عام على الهروب … تركيا وتحدي ” قسد”

عام على الهروب … تركيا وتحدي ” قسد”

معمر فيصل خولي

عام على هروب بشار الأسد وتفكك نظامه السياسي، هذا الهروب والتفكك شكّل فرصة إستراتيجية لتعزيز تركيا نفوذها في سوريا. لكن هذا النفوذ يواجه تحديات في الداخل السوري، لعل من أهمها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. فقبل الهروب كانت استراتيجية تركيا ترتكز في سوريا على تأمين حدودها الجنوبية، وإنشاء منطقة آمنة بعمق يتراوح ما بين 30 و40 كيلو مترًا، لكن بعد هروب الأسد تطورت الاستراتيجية التركية إلى دمج قوات ” قسد” في مؤسسات الدولة السورية، والتخلي نهائيًا عن السلاح خارج إطار الدولة. فتركيا تنظر إلى قسد بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي بفرعه السوري، وأن عملية السلام التي أطلقتها تركيا خالية من الإرهاب تشمل قوات ” قسد”.

وفي سبيل استقرار سوريا، وقّع في العاشر من آذار / مارس من العام الحالي، اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، ويقضي هذا الاتفاق الذي يتكون من ثماني نقاط، منها وقف إطلاق النار، واندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، ورفض دعوات التقسيم، ودعم الدولة السورية في مكافحة فلول نظام بشار الأسد. وأن يتم تطبيق هذا الاتفاق قبل نهاية هذا العام.

وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت توقيع الاتفاق، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا له، إلا أنه لم ينفذ منه أي شيء يذكر، بل على النقيض تمامًا صدرت عن “قسد” تصريحات تتناقض مع ما تم الاتفاق عليه، كمطالبتها بالاتحادية” الفدرالية” واللامركزية والاستقلالية العسكرية وحصة من عائدات النفط والمعابر الحدودية، وهي مطالب من الصعوبة بمكان أن يتم قبولها من الدولة السورية ومن تركيًا أيضًا.

يمكن القول أن تملص “قسد” من تطبيق الاتفاق المشار إليه آنفًا، لم يفاجئ الدولة التركية لخبرتها الطويلة في التعامل مع حزب العمال الكردستاني، سواء بنسخته التركية أو المتفرعة عنه في سوريا، فصانع القرار السياسي في تركيا يدرك بشكل عميق بأن مظلوم عبدي ليس سوى واجهة فقط لقيادات تنظيم حزب العمال الكردستاني الموجودين في جبال قنديل، والذين يمثلون الصقور داخله، أمثال مراد قرايلان، وجميل باييق، ودوران كالكان. فتركيا ترغب بحل مسألة “قسد” بالدبلوماسية، وألا تلجأ إلى الخيارات العسكرية إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، فقسد تدرك بشكل عميق بأن الدولة التركية لن تقبل على اطلاق بوجود أي تنظيم كردي على حدودها سواء مع العراق أو سوريا أو حتى مع إيران، لأن ذلك يعد من محرمات السياسة الداخلية والخارجية، وهذا الأمر تدركه أيضًا ” قسد”.

والسؤال الذي يطرح في هذا السياق، فبينما تقترب المهلة المحددة في اتفاق 10 آذار/ مارس من نهايتها. ما العمل؟ مما لاشك فيه أن سوريا ما بعد الأسد حظيت باهتمام عربي وإقليمي ودولي وفي مقدمة ذلك، الاهتمام الأمريكي وأهم خطوات ذلك الاهتمام رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا ومنها العقوبات المتصلة بقانون قيصر، كما التقى الرئيس الامريكي ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع أكثر من مرة، وهذا يعني أن سوريا ما بعد الأسد انتقلت من الإهمال الإستراتيجي الأمريكي إلى إحدى محاورها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فالاهتمام الأمريكي بالنظام السياسي الجديد في سوريا إلى جانب حليفه التركي قد يضع قسد أمام خيارات صعبة في حال استمرارها بعدم تنفيذ الاتفاق.