الغاز مفتاح إستراتيحية واشنطن الجديدة في الشرق الأوسط

الغاز مفتاح إستراتيحية واشنطن الجديدة في الشرق الأوسط

أعلنت وزارة التجارة التركية -أمس الخميس- تعليق جميع معاملاتها التجارية مع إسرائيل، في ضوء ما وصفته الوزارة بـ”تفاقم المأساة الإنسانية” في الأراضي الفلسطينية، مشددة على أن تركيا لن تتراجع عن قرارها إلا بعد ضمان تدفق غير متقطع وكاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة.

من جانبه، قال وزير التجارة التركي عمر بولات، إن تعليق التجارة مع إسرائيل سيستمر حتى تأمين وقف إطلاق نار دائم في غزة وتدفق المساعدات الإنسانية بدون عوائق للفلسطينيين هناك.

عمر بولات قال إن تعليق التجارة مع إسرائيل سيستمر حتى تأمين وقف إطلاق نار دائم في غزة وتدفق المساعدات الإنسانية بدون عوائق (الفرنسية)
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -اليوم الجمعة- إن بلاده أغلقت باب التجارة مع إسرائيل واعتبرت حجم التجارة الثنائي البالغ 9.5 مليارات دولار “غير موجود”.

ولم يكن هذا القرار الأول من نوعه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ حظرت تركيا مطلع شهر أبريل/ نيسان الماضي، تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل، كان من بينها الحديد والرخام والصلب والإسمنت والألمنيوم والطوب والأسمدة ومعدات ومنتجات البناء ووقود الطائرات، على غرار رفض إسرائيل مشاركة تركيا في إيصال المساعدات الإنسانية جوا إلى قطاع غزة.

ترحيب تركي
ولاقى القرار ترحيبا واسعا في عالم الأعمال التركي، إذ أعربت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين التركية “موصياد” عن تأييدها للقرار إلى حين السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بلا قيود، معتبرينه “مكسبا إنسانيا”.

وفي نفس السياق، رحبت جمعية رجال أعمال أسود الأناضول، بقرار وزارة التجارة ضد إسرائيل التي تسببت باستشهاد أكثر من 35 ألف مدني فلسطيني وإصابة نحو ما يقارب من 78 ألف مواطن فلسطيني، كما أكد رئيس غرفة تجارة إسطنبول شكيب أوداغيتش دعمهم للقرار.

التأثير على الاقتصاد
في حين تتداول وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء تفيد بتشكيل لجان اقتصادية تهدف لدراسة الآليات المناسبة لإلحاق الضرر بالاقتصاد التركي، معتبرين قرار تركيا يضر بشكل مباشر الاقتصاد الإسرائيلي.

وأوضح الدكتور أحمد مصبح، الباحث في الشأن الاقتصادي والأستاذ المختص بالمحاسبة والتمويل في الجامعة الإسلامية بغزة، أن التأثير المحتمل لإنهاء العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل على الاقتصاد التركي قد يبدو محدودا نسبيا.

Shipping turkish products to israel قرار تركيا وقف تصدير منتجات إلى إسرائيل
حجم الاقتصاد التركي وتنوع شراكاته التجارية وشبكته الواسعة يجعله أقل عرضة للتأثر بشكل كبير جراء قطع التبادل التجاري مع دولة معينة. (شترستوك)
ويعزو هذا الرأي إلى طبيعة وحجم الاقتصاد التركي الذي يتميز بتنوع شراكاته التجارية وشبكته الواسعة، ما يجعله أقل عرضة للتأثر بشكل كبير جراء قطع التبادل التجاري مع دولة معينة.

وفي تحليله لنوعية الصادرات التركية إلى إسرائيل، التي تشمل بشكل أساسي المجوهرات ومشتقات البترول، أشار مصبح في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه السلع لا تتطلب عمالة كثيفة، وبالتالي فإن الصناعات التركية لن تتأثر بشكل مباشر أو كبير بسبب هذا القرار.

