إيران والانتخابات بين الأمس واليوم (1)

إيران والانتخابات بين الأمس واليوم (1)

لا أحد ينكر أن الحياة السياسية في ظل النظام الملكي الشاهنشاهي في إيران شهدت نشاطاً لأحزاب رسمية أو تحت سقف القوانين، أو غير رسمية خارج القانون لأسباب ترتبط بتعارض أيديولوجيتها وعقائدها السياسية والفكرية مع طبيعة النظام الملكي، إذ كانت تعمل على إزالته وإقامة نظام جديد مكانه ينسجم مع هذه الأيديولوجيات، كما هي الحال مع كل الحركات الإسلامية والأحزاب الماركسية كحزب “توده” (الشعب) وغيره من الأحزاب اليسارية، سواء تتبنى الصراع السياسي أو العسكري.

بعد خروج النظام الملكي من عنق الزجاجة الذي وضعته فيه الحركة الوطنية وترؤس محمد مصدق السلطة التنفيذية، سعى الشاه محمد رضا بهلوي، بعد عودته من منفاه الموقت وإنهاء الحال المصدقية واعتقال زعيمها، إلى ترتيب المشهد السياسي الإيراني وإدخال نوع من التجديد المدروس والمقنن والمسيطر عليه، من خلال إطلاق حرية العمل الحزبي وتحويل الصراع السياسي إلى صراع بين حزبين، كما هي الأمور في عديد من الدول الغربية بخاصة الولايات المتحدة الأميركية.

اختراق العمل الحزبي

وعلى رغم وجود أكثر من 30 حزباً نشطاً في إيران ما بين الرسمي والمحظور أو الممنوع، فضلاً عن وجود تشكيلات ثورية مناطقية تعمل ضد النظام وتعتمد في كثير من الأحيان العمل المسلح، كما هي الحال مع حزب “توده” و”فدائي الإسلام” وحركة “منصورون”.

في المقابل سعى الشاه إلى اختراق العمل الحزبي في إيران، فكان مما أصدره بتاريخ السادس من أبريل (نيسان) 1957 تشكيل حزب “حزب الشعب” (مردم)، إذ تولى أمانته العامة أسدالله علم المقرب من الشاه وأحد الشخصيات الفاعلة في الديوان الملكي والعضو الثابت في عديد من الحكومات وصولاً إلى توليه رئاسة الوزراء في الـ21 من يوليو (تموز) 1962.
بعد سنوات على تشكل “حزب الشعب” أمر الشاه في الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) 1963 بتشكيل حزب جديد باسم “إيران الجديدة” (إيران نوين)، وكلف حسين علي منصور الذي تولى رئاسة الوزراء بعد أسدالله علم، وبذلك اكتمل العقد الذي أراده الشاه بوجود حزبين موالين له وللملكية، ليلعبا دوراً في خلق حياة سياسية وصراع حزبي ضمن الهامش الذي لا يشكل خطراً على الشاه وسلطته، ويساعد على سحب الأوراق من الأحزاب المعارضة الساعية إلى تغيير النظام والقضاء على الملكية.

عملية اغتيال منصور على يد عضو جمعية المؤتلفة الدينية الإسلامية محمد بخارائي، وهو أحد أقرباء مجتبى نواب صفوي زعيم حركة “فدائي الإسلام” الذي أعدمه الشاه في الـ18 من يناير (كانون الثاني) 1956، فتحت الطريق أمام أمير عباس هويدا لتولي الأمانة العامة لهذا الحزب، وأيضاً في الوصول إلى رئاسة الوزراء.

في الأدبيات السياسية الإيرانية خلال تلك المرحلة، أطلق على كل من الحزبين أسماء شعبية تعبر عن مدى تبعية كل منهما للشاه والسلطة والأجهزة الأمنية، فكان الجمهور يستخدم أسماء “نعم سيدي” و”أمرك سيدي” للدلالة عن هذين الحزبين. بخاصة أن الحياة السياسية والبرلمانية والتنفيذية كانت توزع كحصص بينهما من قبل الشاه، الذي كان بأوامر منه يرجح كفة أحدهما على الآخر في المجلس الوطني “البرلمان” والحكومة.

