بإمكان الأردن وإسرائيل اتخاذ إجراءات حازمة للتخفيف من المخاطر، بدءاً من التدابير الأمنية الإضافية على الحدود ووصولاً إلى التدابير الاقتصادية مثل رفع الحظر المفروض على عمال الضفة الغربية وإنشاء ممر إنساني في جنوب سوريا.
في الوقت الذي يتركز فيه اهتمام العالم على العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حماس” في جنوب البلاد و”حزب الله” في شمالها، يصمم قادة “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني على فتح جبهات جديدة لتطويق إسرائيل بـ”حلقة من النار” والتفوق عليها في ما يعتبرونه حرب استنزاف. ويسعون، على وجه الخصوص، إلى إشعال الحدود الشرقية لإسرائيل. فوفقاً لمصادر موثوقة في دمشق، طلبت روسيا بهدوء ولكن بحزم من طهران عدم جر سوريا إلى الصراع الحالي. وبالتالي، أصبحت الضفة الغربية والأردن الهدفين الرئيسيين لإيران.
التصعيد والتهريب عبر الأردن
في أعقاب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل مباشرة، شعر قادة “حماس” وقادة “فيلق القدس” على حد سواء بالإحباط بسبب غياب هجمات التعاطف الكبيرة داخل الضفة الغربية أو عبر حدود إسرائيل الطويلة مع الأردن. وفي الواقع، كان أحد أهداف “حماس” – التي لم تتحقق – في الأيام الأولى للحرب هو قيام بعض وحدات “النخبة” التابعة لها بقيادة قافلة من الشاحنات الصغيرة والدراجات النارية إلى مدينة الخليل في الضفة الغربية، التي هي المعقل التقليدي لـ”حماس” الذي يقع على بعد أربعين كيلومتراً فقط من غزة.
وحيث أدركت عمّان أنه لا يزال من الممكن أن تتحقق هذه التهديدات، فقد عززت انتشارها العسكري على طول نهر الأردن بـ 1000 جندي إضافي. واليوم، أصبح لديها جنود على الحدود أكثر من الجيش الإسرائيلي.
وفي الضفة الغربية، نفذت قوات الأمن التابعة “للسلطة الفلسطينية” عشرات الاعتقالات خارج مخيمات اللاجئين الثمانية عشر في أراضي الضفة خلال الأسابيع التي تلت اندلاع الحرب، مع التركيز على خلايا “حماس”. وفي مرحلة ما، أرسل الرئيس محمود عباس لفترة وجيزة 1,500 جندي إلى جنين في أعقاب غارة شنها الجيش الإسرائيلي، لكنه امتنع عن القيام بخطوات مماثلة في مدن أخرى. بالإضافة إلى ذلك، شكل أعضاء “جناح” «التنظيم» المسلح غير الرسمي التابع لحركة «فتح»، والبالغ عددهم 30 ألف عضو، “لجان دفاع”، ولكنهم ظلوا إلى حد كبير على الهامش.
ولكسر الهدوء النسبي على هذه الجبهات، صعّدت إيران حملتها المنظمة لتهريب كميات كبيرة من قاذفات الصواريخ والقذائف الصاروخية والعبوات المتفجرة المتطورة وغيرها من الأسلحة من سوريا إلى الأردن، مع تخصيص الكثير منها للنقل إلى الضفة الغربية. وغالباً ما تترافق هذه الشحنات مع المخدرات، وخاصة حبوب الكبتاغون التي يتم إنتاجها في أجزاء من لبنان ودمشق وينقلها المهربون بالتحالف مع “الفرقة الرابعة” في الجيش السوري التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد. ويشار إلى أنه يتم تهريب حوالي 20-30 مليون من هذه الحبوب سنوياً، وتقدر قيمتها بنحو 5-7 مليارات دولار بعد بيعها في الأردن ودول الخليج وخارجها.
