دعيت مؤخرًا – بصفتي أحد المتحدثين حول هذا الحدث – من قبل منتدى الديانات في لندن واستضفت لمناقشة قضية العراق بعد داعش، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل المشهد السياسي في البلد الذي مزقته الحرب والتحديات التي تواجهها، وتضمنت لوحة المسؤولين العراقيين الحاليين والسابقين بعد عام 2003، بينهم الوزير السابق ومستشار الرئيس الحالي “عبد اللطيف رشيد” والمدير السابق في الحكومة في العلاقات العامة “حامد الكفاعي”، وكما يمكن للمرء أن يتصور، اختلفت الآراء حول مستقبل العراق إلى حد كبير.
والشيء الواحد الذي تكرر ليس فقط من قبل معظم زملائي من أعضاء الفريق، ولكن أيضًا من الغالبية العظمى من الجمهور، هو الرعب الذي شعروا به جراء قيامي بالمقارنة بين الإرهابيين في داعش مع الناس الذي أصفهم بأنهم إرهابيون داخل الحشد الشعبي أو قوات الحشد الشعبي (PMF).
وعادةً الجدل على أي شيء يتبع خطي داعش بكونه كيانًا طائشًا ولا يتبع أجندة سياسية، ولكن التركيز الوحيد له هو القتل الطائفي والفوضى والانحرافات التي تم إدراجها في أماكن أخرى، ومن ناحية أخرى، تقوم قوات الحشد على “المتطوعين” الذين يجعلون حياتهم معلقة على الاستجابة لنداء آية الله السيستاني لمحاربة الإرهابيين الذين حققوا سلسلة من الانتصارات السريعة في البلدات والمدن العراقية في عام 2014، وعلاوة على ذلك، هناك أفعال فردية للإرهاب الطائفي وحدوث تجاوزات، ولكنها ليست في نفس الملعب أو حتى على نفس نطاق الفظائع التي ترتكبها داعش، لكن هذا الجدل لا معنى له.
فأولاً، داعش لديها أجندة سياسية، وجعلت من ذلك شيئًا واضحًا تمامًا بشكل متكرر، وكانت داعش ترغب في تولي السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي التي هي – إلى حد كبير – يقطنها السنة وتحكمها نسخة مشوهة من الشريعة والقانون الإسلامي، وفي رؤية مشوهه بنفس القدر للخلافة، قد تكون وحشية وحقيرة ولكنها تعتبر – أكثر – آلة قتل طائشة مع عدم وجود أي مفهوم عما ترغب الدولة في أن تكونه في المستقبل، وهذا يجعل الأمر أكثر خطورة.
وفي الوقت نفسه، فإن قوات الحشد الشعب هي سياسية ومسيسة بامتياز، مما قد يطرح مشاكل خطيرة للسلطات العراقية في المشهد السياسي فيما بعد داعش، النقطة التي اتفق “الكفاعي” معها، وأعتقد أن أسباب ذلك واضحة، أن القوات تمكنت إلى حد كبير من ضم مزيج من عشرات المسلحين الشيعة المتطرفين الذين، يمتلكون الأعداد الهائلة والمعدات، وبذلك يمكنهم التفوق بسهولة ومواجهة أخمص القدمين لـ”أخمص القدمين” مع قوات الأمن العراقية الرسمية (ISF)، بما في ذلك الجيش.
ولا اخفيك سرًا أن قوات الحشد والميليشيات لها ممولة بالسلاح ومدعومة من قبل النظام الإيراني الذي وضع الآن القوات في نفس مكان فيلق الحرس الثوري الإيراني (الحرس الثوري الإيراني)، وكان ذلك بعد ثورة الخميني عام 1979، وفي ذلك الوقت، شجع الخميني على توسيع وتسليح الوحدات شبه العسكرية مثل الباسدران والباسيج أيضًا، من أجل مواجهة قوة الجيش النظامي حتى أنه يمكنه أن ينقلب على هذه الاقطاعية الجديدة.
نسبيًا، تم الآن رسميًا اعتماد قوات الحشد كمنظمة عسكرية مستقلة تمامًا ومنفصلة عن قوى الأمن الداخلي التقليدي، كسابقة خطيرة من نوعها.