أمام فشل هذين الحزبين وعجزهما عن أداء الدور الذي أراده الشاه، بخاصة في تلك المرحلة الحساسة التي شهدت تصاعد فاعلية الأحزاب والقوى المعارضة له وعدم قدرتهما على سد الفراغ وإعادة ترميم الصورة الشعبية للنظام والشاه بعد حركة مصدق وما تركته من تحول في المجتمع الإيراني، وجد الشاه نفسه في مواجهة خيار كثيراً ما رفضه في السابق، وهو خيار الحزب الواحد باعتباره تعبيراً عن ديكتاتورية السلطة والنظام.

فورة النفط

لكن التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، بخاصة بعد حرب عام 1973 بين الدول العربية وإسرائيل، والقرار العربي بوقف تصدير النفط، مما سمح للشاه وبدعم أميركي وغربي للعب دور المنقذ للأسواق العالمية وسد العجز الحاصل في إمدادات الطاقة في هذه الأسواق وزيادة الصادرات الإيرانية من النفط، وهو ما ترجم بثورة مالية كانت من نصيب إيران بما تعنيه من زيادة في العائدات المالية.

هذه البحبوحة المالية والاقتصادية وحجم الدعم والتأييد الأميركي الذي حصل عليه الشاه من واشنطن بالتحديد، وإحساسه بأنه بات في دائرة الأمن والأمان بفضل المظلة الأميركية التي حصلت عليها، وأنه بات لاعباً مهماً على الساحة الإقليمية والدولية، دفعته إلى إسقاط المحرمات السياسية في الحياة السياسية الداخلية لإيران، ورفع مستوى العنف في التصدي لخصومه والقوى المعارضة له، مطلقاً يد أجهزة الأمن والاستخبارات “السافاك” لتقوم بما يخدم تعزيز سلطته.

في المقابل، وفي مطلع شهر مارس (آذار) من عام 1975 أعلن عن تشكيل حزب “رستاخيز” (البعث)، وأمر حزبي السلطة “الشعب” و”إيران الجديدة” بحل نفسيهما والاندماج في هذا الحزب، ودعا الشعب الإيراني للانتماء إلى هذا الحزب، في خطوة وضعته على بداية الطريق لإنشاء سلطة الحزب الواحد الذي سبق أن رفضه باعتباره مؤسساً لديكتاتورية، فالتجارب العالمية في هذا المجال أنتجت الفاشية والنازية. وقد جاءت هذه الخطوة بعد أن وصل إلى قناعة بأن سياسة الحزبين وتقسيم الأدوار بينهما لن تعطي النتيجة التي كان يريدها.

لم يستفد الشاه من الثورة أو الفورة المالية، التي توفرت له جراء صعود أسعار النفط، على وضع خطط تنمية شاملة لكل إيران، وعلى رغم تركيزه على تطوير جوانب محددة من الصناعات وإدخال الشركات الأجنبية في هذا القطاع، فإن التنمية والنهوض الاقتصادي انعكس فقط على المدن الكبرى وأهمل الأطراف والأرياف، مما ساعد على زيادة الهوة بينه وبين غالبية الشعب الإيراني، الذي وجد في الحركات والأحزاب المعارضة فرصة ومجالاً للتعبير عن معارضته ورفضه سياسات الشاه.

هذا التحول في سياسة الشاه وصل إلى مستوى أنه لم يعد يرغب في استرضاء الجمهور، وأن يقول أمام جمع من الموالين له إنه يكفيه أن يكون جزء من الإيرانيين مؤيدين له، وإنه يكتفي بـ3 ملايين منهم، وإذا أراد الآخرون الخروج من إيران فسيسهل لهم عملية الحصول على جوازات سفر ليغادروا.

هذه السياسة وهذا التعاطي مع مطالب المجتمع الإيراني، بخاصة في موضوع الحريات، جعلا إيران تعيش في أعلى درجات الاختناق والانسداد السياسي والاجتماعي، خصوصاً في أواسط عقد السبعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى انفجار الشارع وخروج الإيرانيين مطالبين بالحرية.