وبشكل أكثر تحديداً، تقوم الجماعات الإجرامية المحلية والميليشيات الوكيلة لإيران في جنوب سوريا بجمع المخدرات من المختبرات التي يديرها “حزب الله” في سهل البقاع اللبناني أو مواقع الإنتاج خارج دمشق ونقلها إلى مستودعات التخزين، التي يقع بعضها في ضواحي محافظة السويداء السورية التي يهيمن عليها الدروز، والبعض الآخر في الصحراء غرب القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف. ثم تحاول العصابات المدججة بالسلاح والمؤلفة من 400 إلى 500 رجل نقل الشحنات عبر الحدود مع الأردن، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى معارك شرسة تستمر لساعات مع جيش المملكة. حتى أن عمان دُفعت إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة من خلال شنها غارات جوية من حين لآخر داخل سوريا. وفي حالات أخرى، يستخدم المهربون الطائرات المسيرة وقذائف الهاون المكيفة لنقل المخدرات جواً إلى الأردن.
أما بالنسبة إلى عمليات نقل الأسلحة، فمن الصعب تقييم مقدارها وتكوينها بدقة، ولكن أدلة مختلفة تشير إلى تدفقها بشكل مستمر من سوريا إلى الأردن ومنها إلى الضفة الغربية. وفي الواقع، كثّف شركاء إيران المحليون جهودهم السرية لإنشاء خلايا مسلحة في غور الأردن وبعض مخيمات اللاجئين. ويتم تشجيع الأعضاء الشباب في جماعة “الإخوان المسلمين” الأردنية – الحركة التاريخية التي وُلِدت منها “حماس” – على إنشاء مثل هذه الخلايا، مرددين دعوات “حماس” المتكررة التي تحث الأردنيين على النزول إلى الشوارع تضامناً مع الحرب ضد إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، تمركزت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق في مواقع على طول أجزاء من الحدود الأردنية السورية، وأطلقت طائرات بدون طيار باتجاه أهداف إسرائيلية مثل ميناء حيفا، وأوقفت حركة شاحنات الوقود إلى الأردن عبر معبر الكرامة بالقرب من طريبيل. كما هددت مراراً وتكراراً باقتحام الحدود من أجل “الوصول إلى خط المواجهة مع إسرائيل”.
استراتيجية “الكتيبة” الإيرانية في الضفة الغربية
من أجل تصعيد العنف في الضفة الغربية، أنشأت الوحدتان “840” و”3900″ في “فيلق القدس” «غرفة عمليات مشتركة» مع “حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. ويتمثل أحد أهدافها الرئيسية في تمويل المزيد من الأنشطة الإرهابية في أراضي الضفة الغربية عن طريق تحويل الأموال إلى هناك بشكل غير قانوني، وأحياناً باستخدام مكاتب الصيرفة الخاصة. ويتمركز الكثير من النشطاء المشاركين في هذه الجهود في تركيا، حيث يبدو أن الحكومة قد غضت الطرف عن هذا التمويل.
وفي كانون الثاني/يناير، قُتل مهندس هذا الجهد التمويلي – المسؤول في “حماس” صالح العاروري – في غارة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية، «عاصمة» “حزب الله”. ومع ذلك، يتّبع بديله، زاهر جبارين، الاستراتيجية نفسها بناءً على نصيحة إيران. وعلى وجه التحديد، تخلت “حماس” عن أي خطط لإعادة إنشاء بنية هرمية مسلحة تحت الأرض في الضفة الغربية في الوقت الحالي، مدركة أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد فككت مراراً وتكراراً هذا النوع من الهياكل المنظمة. وبدلاً من ذلك، تعمل ببساطة على إغراق المنطقة بالأسلحة والمال. وهذه الموارد متاحة لأي شخص يرغب في شن هجمات، دون مطالبته بأداء قسم الولاء لـ “حماس” أو لأي فصيل آخر.