وعلاوة على ذلك، فإن وصف قوات الحشد بـ”المتطوعين” هي محاولة متهورة لمنح منظمة من الإرهابيين مثل قيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس، بطريقة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، منحها قشرة من الشرعية من خلال ربطهم بالشعب العراقي، والمرجع هو بالطبع فتوى السيستاني الذي دعا فيها الناس إلى التطوع لقتال داعش، وعلى الرغم من أن الفتوى موجودة بوضوح على موقع السيستاني نفسه، فقد شجعت السلطة الدينية العراقيين القادرين على حمل السلاح إلى “التطوع والانضمام إلى قوات الأمن العراقية”، في أي نقطة لم يقم السيستاني بإعطاء الضوء الأخضر الرسمي إلى قوات الحشد المراد إنشاؤها لأنه لم يكن جزءًا من قوى الأمن الداخلي في ذلك الوقت، فلماذا هؤلاء “المتطوعين” لم يتطوعوا للانضمام إلى جيش وطني؟
أيضًا حجة التطوع تعني أن مقاتلي داعش لم يقوموا “بالتطوع” من أجل الجهاد الكاذب، في حين أن هناك أمثلة تقول إن داعش تجبر الشباب على الخدمة العسكرية عن طريق تهديد أسرهم، وكثير من مقاتليهم المتشددين أجانب، ومن المستبعد جدًا أنهم قد أجبروا الآلاف من الرجال من مختلف الأماكن في جميع أنحاء العالم للانضمام إليهم، إلا أن مجموعة منهم متوسعة في العربدة ووحشية في العنف ترتكز في المقام الأول في العراق، وهذا هو مستوى آخر من التكافؤ بين داعش والحشد.
وأخيرًا، فإن القول بأن حالات الفظائع التي ترتكبها القوات مع استبعاد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تشكل إخلالاً فاضحًا بالقوانين والاتفاقيات الدولية، هي حوادث معزولة، وجرائم فردية فإن هذا أكثر من الهراء، وإذا كان هذا هو الحال، فلماذا كانت الحكومة العراقية عاجزة تمامًا عن تقديم هؤلاء الأشخاص إلى العدالة، وتستعرضهم علنًا على شاشة التلفاز كما تفعل مع إرهابيين آخرين؟
والحقيقة البسيطة هي أنه على عكس الإعلان عن نيتهم بتقديم الجناة إلى العدالة، فإن قوة قوات الشعب كبيرة جدًا وضعف الحكومة شديد جدًا، والذي من المفترض للحكومة أن تهتم، في الواقع صدر تقرير هيومن رايتس ووتش مؤخرًا حول قيام قوات الحشد وقوات الأمن العراقية بجرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين في الفلوجة، وكانت الحكومة تراوغ عمدًا وتغطي كل هذه الأفعال.
وهذه “الحالات المعزولة” هي محل جدل كبير لتزييفها تحت ضربات متكررة من مطرقة محاولة وضعها في حفرة مستديرة من أعمال القتل الطائفي الوحشية، التي أطلقت ضد العرب السنة في غضون أكثر من عامين في جرف آل صخر وتكريت والمقدادية والصقلاوية والرمادي، وعدد لا يحصى من البلدات والمدن في طول وعرض العراق، واتساع نطاق هذه الفظائع وعلى مدى فترة طويلة من الزمن توحي بأن هذا الأمر هو استهداف منظم للسكان السنة من أجل محوهم وتدميرهم.
وعلى هذا النحو، وبالنظر إلى الأثر الاجتماعي والسياسي لفظائع قوات الحشد مع السنة، فإنه ليس من المستغرب عندما يقوم أحد بوضع تكافؤ بينها وبين داعش، أليسوا بعد كل شيء سواء في استهداف المدنيين مع التهور؟ أليسوا على حد سواء بارتكاب جرائم القتل والتشويه البشعة ضد شعب أعزل؟ أليسوا يفعلون هذا من أجل هدف محدد، ومستوحى من أجندات طائفية دينية؟ بالطبع يفعلون.
وإذا لم يكن من قبل، فإن الحكومة العراقية مسؤولة مباشرة وتقع تحت طائلة المسؤولية عن أي جرائم حرب أخرى أو أي جرائم ضد الإنسانية، ويتم الآن رسميًا اعتبارها وحدة عسكرية عراقية، وبينما تلوح محاكم جرائم الحرب، يتعامل السياسيون العراقيون بحذر شديد في الواقع مع هذا الوضع.
ميدل إيست – التقرير