يُنّذر تعمّق الأزمة بين القوى السياسية المنضوية في تحالفي «انقاذ وطن» و«الإطار التنسيقي الشيعي» المتعلّقة بحسم منصبي رئيس الجمهورية والوزراء، وتأليف الحكومة الجديدة، بعدّة سيناريوهات، من بينها المضي في «التوافق» وذهاب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، نحو المعارضة البرلمانية، فيما يجري الحديث عن تمهيد الواقع السياسي الحالي لاحتجاجات واسعة، وسط تمسّك القوى السياسية التقليدية بمكاسبها.
الدكتور احسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي (غير حكومي)، يقول لـ«القدس العربي» إن «الأزمة السياسية الحالية مركّبة ولا تتعلق بالبيت السياسي الشيعي، وقوى الإسلام السياسي، بل إنها تمتد للصراع بين الحزبين السياسيين الكرديين التقليديين (الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني، برئاسة بافل طالباني)».
الصراع بين القوى السياسية الشيعية، يتعلق بمسألة «الزعامة السياسية» حسب الشمري الذي أشار إلى أن «نتائج انتخابات تشرين الأول/أكتوبر، وما أفرزته من تباين في الأرقام وأعداد المقاعد النيابية، تعدّ واحدة من أبرز الأمور التي أدّت إلى التأزيم، فضلا عن قلق الإطار التنسيقي من خسارة النفوذ في الدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى ملف حصر السلاح بيد الدولة، في ظل منهج جديد يُطرح بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، وتشكيل الثلث المعطّل دستورياً».
وأضاف: «هذه الموضوعات عمّقت الخلاف بين الفريقين، والأزمة السياسية في العراق».
وطرح زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، المؤتلف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف «السيادة» السنّي، ضمن «انقاذ وطن» مبادرة خلال شهر رمضان الماضي، أمهل فيها القوى السياسية 40 يوماً لتشكيل الحكومة، بعيداً عن تدخل الكتلة الصدرية، قبل أن يعود بمبادرة أخرى دعا فيها «المستقلين» لتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، خلال 15 يوماً، من دون تحقيق أيّ نتائج على الأرض- حتى وقت إعداد التقرير.
في مقابل ذلك، تبنّى «الإطار التنسيقي» الشيعي جمّلة مبادرات، آخرها تشكيل «الكتلة الشيعية الأكبر» بإشراك التيار الصدري، ودعم اتفاق كردي ـ كردي على منصب رئيس الجمهورية، ومنح المستقلين فرصة في المشاركة بالحكومة، لكنها (المبادرة) لم تجد طريقاً إلى تنفيذ بعد.
وعن مبادرات الصدر و«الإطار التنسيقي» لحلّ عقدة تشكيل الحكومة، يرى الشمري أنها «لا تتعدى محاولات لإظهار الثقل السياسي؛ من جانب، وزيادة الضغوط وكسب المزيد من الوقت؛ من جانبٍ آخر» فضلاً عن «تحقيق اختراقات متبادلة لأطراف الأزمة، ومن يستطيع استقطاب بقية الأطراف».
ورأى إن الأطراف السياسية «لم تبد أيّ تنازلات فيما بينها».
وفي أواخر الأسبوع الماضي، تناقلت مواقع إخبارية محلّية ومنصّات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباءً أفادت بأن قوى سياسية منضوية في «الإطار» تقترب من إعلان انشقاقها والائتلاف مع «التيار الصدري».
ومع انتشار تلك الأنباء، سارع «الإطار» إلى نفيها في بيان صحافي جاء في نصّه: «تناقلت بعض مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية إشاعاتٍ عن ذهاب جزء من الإطار التنسيقي مع التحالف الثلاثي لتشكيل الحكومة».
وأضاف أنه «انطلاقا من هذا نؤكد ان الخبر عارٍ عن الصحة ونشره يهدف لتضليل الرأي العام والتأثير على جمهور الإطار وعلى وحدته وتماسكه المعهود لدى الجميع».
وأشار البيان الى أن «الإطار التنسيقي ما زال متمسكاً بالثوابت والمبادئ التي انطلق منها في رؤيته لتشكيل الحكومة وحماية للساحة ومواقف المواطنين والكتل السياسية».
كذلك، أكد النائب عن ائتلاف «دولة القانون» المنضوي في «الإطار» ثائر مخيف، «تماسكه على مستوى الأفراد والكتل».
وقال أيضاً إن «الحديث عن وجود انشقاق في الإطار التنسيقي من أجل التحالف مع التيار الصدري لتشكيل الكتلة الأكبر، غير صحيح ويندرج في خانة الإشاعات المغرضة التي تهدف إلى شق الصف في الإطار» حسب وكالة أنباء تابعة لنقابة الصحافيين العراقيين.
وأضاف: «الجميع في الإطار متماسك، ولدينا حوارات مع جميع الكتل السياسية من أكراد وسنة، وحتى مع التيار الصدري عن طريق وسطاء لحلحلة الانسداد السياسي» لافتاً في الوقت عيّنه إلى «التمسك بمبادرة الإطار التنسيقي الموجهة للكتل السياسية والمضي بها لحل المشاكل العالقة».
كما سبق لرئيس تيار «الحكمة» عمار الحكيم، أن دعا إلى تشكيل «حكومة أغلبية متوازنة» شريطة أن تتم حماية المعارضة في البرلمان.
حديث الحكيم جاء خلال لقاء جمعة بوجهاء عشائر في النجف، مشيراً إلى إن «حكومة أغلبية متوازنة تلحظ الثقل الاجتماعي للمكونات العراقية، لاسيما المكون الاجتماعي الأكبر» مبيناً «أهمية المرحلة الانتقالية بين التوافقية والأغلبية بالسماح للقوى الراغبة بالمشاركة» حسب بيان لمكتبه.
