الشحن البحري العالمي يسير بثبات نحو الانبعاثات الصفرية

الشحن البحري العالمي يسير بثبات نحو الانبعاثات الصفرية

غادر إريك نيوباي البالغ من العمر 18 عاما، والذي صار فيما بعد كاتب رحلات شهيرا، موطنه أستراليا وأبحر في الرحلة الأخيرة لسفينة موشولو ذات الصواري الأربعة، لنقل الحبوب إلى بريطانيا، وكان من المقرر أن يكون ذلك العام هو الأخير الذي لعبت فيه السفن الشراعية دورا حيويا في نقل البضائع على مستوى العالم. فهل هذا على وشك التغير؟

وضعت مؤخرا شركة كارجيل العملاقة للتجارة الزراعية، التي تنقل 225 مليون طن سنويا، اللمسات الأخيرة لإدخال ناقلة البضائع السائبة الجافة، تي.آر ليدي، ذات أشرعة دوارة للخدمة يمكن أن تقلل استهلاك الوقود بمقدار الخُمس تقريبا بعد نجاح تجربة الإبحار من شنغهاي إلى سنغافورة.

كما نُشرت أشرعة مجنحة على سفينة أخرى، تدعى “بايكسي أوشن”، التي أبحرت حديثا من الصين إلى البرازيل، ويمكن للرياح الآن أن تنقل التجارة البحرية الحديثة إلى مستقبل منخفض الكربون.

وتُنتج حركة الملاحة البحرية الدولية ما يقرب من 3 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وذلك أكثر من الانبعاثات المباشرة من قطاع الطيران الذي يتعرض لانتقادات شديدة.

ويعتبر السفر الجوي في بعض الأحيان ترفا “وهو اعتبار غير صحيح”، لكن السفن تحمل 90 في المئة من السلع والبضائع العالمية وليست لديها بدائل قابلة للتطبيق على معظم طرق الملاحة.

ارتفاع أسعار وقود السفن وضغوط إزالة الكربون أضافا في العامين الماضيين زخما على تكنولوجيا الأشرعة الحديثة

ودون اتخاذ إجراءات، فإن توسع التجارة العالمية يعني أن انبعاثات قطاع الشحن يمكن أن تتضاعف تقريبا في غضون ثلاثة عقود من الآن.

وقررت المنظمة البحرية الدولية في يوليو الماضي أن على قطاع الشحن التقليل من كمية انبعاثات الكربون بنسبة 40 في المئة على الأقل بحلول 2030، أي ميل بحري لكل طن متري من البضائع المنقولة، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050.

ويبلغ عمر السفن الكبيرة من 20 إلى 30 عاما، لذا فإن السفن التي تم بناؤها على مدى السنوات القليلة المقبلة ستظل تبحر بحلول ذلك المواعد.

وهناك طرق مختلفة لتحسين الأداء، فعلى المدى القصير، يمكن تعزيز الكفاءة من خلال تصميم محركات أفضل للسفن، وعناصر تقليل السحب، وتبخير أبطأ، مما يقلل من استهلاك الوقود.

ويتمثل المفهوم الرئيسي لإزالة الكربون على المدى الطويل في استبدال زيت الوقود الثقيل السائد اليوم والديزل البحري بوقود منخفض الكربون مثل، البطاريات لمسافات قصيرة، والوقود الحيوي والأمونيا والميثانول الأخضر أو غيرها للرحلات الأطول.

لكن تعد تلك الخيارات باهظة الثمن اليوم، ولا تتوفر بسهولة في جميع الموانئ، وسيتنافس الشحن على مجموعة محدودة من الوقود مع الطيران.

ويبدو احتجاز الكربون وتخزينه على متن الطائرة أمرا ممكنا، ولكنه سيرفع التكاليف وسيشغل مساحة، وبالنسبة إلى النقل البحري فهو صناعة تنافسية للغاية، ويمثل الوقود ما بين 50 و60 في المئة من إجمالي تكاليف التشغيل.

ولا تعني إعادة تقديم الشراع رؤية مجموعة أنيقة ومعقدة وكثيفة من العمال يعملون على الشراع الرئيسي والشراع العلوي والصفائح والذراع والشراع السماوي التي تزين السفن الكلاسيكية مثل كاتي سارك أو أتش.أم.أس سوربرايز أو الأشرعة المتأخرة لمركب فاتح الخير التاريخي في سلطنة عمان، فمساعدة الرياح الحديثة لها أشكال مختلفة.

وتملك سفينة تي.آر ليدي ثلاثة أشرعة دوارة، والتي تشبه المداخن الكبيرة، وبنيت عن طريق شركة أنيموا مارين تكنولوجيز، وهي شركة مقرها المملكة المتحدة.

وتدور تلك الأشرعة في مهب الريح، وتستفيد من تأثير ماغنوس، الذي يخلق فرقا في الضغط، ويساعد ذلك على قيادة السفينة، مما يوفر 10 في المئة من استهلاكها للوقود.

