنافستين في الصراع السوري. والاتهامات التي يوجهها كل منهما تجاه الآخر لا تتوقف مطلقا. فقد تم اتهام وحدات من قوات سوريا الديمقراطية بالمشاركة في محاصرة حلب في عام 2016، مما أدى إلى واحدة من أكبر عمليات النزوح الداخلي للسوريين، فضلا عن أعمال عدائية أخرى بقصف الأحياء المدنية. ومن ناحية أخرى، تم اتهام بعض الميليشيات داخل “الجيش الوطني السوري” بانتهاك حقوق الإنسان في عفرين بعد العمليات العسكرية التركية في عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تناقضات واضحة عندما يتعلق الأمر بمستوى الاستقرار بين شمال شرق وشمال غرب سوريا. ويصدق هذا عندما يتعلق الأمر ببناء قدرات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، والخدمات العامة الأساسية. وتتمتع المنطقة الشمالية الشرقية بقدر أكبر من الموارد المالية نتيجة النفط والمنتجات الزراعية، وبها سكان أكثر تنوعا، وتتكون من مساحة جغرافية أكبر. ومن ناحية أخرى، فإن الشمال الغربي أكثر ازدحاما بدرجة كبيرة، وقد بنى قدرة قوية على تقديم الخدمات الأساسية على الرغم من تعرض مستشفياته ومدارسه وموارده المائية للاستهداف بشكل منهجي.
ويمكن للمنطقتين الشماليتين الاستفادة من خبرات كل منهما ومواردهما المتنوعة، لكن غياب سيادة القانون والاستقطاب السياسي والعوامل الخارجية لسوريا أعاقت هذا التعاون. وستكون فوائد وضع استراتيجية موحدة لشمال سوريا عديدة وأكثر أهمية من أي وقت مضى.
وينبغي على الولايات المتحدة وتركيا أن تتشاركا لدعم التعاون بين المنطقتين وقيادتهما المدنية. وينبغي أن تكون الشراكات موجهة نحو تحقيق الأهداف وأن تركز على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان الأساسية. كما سيؤدي هذا التعاون إلى تحييد النفوذ الروسي والإيراني، الذي أدى تدخله إلى تعميق المعاناة الإنسانية ومساعدة الجماعات الإرهابية، مثل داعش.
وتشمل المزايا الأخرى طويلة الأمد لهذا التعاون إنشاء منبر دبلوماسي موثوق به للتوسط في حوار وطني سوري جاد. ومن شأن مثل هذا الترتيب أن يتيح للمجتمعات المحلية من المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية فرصة للمصالحة من المرجح أن تعزز رؤيتها لمستقبل سوري سلمي.
ويختم الباحثان تقريرهما بقولهما إن “انعدام الأمن الداخلي في سوريا هو نتيجة صراع طويل الأمد في البلاد وينبغي معالجته على هذا النحو. وبدون دعم من الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل، ستظل المجتمعات السورية المتنوعة متناحرة وستنهار احتمالات السلام في نهاية المطاف. ويمكن للمصالحة بين المنطقتين الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من البلاد أن تغير من هذا الاتجاه”.
(د ب أ)