إيران ومجلس التعاون العربي الخليجي.. حقيقة الادعاء وصدق التطبيق

إيران ومجلس التعاون العربي الخليجي.. حقيقة الادعاء وصدق التطبيق

اياد العناز 

جاء انعقاد المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي العربي في دورته السادسة والأربعين في مملكة البحرين بتاريخ الثالث من كانون الأول 2025، ليعطي أهمية كبيرة لتحقيق ركائز الأمن القومي العربي في منطقة مهمة من مناطق العالم حيث موارد الطاقة الدولية وممرات التجارة العالمية، والتأكيد على مبدأ الدفاع المشترك وتعزيز مفهوم الأمن الجماعي وفق المعايير التي اقرها النظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك ورفض جميع التدخلات الاجنبية في الأقطار العربية من أي جهة أو دولة إقليمية ودولية.
وأهم البنود التي ناقشها واتخذ بها موقف عربي خليجي موحد هو ( إدانة) استمرار احتلال إيران للجزر العربية الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة ودعم حق السيادة العربية عليها والتواجد في المياه الإقليمية والجرف القاري ضمن المساحة البحرية واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضي الإمارات العربية،وأن أي قرارات أحادية الجانب من إيران لا تغير شيئاً من الحقائق التاريخية والقانونية التي تُجمع على حق سيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث.
آثار هذا الموقف العربي الخليجي حفيظة الجهات السياسية الإيرانية وتعالت الأصوات على جميع الأصعدة السياسية والأمنية برفض هذه المبادئ التي أكد عليها بيان الاجتماع السنوي لقادة دول الخليج العربي، ومنها التصريح الرسمي الذي أعلنه المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي بالقول ( أنه تاريخيًا وقانونيًا واستنادًا إلى الوقائع القائمة، لا شك ولا ريب في سيادة إيران على جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، أن إيران بهذا التصريح تؤكد عدم وجود أي ضمانات لعمل عربي خليجي مشترك معها، بل أنها لازالت تهدد أمن وسلامة واستقرار منطقة الخليج العربي، وتعمل باستمرار على تنفيذ مشروعها السياسي في التمدد والنفوذ في الشرق الأوسط والوطن العربي، وعدم التزامها بأي مواثيق وتعهدات سبق وأن اتفقت عليها وأعلنها وزير خارجية إيران عباس عراقجي بدعم الحوار المشترك وتعزيز الأمن الإقليمي وحماية المصالح المشاركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأقطار المنطقة والحفاظ على سيادتها وتعزيز مسار الشراكة السياسية والاقتصادية.
ومما يلفت النظر إليه، إن مسؤولي النظام الإيراني وفي أعلى المستويات القيادية لا يزالون متمسكين بما يصفونه الحق التاريخي في الهيمنة على الجزر الثلاث الإماراتية، وجاء حديث مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، في تصريحات نشرتها وكالة (تسنيم) التابعة للحرس الثوري الإيراني في الخامس من كانون الأول 2025 تتعلق بالبيان الأخير لمجلس التعاون الخليجي بشأن أحقية الإمارات العربية المتحدة وعائدية الجزر لها (بأنه ادعاءات فارغة ومتكررة حول الجزر الإيرانية، متسائلاً ما إذا كانت هذه الادعاءات تأتي في إطار التعاون مع الدول الاستعمارية) وانتقد دعم دول مجلس التعاون الخليجي لسيادة الإمارات على الجزر الإماراتية، وهدد قائلًا إن (صبر الشعب الإيراني ليس بلا حدود)، وهو تهديد واضح وصريح للأمن القومي العربي الخليجي ولسيادة أراضيه واعتداء معلن أمام أحقية الدول على أراضيها.
أن من أهم ركائز ومبادئ الأمن الإقليمي تحقيق الأمن والسلام في منطقة الخليج العربي وأن جميع قادة مجلس التعاون حريصون على إقامة علاقات مشتركة مع جميع الدول المجاورة لها ومنها إيران، وفق أسس ثابتة تشمل احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ووقف دعم المليشيات والجماعات المسلحة التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة ، والالتزام بمبدأ حسن الجوار والحوار كخيار رئيسي لمعالجة القضايا العالقة.