كما أنه يمكن طيها للمرور تحت الجسور أو تجنب الأضرار في حال هبّت العواصف، أو التحرك من جانب إلى آخر على القضبان حتى لا تعيق التفريغ.

وتم تزويد سفينة بايكسي أوشن بأجنحة صلبة كبيرة يمكن أن تقلل الانبعاثات بنسبة 30 في المئة، وتم تصميم تلك الأجنحة من قبل شركة بار تكنولوجي من المملكة المتحدة، وهي تعتمد على التكنولوجيا المستخدمة في يخوت سباق كأس أميركا.

طفرة تكنولوجية

ولدى نظام إيرسيز، الذي أسسه مهندسون سابقون في عملاق تصنيع الطائرات أيرباص، في مدينة نانت الفرنسية، نظام مختلف، وهو جناح كبير يتم نشره على الكابلات على ظهر السفينة.

وتشمل الخيارات الأخرى أشرعة الجناح القابلة للنفخ والنسخة الحديثة عبارة عن نظام الأشرعة التقليدية المؤتمتة.

وبالإضافة إلى شركة كارجيل، فإن عمالقة الشحن مثل ميرسك وميتسوي أو.أس.كي لاينس يبحثون بجدية في تكنولوجيا حديثة قائمة على الرياح، وفي 2019 أنشأوا نجورد، وهي شراكة لإزالة الكربون من الشحن، والتي تقدم العديد من التقنيات، بما في ذلك طاقة الرياح.

ويمكن أن تكلف الدوّارات والأشرعة الصلبة مليون دولار إلى 1.5 مليون دولار لكل منها، وقد تحتاج السفينة إلى ثلاثة أو أكثر، ويعد ذلك إضافة كبيرة على قيمة ناقلة البضائع السائبة التي تكلف ما بين 25 و40 مليون دولار.

ولكنها أقل نسبيا بالنسبة إلى ناقلة نفط خام والتي تتراوح قيمتها بين 120 و130 مليون دولار، وقد يكون وقت الدفع من سبع إلى ثماني سنوات.

ومع ذلك يبدو الاقتصاد أفضل باستخدام أنواع الوقود “الخضراء” الأكثر كلفة، أو إذا تم فرض سعر للكربون البحري.

وكانت ميرسك قد اقترحت فرض ضريبة صارمة قدرها 150 دولارا لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، واعتبارا من عام 2024 ستخضع السفن لنظام تداول الانبعاثات في أوروبا، والذي يبلغ حاليا حوالي 88 يورو (95 دولارا) للطن.

90 في المئة من السلع تُشحن بالسفن التى لا تملك بدائل نظيفة قابلة للتطبيق على مساراتها

وسيؤدي ذلك إلى زيادة الكلفة الفعلية لوقود السفن بمقدار النصف تقريبا، مما يقلل من فترة النقل إلى حوالي خمس سنوات.

ومع ذلك، فإن الملاحة البحرية محافظة بطبيعتها، حيث يعد تمويل السفن المبتكرة أمرا صعبا، وفقط في العامين الماضيين أضاف الجمع بين ارتفاع أسعار وقود السفن وضغوط إزالة الكربون زخما على تكنولوجيا الأشرعة الحديثة.

وترى خارطة طريق وكالة الطاقة الدولية للشحن البحري الصافي الصفري مساهمة مساعدة الرياح بنحو 15 في المئة من التخفيضات المطلوبة، أن التنبؤ بالطقس بمساعدة الأقمار الصناعية اليوم سيسمح للسفن بتعديل المسارات للاستفادة من الرياح.

وفضلا عن ذلك ستظل البواخر تعمل بشكل أساسي بالمحركات حتى لا تتوقف بسبب المناطق التي تخلو فيها الرياح، وبالتالي فإن الجمع بين الأشرعة المحسنة والمصممة لهذا الغرض وتحسين المسار وتدابير الكفاءة الأخرى يوفر الكثير.

وكما يوضح كتاب “إثفايندرز” للمؤرخ فيليبي فرنانديز أرمستو عن الاستكشاف، فإن الأماكن التي يبدو من السهل الوصول إليها على خارطة اليوم ربما لم تكن موجودة في عصر الإبحار في الماضي. كما أن الرياح لا تهب ولا تتدفق التيارات بشكل ملائم على أقصر طريق بين الموانئ.

ولن يواجه مستقبل الأشرعة والمحركات الهجينة هذه المشكلة، ولكن مع ذلك، قد تكون دورات السفن أطول وأكثر دائرية للاستفادة من الرياح القوية.

وفي خضم ذلك قد تجد الموانئ المغمورة والمنسية نفسها في قلب الطريق، ويمكن أن يساعد تطور جديد في تكنولوجيا قديمة في تنظيف أحد أكثر القطاعات تلويثا للبيئة.

العرب