اياد العناز
بدأت إيران تحركات دولية إقليمية في خضم تصاعد كبير في توقعات ميدانية لمواجهة عسكرية إسرائيلية قادمة وضربات جوية تجاه العمق الإيراني، تستهدف المنشآت النووية والصاروخية ومخازن الأسلحة والاعتدة المتطورة ومنظومات الدفاع الجوي وشبكات الكهرباء والمياه والمنشآت النفطية والغازية.
جاء التحرك عبر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في السادس عشر من كانون الأول 2025 إلى روسيا ولقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الذي أعلن بأن ( بلاده لا تفرض جهودها في الوساطة بشأن الملف النووي الإيراني، ولكن إذا طلبت طهران ذلك، فإن موسكو مستعدة للمساعدة)، وهو الجزء الأهم من الزيارة الإيرانية التي طلبت فيها إيران إمكانية توفير مستلزمات ضرورية لمفاعلاتها المتضررة لإعادة تشغيلها بالمستويات المطلوبة، والتعاقد مع الشركات الروسية لإصلاح وترميم ما احدثته الضربات الأمريكية الإسرائيلية في الثالث عشر من حزيران 2025.
وتسببت العقوبات الدولية التي فرضت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية على شركات إيرانية وأخرى متعددة الجنسيات كانت تعمل في مجال المستلزمات والأجهزة ومنها الطرد المركزي ومصفحات البناء الصلبة وأجهزة برمجيات خاصة بالتخصيب، الأنابيب، وأجهزة الضغط والتفريغ، وبسبب العقوبات توقف جانب رئيسي من العمل المتسارع الذي حرصت إيران بواسطته على استعادة وتيرة إحياء برنامجها النووي، وكان لابد لها ان تبحث عن شركات بديلة تقوم بهذا الدور عبر روسيا.
لا زالت القيادة الإيرانية تعتمد سياسة ثابتة واستراتيجية فاعلة تنفذها مؤسساتها العسكرية والأمنية وتشمل اساس عقيدة الدفاع الإيرانية التي تقوم على اعتماد سياسة الدفاع المتقدم القائمة على استخدام القدرات الصاروخية بعيدة المدى والقدرات النووية التي تمتلكها مع تسخير شبكات الوكلاء والفصائل المسلحة المرتبطة بقيادة الحرس الثوري الإيراني المتواجدة في عواصم بعض الاقطار العربية، وتتهئ لأي احتمالات قادمة بالعمل على تطوير منظومتها وقدرتها الصاروخية والتي أعلن عنها المسؤولين الإيرانيين بأنهم على استعداد لاطلاق ألفي صاروخ خلال وقت واحد.
وجاء تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثامن عشر من كانون الأول 2025 حول الإمكانيات الإيرانية في استعادة قوتها النووية والصاروخية ( بأن الإيرانيين يعيدون بناء برنامجهم الصاروخي بسرعة، لكن سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يعيدوا إحياء برنامجهم النووي، وإذا ما حاولوا إعادة بنائه وإحيائه من دون اتفاق، فسندمره مجدداً، كما يمكننا تعطيل صواريخ إيران بسرعة)، ويتزامن التوجه الأمريكي مع الرسائل التي ترسل عبر الوسطاء للقيادة الإيرانية بضرورة وقف تخصيب اليورانيوم والإفصاح عن مكان الكمية المخزونة لدى إيران والتي تقدر ب (400،4) كغم وإيقاف برنامج تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ودعم الفصائل والمليشيات المسلحة التي تعمل على تنفيذ المشروع الإقليمي السياسي الإيراني.
وتأتي هذه التطورات الميدانية والمواقف السياسية مع التقرير الموسع الذي نشره ( معهد العلوم والأمن الدولي) في الثالث من تشرين الأول 2025 وأشار فيه إلى هناك صورًا جديدة التقطت بالأقمار الصناعية تظهر أن إيران تواصل أنشطة إنشائية بمنطقة (كوه كلنك) و( كلنك كزلا) القريبة من منشأت تقع جنوب موقع التخصيب في نطنز، ويرى الباحثين في المعهد أن إيران تسعى لفحص الأنقاض وبقايا الموقع الذي تعرض للضربات الجوية الأمريكية، عبر تركيب ألواح فوق بقايا هيكل منظومة مضادة للطائرات المسيرة في منشأة نطنز النووية.