وقد شجعت هذه السياسة المرنة على تشكيل أكثر من اثني عشرة كتيبة غير ذات انتماء سياسي، بعضها في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، والبعض الآخر في القرى الريفية أو الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى. وكان هذا المنحى قد بدأ مع مجموعة “عرين الأسود” التي لم تعد موجودة الآن في نابلس. واليوم، يُقدر بأن حوالي 1000 شاب مسلح قد انضموا إلى هذه الكتائب. ووفقاً لمصادر استخباراتية إسرائيلية، غالباً ما تلقى هذه العناصر تعاوناً من ضباط قوات الأمن التابعة “للسلطة الفلسطينية” الذين ينتقدون سياسات الرئيس عباس. ويتمثل نهجهم النموذجي في إنشاء “غرفة حرب” في منطقتهم، ووضع كاميرات مراقبة محلية وإنشاء اتصالات لاسلكية، وزرع المتفجرات على طول الطرق المؤدية إلى مجتمعهم، وإعداد مواقع قتالية. وعلى الرغم من وجود بعض التنسيق بين الكتائب المتجاورة، إلا أنه لا توجد قيادة شاملة لها. ومن وقت لآخر، تخرج فرق من هذه المناطق لإطلاق النار على المستوطنات اليهودية، ونصب الكمائن على الشرايين الرئيسية، وزرع السيارات المفخخة، ومحاولة إطلاق صواريخ مرتجلة ومروحيات رباعية، أو حتى الشروع في تفجيرات انتحارية في مناسبتين. كما يعرضون بشكل روتيني تحويل بنادق الادسنس، التي يمكن للسكان شراؤها بسهولة عبر الإنترنت، إلى بنادق شبيهة بـ “إم 16” قادرة على إطلاق ذخيرة قاتلة.
ونتيجة لهذه الأنشطة، بلغ العنف الفلسطيني في الضفة الغربية أعلى مستوياته منذ عام 2002 عندما رد الجيش الإسرائيلي على موجة مماثلة بشن “عملية الدرع الواقي”. وبين 7 تشرين الأول/أكتوبر وأيار/مايو من هذا العام، تم تسجيل حوالي 280 حادثاً إرهابياً. وفي هذا العام وحده، قُتل 187 فلسطينياً في أراضي الضفة، إلى جانب 13 إسرائيلياً.
وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر مباشرة، قررت إسرائيل البدء في رسم معالم ساحة المعركة الناشئة في الضفة الغربية بدلاً من التركيز على تحقيق الاستقرار. وفي إطار هذا النهج الاستباقي والوقائي، نفذت الألوية الإقليمية السبعة للجيش الإسرائيلي أكثر من 500 مداهمة شملت تبادلاً عنيفاً لإطلاق النار على مدى عدة أيام في بعض الأحيان. حتى أن حفنة من المعارك شهدت أول استخدام إسرائيلي للطائرات المقاتلة في الضفة الغربية منذ عام 1967. وكان الهدف الرئيسي من هذه العمليات هو القبض على كبار الشخصيات على قائمة المطلوبين الإسرائيلية (بمن فيهم قادة الكتائب) مع تفكيك البنية التحتية العسكرية التي تم بناؤها في مخيمات اللاجئين وغيرها من النقاط الساخنة. وبالنسبة للمخيمات الرئيسية مثل جنين ونور شمس بالقرب من طولكرم، كان على الجيش الإسرائيلي تنفيذ ما يصل إلى خمس عشرة عملية متتالية ضد الكتيبة نفسها. واعتُقل ما يقرب من 2000 فلسطيني بتهم النشاط الإرهابي.
التداعيات السياسية
إن خطر اندلاع اشتباكات في الأردن والضفة الغربية يستدعي اتخاذ خطوات حاسمة لإحباط خطط “حماس” وإيران لتفعيل الجبهات الشرقية لإسرائيل. وينبغي النظر في عدة تدابير على وجه السرعة:
مواصلة تحسين قدرة الجيش الأردني على منع تهريب الأسلحة من سوريا. ينبغي تعزيز الانتشار الحالي للجيش على الحدود من حيث الأعداد والقدرات التكنولوجية. وستكون المروحيات الهجومية الأمريكية والدعم الاستخباراتي الأمريكي موضع ترحيب خاص بهذا الصدد. فكمية الأسلحة التي تعبر الحدود تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار الداخلي في الأردن ويمكن أن تعكّر صفو الهدوء الذي يتمتع به الأردن منذ فترة طويلة على طول الحدود مع إسرائيل أيضاً.