استنكرت الأوساط السياسية العربية الخليجية التصريحات الإيرانية ومنها ما أعلنه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي في التاسع من كانون الأول 2025 (عن استنكار دول المجلس وإدانتها للتصريحات الإعلامية الصادرة عن مسؤولين إيرانيين والتي تمس سيادة البحرين وحقوق الإمارات في جزرها الثلاث) والتي تضمنت مغالطات وادعاءات باطلة ومزاعم مرفوضة تتعارض مع مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحسن الجوار الذي انتهكته إيران باعتدائها على سيادة واستقلال قطر، إضافة إلى أنها تتعارض مع مساعي دول مجلس التعاون المستمرة لتعزيز العلاقات مع إيران وتنميتها على كافة المستويات.
وكانت إيران قد توسعت في إجراءاتها وممارساتها في الجزر الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) عبر بناء منشآت سكنية لتوطين الإيرانيين في الجزر الثلاث ثم التصريحات التي تحدث بها الأمين العام للمجلس الأعلى للثورة الثقافة في إيران بتاريخ الواحد والثلاثين من تشرين الأول 2025، بإدراج مناسبة جديدة في التقويم الإيراني باسم ( اليوم الوطني للجزر الثلاث في الخليج)، مع الاستمرار بتنفيذ خطة بناء (110) وحدة سكنية في الجزر الإماراتية الثلاث بمتابعة من وزيرة الطرق وبناء المدن الإيرانية، وهو ما أشار إليه بيان مجلس التعاون الخليجي العربي بدورته السادسة والأربعين 2025.
أن العلاقات العربية الخليجية تتسم بازدواحية المعايير في المواقف السياسية والتعقيد الدبلوماسي من قبل المسؤولين الإيرانيين، فحديثهم في الاجتماعات والحوارات المشتركة تؤكد على ضرورة استخدام سياسة التهدئة والتقارب والتفاهم وتعزيز العلاقات والمصالح المشتركة والسعي لتبادلات استثمارات تجارية واقتصادية وتعزيز الأمن القومي الإقليمي، ولكن في حقيقة الاوصاع الميدانية والأفعال السياسية نرى هناك استمرار على التمسك بالافكار الإيرانية الداعية للتمدد والنفوذ على سيادة الأراضي والحقول البحرية ومنها ما يتعلق بحقل الدرة النفطي الذي يقع بأكمله في المناطق البحرية لدولة الكويت وأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة المحاذية للمنطقة المقسومة بين ( السعودية والكويت)، وهي ملكية مشتركة لهذه الدولتين لهما وحدهما حق استغلال الثروات الطبيعية فيها.
ورغم جميع المبادرات العربية الخليجية فإن إيران ترفض الدخول في اي حوارات مباشرة مع دول التعاون العربي وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة وترفض التحكيم الإسلامي والدولي حول عائدية الجزر الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وأن التصريحات الإيرانية الرسمية مستمرة في ادعائاتها عن الحقوق التاريخية لإيران في البحرين، وهو ما تحدث به ( حسين شريعتمداري) رئيس تحرير صحيفة كيهان، وهذه اللهجة التصعيدية تعكس حقيقة المواقف السياسية والأهداف الإيرانية التوسعية في إطار البرنامج السياسي الذي تتمسك به القيادة الإيرانية ويلقى بتأثيراته على العلاقة العربية الإيرانية.
وفي موقف آخر يعكس عمق افتقاد الثقة مع إيران، شهد منتدى الدوحة الذي عقد في السادس من كانون الأول 2025 مواجهة دبلوماسية وحديث متبادل بين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي العربي جاسم البديوي ووزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف حول ملف حقل الدرة، وادعائه بحق إيران التاريخي في الجزر الإماراتية الثلاث، والاعتداء على سيادة مملكة البحرين.
إذا ما أرادت إيران تعزيز وتيرة علاقاتها السياسية وتوسيع مصالحها المشتركة مع الأقطار العربية ومنها بالتحديد اقطار مجلس التعاون الخليجي العربي، فعليها ان تتبع سياسة واضحة ومسارات جادة قائمة على الثقة المتبادلة وسد جميع الفجوات والثغرات التي تضعف الحوار السياسي والفعل الدبلوماسي والعودة لبناء أواصر من العلاقات الوطيدة تحقيقًا للمصلحة الدائمة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية وتعزيز الرؤى والأفكار الساعية إلى إقامة وشائج من العلاقات الصادقة التي تحترم سيادة البلدان وتمنع التدخل في شؤونها الداخلية والتعرض لامنها القومي والوطني بما يهدد أمن وسلامة أراضيها وأبناء شعبها وثرواتها الطبيعية.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية