مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية، حيث يفترض إقامة مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.
وأعلن عن “السيل التركي” رسميا في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء قيامه بزيارة إلى تركيا.
ويتألف المشروع من أربعة خطوط تبلغ قدرتها الإمدادية الإجمالية 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وتقتصر المرحلة الأولى من المشروع على مد خط وحيد من الخطوط الأربعة بطاقة استيعابية تناهز 16 مليار متر مكعب سوف تذهب كلها لسد احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي.
في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2015 أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك تعليق المفاوضات بخصوص تنفيذ المشروع بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة عقب إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية قرب الحدود التركية مع سوريا.
السياق العام
لطالما كانت أوكرانيا البلد الرئيسي الذي تمر عبره الأنابيب التي تمد أوروبا بالغاز الروسي، حيث إن أكثر من 80% من واردات أوروبا الغازية من روسيا في السنوات الأولى للألفية الثانية كانت تعبر من الأراضي الأوكرانية.
لكن تأزم الأوضاع بين موسكو وكييف جعل روسيا تُقدم على قطع إمدادات أوروبا من الغاز بضعة أيام في يناير/كانون الثاني 2009، مما حرم عدة بلدان أوروبية مثل: بلغاريا، وصربيا، وكرواتيا، واليونان من الغاز الضروري للتدفئة في فصل الشتاء.
ومن أجل التقليل من أهمية أوكرانيا كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي لأوروبا، عمدت روسيا عام 2011 في شراكة مع ألمانيا إلى بناء خط أنابيب بحري “نورث ستريم” يمر عبر بحر الشمال ويسمح بتوريد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا مباشرة.
وبهذا أصبحت كمية الغاز الروسي التي تنقل عبر أوكرانيا أقل من 49% من الكمية الإجمالية للإمدادات الروسية لأوروبا.
كما سبق أن اقترحت روسيا بناء أربعة خطوط أنابيب جديدة على مسافة 2.300 كيلومتر تمر عبر البحر الأسود وبلغاريا، ومن ثم تصل إلى البلدان الأوروبية، وحمل هذا المشروع اسم “ساوث ستريم”.
لكن المفوضية الأوروبية أبدت اعتراضها على المقترح الروسي، ووجدت بلغاريا -البلد العضو في الاتحاد الأوروبي– نفسها أمام ضغوطبروكسل بالإضافة إلى الضغوط الأميركية التي أرادت إفشال المشروع والدفع بأوروبا إلى التقليل من تبعيتها الطاقية لروسيا عبر توريد الغاز من بلدان آسيوية أخرى (أذربيجان وتركمنستان وإيران أيضا).
وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 وبعد سنوات من المفاوضات مع الطرف الأوروبي، التي باءت بالفشل وإيقاف بلغاريا أشغال تنفيذ المشروع على أراضيها في يونيو/حزيران 2014، أعلن فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي أثناء قيامه بزيارة عمل إلى تركيا موت مشروع “ساوث ستريم” نهائيا، واقترح مشروع “السيل التركي” بديلا عنه.
لدان العبور
يكتسي مرور أنابيب الغاز الطبيعي عبر أراضي بلد ما أهمية بالغة، فبالإضافة إلى تأمين هذا البلد إمدادات ثابتة ومنتظمة من هذه المادة الطاقية بأسعار تفضيلية، وتحقيق مكاسب اقتصادية تتمثل في تنمية مداخيل الدولة من خلال العائدات المتأتية من عبور الأنابيب بالأراضي الوطنية، ينطوي الأمر أيضا على بعد إستراتيجي وجيوسياسي؛ حيث يكتسب البلد قيمة وقدرة تفاوضية أكبر أمام جيرانه وأمام البلد المورد وباقي البلدان المستهلكة للغاز المار عبر أراضيه.
كما ستستفيد تركيا من تنفيذ المشروع المتمثل في خط الغاز العابر للأناضول الذي سيرى النور في 2019، والذي سينقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا.
ولقد أدى إلغاء مشروع “ساوث ستريم” سابقا إلى خسارة بلغاريا أكثر من أربعمئة مليون دولار سنويا كعائدات محتملة من عبور الغاز الروسي لأراضيها، بالإضافة إلى باقي المكاسب التي كان من الممكن تحقيقها لو كُتِب للمشروع أن يرى النور.
الجزيرة نت