أثار لقاء وزير الدفاع بني غانتس مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، الأسبوع الماضي، انتقاداً حاداً في إسرائيل، وفي أوساط الجمهور الفلسطيني. غير أن هذا النقد أفاد الضيف، ولعله أفاد المضيف أيضاً، إذ كان فيه ما يمنحهما معنى وصلة، إن لم يكن على الأرض ففي وسائل الإعلام على الأقل.
غير أن إخراج أبو مازن من الغيب لا يغير الواقع على الأرض. فالسلطة الفلسطينية لا تملك قدرة على الحكم والتأثير، ولا على تأييد حقيقي لدى أوساط الفلسطينيين. وهي على أي حال غير قادرة، ويبدو أيضاً غير معنية، لأن تكون شريكاً حقيقياً لإسرائيل في الكفاح لإيجاد تسوية تؤدي بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى النهاية.
ستحل هذه السنة الذكرى المئة على منح الانتداب لبريطانيا على بلاد إسرائيل، وفي واقع الأمر أيضاً لإقامة ذاك الكيان المعروف لنا من تلك السنين باسم بلاد إسرائيل/فلسطين. فقيام الانتداب قطع سكان البلاد العرب عن إخوانهم في المجال العربي المحيط بنا، وهكذا شكل نقطة بداية وساعة الصفر في عملية نشوء حركة وطنية فلسطينية تسعى لأن تعزو لنفسها الملكية على بلاد إسرائيل. فمن رأى نفسه قبل ذلك سورياً أو عربياً تحول بجرة قلم البريطانيين إلى “فلسطيني”.
غير أن مئة سنة بعد ذلك، يجد الفلسطينيون أنفسهم يعودون إلى نقطة البداية تلك بعد أن انتهت رحلتهم لبناء أمة وإقامة دولة بفشل ذريع. بهذه الوتيرة، كفيلة بأن تصبح 2022 سنة دفن للفكرة الوطنية الفلسطينية التي بقي القليل جداً منها.
بقدر كبير يبدو أن الفشل جاء بفعل أيدي الفلسطينيين الذين رفضوا كل حل وسط طوال السنين، وتمسكوا بفكرة “فلسطين الكاملة”، التي لا مكان فيها لوجود وطن قومي يهودي. ولكن للمفارقة، فإن حكومات إسرائيل -وهذه الحكومة لا تختلف عن سابقاتها– هي التي تواصل إعاشة الحلم الفلسطيني وتمنحه التنفس الاصطناعي، في الغالب، انطلاقاً من اعتبارات حزبية تكتيكية وبسبب الرغبة في الامتناع عن اتخاذ قرارات صعبة.
هكذا في مناطق الضفة، حيث تمنح إسرائيل رعاية للسلطة الفلسطينية وتعمل على تعزيزها، على أمل عابث في أن تتمكن هذه على مدى الزمن بأن تواصل البقاء كـ “سلطة بلدية زائد” تحرص على جمع القمامة وتقديم خدمات صحة وتعليم للسكان. أول من اكتشف هذه “الخدعة” هم بالطبع السكان الفلسطينيون أنفسهم، الذين ملوا حكم السلطة وتخلوا عن حلم الاستقلال الفلسطيني. هؤلاء مستعدون في معظمهم لقبول المواطنة الإسرائيلية، لو أتيح لهم الأمر.
هكذا أيضاً في قطاع غزة، الذي يصبح رويداً رويداً الوطن البديل للفلسطينيين. لذا، قررت إسرائيل هذه في 2005 فك الارتباط عن القطاع، وفي السنوات الأخيرة تعزز حكم حماس هناك. وحالياً تستجاب البادرات الطيبة والتسهيلات الإسرائيلية بالتهديدات وبالتحريض بل وبالنار، ومع هذه يضيع الأمل العابث بترويض حماس وجعلها سلطة فلسطينية محسنة تقيم استقلالاً جزئياً وتحافظ بالمقابل على الهدوء على طول الحدود. غير أنه مثلما في الضفة، قد تأتي اللحظة التي تضطر فيه إسرائيل للعودة إلى القطاع لتسيطر هناك أمنياً. وهكذا سيكون الدفن النهائي لفكرة الاستقلال والوطن الفلسطيني.
القدس العربي