تتواصل لليوم العاشر اعتداءات قطعان المستوطنين الإسرائيليين على الأهالي الفلسطينيين في بلدة برقة شمال الضفة الغربية، بمؤازرة مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تستخدم الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط والقنابل المسيلة للدموع وتقطع الطرق وتقتحم الأحياء والمنازل. وتدخل هذه الموجة الجديدة من الاعتداءات ضمن منظومة منهجية متصاعدة رصدتها منظمات إنسانية فلسطينية ودولية، وتكفي الإشارة إلى تقارير حركة «السلام الآن» الإسرائيلية التي وثقت 363 حالة اعتداء وعنف وجريمة خلال عام 2019، والأرقام تزايدت في العام 2020 فبلغت 507 حوادث، لتبلغ 416 حالة في النصف الأول من العام الحالي 2021.
والمواجهات في برقة اشتعلت بعد قيام أكثر من 10,000 مستوطن بتنظيم مسيرة نحو مواقع مستوطنة حوميش ومدرسة شوميش الدينية المشيدة على أراض فلسطينية مغتصبة، تكفّل جيش الاحتلال بمرافقتها وحمايتها، فتصدى لهم الأهالي ووقعت اشتباكات تدخلت خلالها قوات الاحتلال لصالح المستوطنين فجرحت العشرات. وكانت المستوطنة قد أقيمت كمعسكر لجيش الاحتلال في سنة 1978 فوق أراضي برقة وجوارها على مساحة تجاوزت خمسة آلاف دونم، ثم انسحب الاحتلال منها في سنة 2005 ضمن اتفاق أوسع، كما اتخذت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً بإخلاء الأراضي والسماح بعودة أصحابها الفلسطينيين إليها.
لكن جماعات المستوطنين، وجرياً على معظم الحالات المماثلة، واصلوا احتلال الأرض واستغلالها تحت ذريعة إقامة مدرسة دينية، فخالفوا بذلك تعليمات جيش الاحتلال، كما خرقوا قرار القضاء الإسرائيلي ذاته عبر سلسلة من الهجمات وأعمال العنف ضد الفلسطينيين الذين حاولوا العودة إلى أملاكهم. وهذا مجرد دليل جديد على أكذوبة سيادة القانون التي يتغنى بها أنصار دولة الاحتلال وأصدقاؤها، ليس على صعيد عدم الامتثال لأحكام القضاء فقط، بل كذلك انخراط قوات الاحتلال ذاتها في خرق القوانين.
الأخطر من هذا كله أن سلسلة الاعتداءات المتكررة، والتي يتوجب التشديد دائماً على حقيقة ائتلاف جيش الاحتلال مع منظمات الاستيطان في تنفيذها، تدخل في سياسة منظمة جرى التخطيط لها بعناية فائقة بهدف ترويع السكان الأصليين الفلسطينيين وترحيلهم عن أراضيهم أو دفعهم إلى النزوح عنها، وذلك للاستيلاء على مزيد من الدونمات وتخصيصها لإنشاء مستوطنات جديدة، وكذلك تخريب الزراعة والحياة الاقتصادية الفلسطينية إجمالاً، وتفكيك ما يمكن تفكيكه من أواصر تجمع الفلسطيني مع تراب وطنه وبيته وبلدته. وليست هذه السياسة جديدة بالطبع، فقد سبق أن اعتمدتها منظمات إرهابية أمثال هاغانا وإرغون وشتيرن خلال أربعينيات القرن الماضي.
وفي هذا فإن انتكاسات الفلسفة الصهيونية الأصلية ليست بعيدة عن مجريات الأمور اليوم في برقة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالعجز عن «تعمير» فلسطين التاريخية بسكان يهود حصرياً، والفشل الذريع في إقامة «دولة القانون» مقابل صعود دولة الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري والسياسات الفاشية، أسلم مؤسسات الحكم الراهنة إلى «شاس» و«يهودات هتروت» والأحزاب الدينية والاستيطانية الأخرى. ولا غرابة في أن رئيس الحكومة الحالي زعيم يميني سابق ولاحق، من دعاة الدولة اليهودية وقانون القومية الذي يميز اليهود عن الأقليات الأخرى، فاستئناف الإرهاب القديم والاقتداء به وإحياء ممارساته يتجسد هنا أيضاً.
القدس العربي