إعلان

واستدرك بالقول إن المكاسب السياسية التي قد تعود على تركيا جراء قطع هذه العلاقات يمكن أن تفوق بكثير أي خسائر اقتصادية محتملة.

ويرى المحلل أن القرار التركي -وإن كان متأخرا- سيزيد أزمات إسرائيل الاقتصادية-، إذ إن القرار ينص على وقف التبادل التجاري بالكامل بما فيها الواردات من إسرائيل.

ولفت أحمد مصبح إلى أن تركيا تمتلك عدة وسائل ضغط أخرى يمكن استخدامها للتأثير على إسرائيل، مستشهدا بالتدابير التي اتخذتها أنقرة في مجال الطاقة، بما في ذلك إيقاف مشاريع تسهيل نقل الغاز من إسرائيل إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. وهو ما يؤثر على طموحات تركيا الرامية إلى أن تصبح مركزا رئيسيا لتوزيع الطاقة في الشرق الأوسط، وتعزيز دورها في قضايا المنطقة ومكانتها كحاضنة إسلامية للقضايا الحساسة بالمنطقة.

خطوة تصعيدية
من جانبه يقول طه عودة أوغلو، المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، في حديثه للجزيرة نت الضوء إن قرار تركيا بقطع جميع علاقاتها التجارية مع إسرائيل يأتي في أعقاب تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي أكد فيها استمرار دعم تركيا للشعب الفلسطيني، مما يعكس تصاعد الإجراءات التركية تجاه إسرائيل بسبب الحرب المستمرة على غزة لأكثر من 7 أشهر.

ويفسر المحلل السياسي هذا التوجه التركي في سياقات متعددة، مشيرا إلى أنه جاء بعد شهر تقريبا من خسارة الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية، والخشية من صعود أحزاب محافظة منافسة.

كما أن هذا القرار يأتي في أعقاب مظاهرات شعبية طالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل، بعد تقارير أشارت إلى ارتفاع الصادرات التركية إلى إسرائيل والتي نفتها وزارة التجارة التركية لاحقا.

إعلان

ويوضح أوغلو أن تسريب القرار التركي الجديد تم أولا عبر وكالة “بلومبيرغ” في توقيت مهم جدا، وتزامن ذلك مع اجتماع الرئيس أردوغان مع رئيس حزب الشعب الجمهوري، مما يحمل دلالات عديدة على الصعيد الداخلي.

ويرى أوغلو أن هذه العقوبات الاقتصادية التركية، وإن كانت تمثل تصعيدا في الموقف تجاه تل أبيب، لن تؤدي إلى نقطة تحول مفصلية في العلاقات بين الجانبين، حيث تحرص أنقرة على ألا يؤدي التوتر الحالي إلى أزمة دبلوماسية شبيهة بالأزمات التي شهدها العقد الماضي.

بدوره قال عبد المطلب إربا أستاذ الاقتصاد في جامعة صباح الدين زعيم إن القرار التركي كان منتظرا ومتوقعا لذلك قوبل بترحيب شامل، وأضاف أن التأثير سيكون سياسيا بالدرجة الأولى.

ولفت إربا في -حديث للجزيرة- إلى أن التأثير سيكون اقتصاديا أيضا حيث إن إسرائيل تستورد المواد الخام المهمة جدا من (صلب حديدي ومواد بناء وغيرها) من تركيا التي تعد شريكا أساسيا لتل أبيب، واعتبرت الخطوة التركية بمثابة نموذج مشجع لدول أخرى.

بالمقابل استبعد إربا أن تتأثر تركيا بالقرار، وعزا ذلك إلى أنها دولة كبيرة مقارنة بإسرائيل، وعاد ليؤكد أن تل أبيب ستواجه مشكلة كبيرة في إيجاد بدائل للمواد التي كانت تستوردها من تركيا.