وأكد التوجه الأمريكي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني ( علي لاريجاني) الذي أعلن عن الشروط الامريكية، منها رغبة واشنطن في خفض مدى الصواريخ الإيرانية إلى نحو ( 500) كيلومتر، للبدأ بمفاوضات جديدة واعداد اتفاق نووي يرضى جميع الأطراف، والذي أعلنت إيران عن رفضها لهذه الشروط عبر المؤتمر الصحفي الذي عقده في السابع عشر من كانون الأول 2025 وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بحضور نظيره الروسي سيرغي لافروف اثناء زيارته لموسكو بالقول ( أن أمريكا تسعى لتحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية لا التفاوض)، وأن بلاده ملتزمة بالاتفاقيات الدولية النووية ولكنها لن تتنازل عن حقوقها.
وتبقى إيران امام معضلة دائمة تتعلق بمدى تعاونها الصريح مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي طالبتها بالوصول إلى جميع المنشآت النووية الإيرانية، سواء التي دمرت أم لا تزال قيد التشغيل، وأكد موقف الوكالة مديرها العام ( رافائيل غروسي) في الخامس عشر من كانون الأول 2025 في مقابلة مع وكالة ( ريا نوفوستي) الروسية بالقول ( إن عمليات تفتيش الوكالة الدولية في إيران قد استؤنفت، إلا أن المفتشين لا يزالون محرومين من الوصول إلى المنشآت الرئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان).
وتحاول إيران استخدام سياسة المسار الدبلوماسي والحوار السياسي، بالاعتماد على التدخل العربي الخليجي وخاصة لدى المملكة العربية السعودية بقدرتها وعلاقاتها المتميزة مع الإدارة الأميركية بإقناع الرئيس دونالد ترامب باعتماد السياسية والدبلوماسية طريقًا للتفاهم والحوار واستبعاد الأسلوب العسكري ونهج المواجهة في حل الخلافات بين إيران وامريكا، وكذلك تحسين علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر الوساطة اليابانية.
وتتابع إسرائيل ومنظوماتها وأجهزتها الاستخبارية والعسكرية التحركات والتوجهات الإيرانية بدقة وحذر فيما يتعلق بأي تطورات تخص البرنامج النووي الإيراني ومحاولة منعها من أي عملية ترميم واستعادة فعالية برامجها النووية والصاروخية، وهو ما أعلن عنه رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ديفيد برنياع في السادس عشر من كانون الأول 2025 ( أن على إسرائيل ضمان ألا تعاود إيران تشغيل برنامجها النووي)، والتي سبق أن تم استهدفها بالضربات الجوية الأمريكية الإسرائيلية في الثالث والعشرين من حزيران 2025.
تعمل القيادات العسكرية والاستخبارية الإيراني على استعدادات وإجراءات لمواجهة أي محاولة جديدة لضربة عسكرية إسرائيلية قادمة عبر القيام بنقل صواريخها البالستية إلى مواقع أكثر أمنًا في شرق إيران، حماية لها من أي هجوم مباغت من قبل الطائرات الأمريكية والإسرائيلية، وهي اسلوب جديد في تغييرات استراتيجية تتعلق بإمكانية الحفاظ على المنظمومات الصاروخية واستخدامها بشكل واسع وحمايتها من أي استهداف مباشر والانطلاق من مواقعها الجديدة في توجيه ضرباتها نحو العمق الإسرائيلي، بعد اعلان الرئيس ترامب أن إيران ستتعرض لضربة استباقية اذا لم تلتزم بالشروط الأمريكية في الحوار معها وأن إمكانياتها في الحفاظ على برنامجها الصاروخي أساسه بدأ المفاوضات الثنائية وفق الرؤية الأمريكية، والتي رفضها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وأعلن عدم البدأ بأي مفاوضات وحوار سياسي إذا لم تتخلى واشنطن عن فرض شروطها.
الايام تتسارع والأحداث السياسية في تغير دائم والوقائع الميدانية قائمة، فهل سنكون أمام موقف إيراني يدرك المخاطر والابعاد العسكرية التي يرفض من خلالها التفاوض والحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، أم سيستمر في سياسة الممانعة واظهار القوة، في وقت تتأزم لدية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية، أم أنه سيكون واضحًا في تقبله للمبادرلت والوساطات العربية والاقليمية؟
وحدة الدراسة الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
