أوسلو … الحلم الذي لم يُتحقق

أوسلو … الحلم الذي لم يُتحقق

يصادف هذا الاسبوع الذكرى الثلاثين لاتفاقية أوسلو، يعيد هذا اليوم ذكرياتي إلى الوراء عندما لم أكمل عامي العاشر بعد. كنت قد عدت للتو من المدرسة بعد نصف يوم دراسي، حيث أُخرِجنا من المدرسة للاحتفال بآمال السلام، أو ما سُمِّيَ بـ»سلام الشجعان» كما أخبرونا، وطلبوا منا رفع الأعلام. في تلك اللحظة، كنت مليئاً بالتفاؤل، وكنت أعتقد أن الحل الحقيقي قريب، وبدأت الجهود الفعلية تظهر، حيث تدريجيا بدأ وصول حافلات وفود فلسطينية من الخارج، لتشكيل وجودٍ على الأرض للسلطة الفلسطينية. رأينا بأم أعيننا نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ومن قبلها سقوط جدار برلين في ألمانيا، ما جعلنا نعتقد أن التغيير الجذري ممكن بأنهاء الاحتلال، من دون رجعة.

تاريخنا أظهر مرارا أن الحفاظ على الامتيازات من خلال القوة والقمع ليس مسارا مستداما على المدى البعيد، بالتأكيد ليس مع شعب لا يعرف اليأس ولا الاستسلام

ومع ذلك، استغرق الأمر مني عقدا من الزمن قبل أن أتقبل الإدراك المؤلم بأن عملية السلام كانت في الواقع وسيلة لاستمرار الاحتلال، وشراء الوقت، وفرض الأمر الواقع، وتعزيز سياسة مصادرة الأراضي، وحرمان أصحاب الأرض الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية. كنت طفلاً مؤمناً بشدة بإمكانية تحقيق السلام، ولكن مع مرور الوقت، لا أستطيع أن أكتم قناعتي بأن هذه السياسة قائمة على أوهام، وأن أي تفكير آخر هو تضليل للرأي العام.
وأعتقد أن هذا الإدراك يحمل أهمية قصوى، ليس فقط للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل نظام الفصل العنصري، وهي حقيقة اعترف بها حتى المدير السابق لجهاز الموساد، بل أيضا للمستقبل المستدام على المدى البعيد للإسرائيليين اليهود الراغبين في إقامة علاقات طيبة مع المنطقة العربية. تاريخنا أظهر مرارا وتكرارا أن الحفاظ على الامتيازات من خلال القوة والقمع ليس مسارا مستداما على المدى البعيد، بالتأكيد ليس مع شعب لا يعرف اليأس ولا الاستسلام. وبالنسبة للمجتمع الدولي، فإن اتخاذ إجراءات بشأن قضية فلسطين أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مصداقيته. لا يمكننا أن نتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية، في حين يفشل المجتمع الدولي في محاسبة حليف وثيق ينتهك هذه المبادئ كل يوم على مدى عقود. نشرت وحررت كتاباً دوليا مع الكاتب النرويجي بيتر باوك استعرضنا فيه اتفاقية أوسلو في الذكرى العشرين لها، بمشاركة ثلاث وعشرين شخصية من مختلف أنحاء العالم من الشهير ناعوم تشومسكي والمناضل الجنوب افريقي ديزموند توتو ومقرر الأراضي الفلسطينية لحقوق الإنسان الاسبق في الأمم المتحدة ريتشارد فولك، ووزير خارجية آيسلندا أوسكار سكارفوينسن وآخرين. يمتاز هذا الكتاب بقيمته الكبيرة نظرا لمشاركة عدد كبير من الشخصيات السياسية والبرلمانية والحقوقية الدولية المهمة في تحليله لآثار اتفاقية أوسلو على الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والصحية، والإعلامية، وغيرها. تواصل معي مؤخرا وزير خارجية دولة غربية مهتمة بشدة بدعم ميزانية الرواتب للسلطة الفلسطينية، وبتقديم مساعدات للأونروا عبر لجنة التنسيق الطارئة AHLC. سألني: «بعد مرور 30 عاما على اتفاقية أوسلو، إلى أين نتجه؟» اقترحت عليه أن نكتب مقالا مشتركا «لنعلن أولاً وفقا لرؤيتنا «موت أوسلو»، ومن ثم نستعرض الحلول الأخرى. فعلى واقع الأمر، إن ترك إرث أوسلو للأجيال العربية الفلسطينية يعتبر أكبر ظلم وتضليل بحقهم، وهذا لا يتنافى مع ما قاله الوزير الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين فى تقرير مصور بثته قناة «كان» العبرية عن اتفاقية أوسلو قائلا: «مشكلة الفلسطينيين أنهم صدقونا»!