إعادة النظر في طلب الدروز السوريين إنشاء ممر إنساني. تمر معظم طرق التهريب الرئيسية إلى الأردن عبر محافظة السويداء السورية، مما أدى إلى اشتباكات متقطعة بين عصابات التهريب المسلحة والجماعات الدرزية المحلية. علاوة على ذلك، انخرط الكثير من الدروز في احتجاجات ومقاطعات استمرت أشهراً ضد نظام الأسد، مما أثار ضغوطاً شديدة من دمشق (مثل القيود المفروضة على الوقود). وتتمثل إحدى الطرق للتخفيف من المشكلتين في فتح ممر إنساني بطول ثلاثة كيلومترات من الحدود الأردنية إلى قرية العانات الدرزية في أقصى الجنوب، حيث يمكن بعد ذلك نقل الإمدادات منها إلى المراكز الدرزية الأخرى الواقعة على بعد حوالي خمسين كيلومتراً شمالاً. وهذا من شأنه أن يساعد الدروز على تخفيف الضغط الاقتصادي الذي يمارسه النظام السوري مع تحسين قدرتهم على التصدي للمهربين.
تجنيد وتدريب المزيد من القوات الفلسطينية. بإمكان الولايات المتحدة أن تشجع قوات الأمن التابعة “للسلطة الفلسطينية” على تنفيذ المقترحات الحالية بإضافة 10 آلاف جندي وتدريبهم في الأردن أو في مواقع أخرى. وبالإضافة إلى استبدال العناصر الذين تجاوزوا سن التقاعد أو اقتربوا منه، من شأن هذه الخطوة أن تعزز قدرة “السلطة الفلسطينية” على التعامل مع “حماس” في الضفة الغربية.
السماح لعمال الضفة الغربية بالعودة إلى إسرائيل. يعتقد الجيش الإسرائيلي وسلطات أخرى أن هؤلاء العمال، الذين بلغ عددهم أكثر من 100 ألف عامل قبل حظر دخولهم في تشرين الأول/أكتوبر، يمكنهم استئناف وظائفهم تدريجياً في إسرائيل دون التسبب بمخاطر أمنية لا داعي لها. وتسمح تقنية جديدة بمراقبتهم للتأكد من عدم محاولتهم البقاء في إسرائيل خلال الليل. ومن شأن ذلك أن يخفف بشكل كبير من الأزمة الاقتصادية المتنامية في الضفة الغربية، لكن أعضاء اليمين المتطرف في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما زالوا يعارضون رفع الحظر.
اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المستوطنين العنيفين. امتنعت الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل عام عن اتخاذ إجراءات قانونية جدية ضد الأقلية من المستوطنين اليهود الذين يرتكبون أعمال عنف ضد المجتمعات الفلسطينية المجاورة. ويقدر الجيش الإسرائيلي أن حوالي 400 جريمة من هذا القبيل وقعت خلال حرب غزة، وواقع أن معظمها يمر دون عقاب لا يؤدي إلا إلى تفاقم التوترات في القطاع. لذا ينبغي حث حكومة نتنياهو على التوقف عن تقييد الشرطة لمنعها من معالجة هذه المشكلة بشكل فعال.
وتكتسب جميع هذه الإجراءات أهمية أكبر في الوقت الذي يناقش فيه الناطقون باسم “حماس” مثل غازي حمد والكثير من قادة “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني وشخصيات إيرانية أخرى علناً احتمال شن المزيد من الهجمات على غرار تلك التي حدثت في 7 تشرين الأول/أكتوبر ضد المجتمعات الإسرائيلية، وهذه المرة من الحدود الأردنية وحدود الضفة الغربية.