ودعا الحكيم إلى «حماية المعارضة، فحكومة أغلبية وطنية ناجحة تحتاج إلى معارضة محمية سياسيا وقانونيا، قادرة على ممارسة دورها، ودعونا إلى تشجيع المعارضة من خلال منحها أدوارا رقابية في مؤسسات الدولة».
ورجّح الشمري أربعة سيناريوهات متوقعة للعملية السياسية العراقية، من بينها «الذهاب نحو التوافق. وهنا سيكون الخاسر الأكبر الكتلة الصدرية، التي ستُكسر سياسياً» أو أن «يذهب الصدر نحو المعارضة في البرلمان. وهذا أمر وارد».
ومن بين الحلول المطروحة لحل للأزمة هو «حلّ البرلمان من خلال آليتين؛ الأولى بطلب ثلثي أعضاءه، والثانية؛ عبر المحكمة الاتحادية وإصدارها قراراً باتاً وملزماً بحلّ المجلس بكونه أخفق في استكمال الاستحقاقات الدستورية (اختيار رئيسي الجمهورية والوزراء)».
ويتوافق ذلك مع موقف النائب عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، آسو فريدون، بأن «لا حلول أمام الانسداد السياسي سوى حلّ مجلس النواب» وفقاً لـ«تدوينة» على منصّة «تويتر».
أما آخر السيناريوهات المتوقعة، حسب الشمري، هو بقاء الأوضاع «في حالة الانغلاق» لكنه أوضح أن هذا الخيار «سيدفع إلى المزيد من الاحتقان. قد يدفع الشارع العراقي إلى تظاهرات كبيرة جداً».
ووسط الشدّ والجذّب السياسي، يبرز دور القوى السياسية والنواب المستقلين، في الإسهام بتشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء، حسب وعود مشتركة تبناها الصدر و«الإطار».
لكن الشمري يرى صعوبة تحقيق ذلك بكون أن المستقلين «منقسمين بين القوى التقليدية، إلا فئة قليلة لا يمكنها أن تغير» لافتاً إلى إن التلويح بالمستقلين «هو محاولة لإشراكهم بالأزمة السياسية في قضية تشكيل الحكومة. المستقلون يتحدثون عن عدم وجود مصداقية بالقوى التقليدية بمسألة تكليفهم بتشكيل الحكومة».
ومضى يقول: «لا يمكن التعويل على مبادرة للمستقلين إلا في حال ترك انتماءاتهم للقوى التقليدية والاتفاق على مشروع وطني، على الرغم من إنهم ليسوا كتلة كبيرة. وجود نحو 40 نائباً لن يغير بالمعادلة السياسية».
في مقابل ذلك، أكدت كتلة «اشراقة كانون» النيابية، المنبثقة عن حراك أكتوبر الاحتجاجي، انها تواصل مشاركتها الفاعلة خلال المناقشات بين القوى السياسية الناشئة والمستقلين في محاولة للتوصل إلى حلحلة الوضع السياسي المتأزم.
وقالت الكتلة في بيان صحافي، انه «تتواصل المشاركة الفاعلة لإشراقة كانون في المناقشات الجارية بين القوى السياسية الناشئة والمستقلين في محاولة للتوصل إلى حلحلة الوضع السياسي المتأزم والخروج من الانسداد السياسي».
وأضافت: «نؤكد لجمهورنا الكريم تمسك الاشراقة بما تعهدت به من الالتزام بدور المعارضة الإيجابية رقابة وتشريعا؛ إلا اننا ومن منطلق المسؤولية الوطنية نبذل قصارى الجهد لدعم بقية القوى المستقلة وإيجاد مساحات مشتركة للحوار فيما بينهم للتوصل إلى حلول واقعية رصينة؛ حرصا على الآمال الكبيرة لأبناء شعبنا والتي تعلقت بما يمثلونه من نقاء وفرصة للنمو والتطور؛ وسعيا منا لتضمين متطلبات تمكين المعارضة الإيجابية في أية صيغة سياسية مقبلة وفق ما طرحته الاشراقة في مبادرتها التي انطلقت في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2021».
وحسب النائب المستقل، صلاح الزيني، فإن النواب المستقلين توصلوا إلى مراحل أخيرة من «إعلان خريطة طريق جديدة» فيما أشار إلى أن عدد النواب المستقلين المتفقين فيما بينهم لتشكل كتلة واحدة تجاوز الـ40 نائباً.
وقال الزيني: «نحن أمام طرح مبادرة لا تحمل أسماء بل تحمل مواصفات ومعايير لرئيس الوزراء وكابينته، وسنطرح أسماء إذا قُبلت المبادرة ونقدم من تنطبق عليه المعايير». حسب الإعلام الحكومي.
وأضاف: «تم الاتفاق بين المستقلين على مشروع حكومي وثوابت، ونؤكد أننا لا نعتمد على مدة زمنية أو مهلة في تنظيم مبادرتنا ومشروعنا وخريطة طريقنا الجديدة ومن يريد أن يكون معنا فأهلا وسهلاً».
وأشار إلى أنه «لابد أن نتعامل مع ملف المعارضة على انها فعلية وتمارس دورها الرقابي، وكان الأقرب لنا الذهاب إلى المعارضة ولكن الكتل الكبيرة طلبت منا تشكيل الحكومة».
وختم، أن «عدد النواب المستقلين الذين اتفقوا على تشكيل كتلة واحدة، تجاوز الـ40 نائباً».
القدس العربي