جواد ظريف.. حوار المغالطات التاريخية والسياسية

جواد ظريف.. حوار المغالطات التاريخية والسياسية

عقدت في السادس من كانون الأول 2025 الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة بحضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين وحضور رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم.
وانطلقت فعاليات المؤتمر بعدد من الحوارات والمناقشات والاستضافات، ومنها الجلسة الحوارية التي تمت بحضور وزير خارجية إيران الأسبق محمد جواد ظريف والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي بعد يومين من انطلاق فعاليات المنتدى.
واتسم الحوار بعديد من المغالطات التاريخية والسياسية التي قدمها جواد ظريف حول علاقة بلده ومؤسساته العسكرية والأمنية بالأذرع والوكلاء الإيرانيين في بعض من عواصم الأقطار العربية، ودورها الرئيسي في حماية المصالح الايرانية عبر الالتزام بمشروع إيران السياسي الإقليمي والادوار والممارسات التي تقوم بها قيادات مقاتلي هذه الفصائل المسلحة، وأشار بشكل مختلف للحقيقة بأن ( هذه الجماعات لم تقاتل من أجل مصلحة إيران أبداً، بل إن كل رصاصة أطلقوها كانت من أجل مصالحهم)، وهو قول لا يستند إلى حقائق ملموسة وأفعال مستمرة وإنما هو أبعاد إيران عن مسؤولية ما يحدث من خروقات أمنية واعمال عدوانية في الشرق الأوسط والوطن العربي، ومحاولة منه لاخراج بلده من العزلة السياسية التي يعاني منها وتخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية عنها.
وتحدث بوضوح وهو ما كان يدعي دائمًا في جميع المؤتمرات الدولية والإقليمية التي شارك فيها، عن نفيه لأي علاقة أو معرفة لإيران بما يقوم به حزب الله اللبناني أو الفصائل المسلحة المرتبطة بقيادات الحرس الثوري الإيراني من أعمال وأنهم جميعًا يتحملون وزر اعمالهم، وأن السياسية الإيرانية ثابتة في ثوابتها بإقامة علاقات وطيدة وصداقات دائمة مع محيطها العربي والإقليمي والانفتاح السياسي والاقتصادي نحو بلدان العالم بما يحقق المنفعة الإيرانية ويديم المصالح الدولية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
أن ما تحدث به وزير الخارجية الإيراني الأسبق إنما يجافي حقيقة الثوابت العقائدية والاستراتيجية السياسية التي تعتمدها القيادة الإيرانية في تحقيق تمددها ونفوذها وسعيها لبسط قوتها وتحقيق منافعها في عواصم الأقطار العربية ( اليمن ولبنان والعراق) ومن قبلها سوريا،وأن ابعاد مسؤولية إيران عن ما يحدث في هذه الأماكن، أمر لا يمكن إخفاؤه أو التغاضي عنه بمجرد حديث أو حوار في منتدى سياسي أو ندوة بحثية.
أن جميع الوقائع الميدانية تشهد بالتدخل والنفوذ الإيراني في القطر العربي السوري التي كانت القيادة الإيرانية تعتبر دمشق جزء حيوي من الأمن القومي الإيراني وأنها تشكل المربع الذهبي والامتداد الجغرافي الميداني لمشروعها السياسي الإقليمي، قبل سقوط النظام السوري وهروب الأسد إلى روسيا، ثم العلاقة الاستراتيجية التي تخللها الدعم المادي والعسكري للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية العاملة في حزب الله اللبناني، والمساندة الفعلية بكل مستوياتها لجماعة الحوثيين في القطر العربي اليمني، والحاضنة الأمنية والرئة الاقتصادية التي تحافظ عليها إيران في المشهد السياسي الميداني العراقي، فهل تناسى الوزير السابق هذه العلاقات وما كان يبديه المرشد الأعلى علي خامنئي في العلاقة الوطيدة مع سوريا بقوله ( أن الدفاع عن دمشق ونظامها هو دفاع عن طهران).
ثم تحدث جواد ظريف عن عدم وجود أي اطماع إيرانية في المنطقة العربية، في وقت لا زالت بلده تحتل الجزر الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة وترفض الدخول في أي حوار لمناقشة الموضوع مع القيادات السياسية في ابو ظبي، وترفض التحكيم الإسلامي والدولي حول عائدية الجزر، وهذا ما يعيد أولوية العلاقة مع دول مجلس التعاون العربي الخليجي وإيران التي تتعلق بغياب الثقة والتناقض الذي يسلكه المسؤولين الإيرانيين في طريقة تعاطيهم مع دول الجوار العربي، ومنها ما تضمنه مشهد الحوار الاخير في منتدى الدوحة بإصرار الوزير الإيراني حول عائدية حقل الدرة لإيران، مما أحدث جدل ونقاش حاد طلب فيه الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي من ظريف الهدوء والاعتدال في الكلام، وتزامن الحوار مع تصاعد إيراني في التصريحات التي أعلنها مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي وحسين شريعتمداري رئيس تحرير جريدة كيهان عن ( حق تاريخي لإيران في البحرين)، وهي لغة اثبت حالة عدم وجود أرضية صحيحة ثابتة للعلاقة بين إيران واقطار الخليج العربية ولا زالت تتحدث بأوهام ونوازع واحلام حول تنفيذ مشروعها التوسعي الإقليمي، في وقت تعمل القيادات السياسية لمجلس التعاون الخليجي على الالتزامر بثوابتها الصادقة في التعايش وفتح آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري وعلى جميع الأصعدة مع إيران واعتماد سياسة التفاهم ومعالجة أي أزمة عبر الحوار السياسي والتعامل الدبلوماسي والحفاظ على أمن وسلامة الخليج العربي بما يعزز حالة خفض التوتر ومنع التصعيد.
أن اعتماد إيران خطاب سياسي لا يتلائم مع المتغيرات السياسية والتطورات الميدانية التي تمر بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، إنما هو ابتعاد واضح عن فهم وادراك لما سيحدث أو ما سيكون، وأن تعزيز العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي لهو الضمانة الأساسية التي تحمي النظام الإيراني وتساهم في الدفع باتجاه تخفيف أزماته الاقتصادية والاجتماعية بل الذهاب بعيدًا في تحسين علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، وهي حقيقة على المسؤولين الإيرانيين التعامل معها بجدية وبروح من الثقة المتبادلة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها والاعتداء على أراضيها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة