فك رموز رسائل الاحتياطي الفيدرالي مهمة تمتحن صبر أذكى وألمع مفككي الشفرات. وهذا الأسبوع أصيب بعض المتداولين بالذهول بسبب آخر البيانات من صناع السياسة الأمريكية، بحيث بالكاد يستطيع الشخص احتواء مدى الإحباط الذي يشعر به.
يقول ستيفن جين، وهو مدير صندوق تحوط مقره لندن: “كانت مراقبة الاحتياطي الفيدرالي، حين أنظر إليها بعد مرور فترة زمنية، أكبر مضيعة لوقتي خلال العامين الماضيين. أحيانا أشعر وكأننا جميعا كنا مطية للاحتياطي الفيدرالي”.
في منتصف آب (أغسطس)، المعروف بكونه شهرا هادئا، من المغري افتراض أن جرعة من الرسائل المتباينة من الاحتياطي الفيدرالي تشير إلى “عدم حدوث أي تغيير” في أسعار الفائدة عندما يجتمع البنك المركزي في الشهر المقبل.
كانت هذه هي الرسالة الواردة من الأسواق في الوقت الذي تحرز الأسهم الأمريكية مزيدا من التقدم لتبلغ مستويات قياسية. وعند تسعير العقود الآجلة للأموال الاتحادية يجري احتساب احتمال نسبته 18 في المائة لأن ترتفع الفائدة في أيلول (سبتمبر)، في الوقت الذي يقترب فيه المؤشر الذي يقيس الدولار مقابل أقرانه من العملات، من أدنى مستوى له منذ شهرين ـ انخفض 4.3 في المائة هذا العام.
لقد كانت قصة العام: يرى البنك المركزي الحذر حجة غير دامغة بما فيه الكفاية لرفع أسعار الفائدة بما يراوح بين 0.25 و0.5 في المائة.
مع ذلك، في هذه المرة، يخالف عدد من المعلقين توافق الآراء ويتحدثون عن احتمالات حدوث ارتفاع في أيلول (سبتمبر).
لنأخذ ألان راسكين، من دويتشه بانك. كان من المعتاد اعتبار قوة الدولار وكأنها عائق أمام رفع أسعار الفائدة، بحسب ما يقول الخبير الاستراتيجي في العملات الأجنبية، في الوقت الذي راح فيه الاحتياطي الفيدرالي يشدد من الشروط المالية إلى درجة أدت إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي. لكن تلك العملية يمكن أن تسير في الاتجاه المعاكس، بحسب ما يقول. “وجود دولار أقل قوة وشروط مالية مخففة وتحسين البيانات المرتبطة، كل هذا يدعم توقعات الاحتياطي الفيدرالي بالتشديد، والذي بدوره يؤدي في النهاية إلى دعم العملة الأمريكية”.
ستيفن سيويل، الرئيس العالمي لاستراتيجية العملات الأجنبية في “بي إن بي باريبا”، يرى أن السوق “متهاونة فوق الحد” في توقع أن يبقى الاحتياطي الفيدرالي ثابتا. ويقول: “نعتقد أنهم سيقررون رفع سعر الفائدة”.
والأمر الذي لم يأخذه سجل اجتماع صناع السياسة في تموز (يوليو) في الحسبان كان نمو الوظائف في الشهر السابق، الذي جاء بنسبة أفضل مما كان متوقعا بحيث بلغ 255 ألف وظيفة، ما أدى إلى وصول متوسط الأشهر الثلاثة إلى 190 ألف فرصة عمل.
يقول سيويل: “الاحتياطي الفيدرالي منحاز صوب الارتفاع. الأسعار سترتفع ما لم يكن هناك خطر سلبي”.
ويمكن توضيح تلك المخاطر عندما تتكلم رئيسة البنك المركزي، جانيت ييلين، خلال المؤتمر السنوي الذي يعقده الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع في جاكسون هول، في ولاية وايومينج. وما يضفى على الأمر طابعا خاصا هو الدعوات التي أطلقها جون ويليامز، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، لإعادة النظر بصورة واسعة في السياسة النقدية. وهو يجادل من أجل حدوث زيادة في هدف التضخم الخاص بالبنك المركزي من أجل فتح فرص لأسعار فائدة أعلى.
وهذا يؤدي إلى احتمال “إما الآن، وإلا لن يحدث أبدا” بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، بحسب كل من مايكل جابين وروب مارتن، وهما اقتصاديان لدى بنك باركليز. ويقولان: “إما أن أسواق العمل سليمة بما فيه الكفاية لتبرير حدوث ارتفاع قريب المدى في أسعار الفائدة، وإما أن هناك شيئا ما خاطئا بشكل أساسي في البيئة الاقتصادية”.
وتنبع صعوبة تفسير محاضر الاجتماعات من مجموعة الآراء التي تم الإعراب عنها. فقد دعا بعضهم إلى اتخاذ إجراء فوري في تموز (يوليو)، وبعض آخر قال إن الوقت كان يقترب بسرعة، وآخرون دعوا إلى التحلي بالصبر، قائلين إن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لقياس مدى صحة وسلامة الاقتصاد.
وواجه المحللون التعقيد الإضافي المتمثل في التفريق بين الآراء التي عبرت عنها المجموعة الكاملة من المشاركين في الاجتماع، وأفراد تلك الجماعة الأساسية التي تؤلف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة – الهيئة التي تتخذ القرار بشأن أسعار الفائدة.
ويشمل أعضاء هذه اللجنة كل من ييلين ومحافظي مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وشريحة دورية من الرؤساء الإقليميين الآخرين.
وكان قد تم التفكير في مجموعة من الأشخاص في تلك الهيئة القوية ليعملوا على عملية رفع الأسعار قريبا، بحسب ما أشارت إليه محاضر الاجتماعات، لأن بعض الأعضاء “توقعوا أن الظروف الاقتصادية يمكن أن تبرر قريبا، قرار اتخاذ خطوة أخرى في عملية إزالة السياسات”.
السؤال هنا هو ما إذا كان أحدهم هو بيل دادلي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي غالبا ما تنسجم آراؤه مع آراء وأفكار ييلين، والذي كان يصدر ملاحظات صقورية. في مقابلة أجرتها معه شبكة “فوكس بيزنس” الأسبوع الماضي، قال إن الأسواق تبّخس من احتمالات حدوث ارتفاع ثان في أسعار الفائدة الرسمية، وإن اتخاذ قرار بهذا الشأن يمكن أن يأتي في وقت قريب ربما يكون الشهر المقبل.
مع ذلك، لم يتأثر المستثمرون بالتحذيرات التي قدمها دادلي، لأن بعضهم ببساطة لا يصدق أن البنك المركزي يمكن أن يهدد بزعزعة استقرار الأسواق من خلال رفع الأسعار في وقت قريب جدا من انتخابات رئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) – على الرغم من أنه كان مستعدا لتغيير السياسة في وقت قريب من الانتخابات في الماضي.
إذا كان الاحتياطي الفيدرالي يريد اتخاذ إجراء ما، بحسب ما يقولون، ينبغي له الانتظار حتى كانون الأول (ديسمبر). ويشيرون أيضا إلى هدف التضخم الفرعي باعتباره سببا يدعو لإبقاء الوضع دون تغيير.
إن تسعير السوق لاحتمال حدوث مثل هذا الإجراء يعد أمرا مهما. فالاحتياطي الفيدرالي سيكون مترددا وبشكل كبير في عملية البدء، إذا بدت الأسواق وكأنها تؤخذ على حين غرة. وهو لا يرغب في إثارة تشجنات مالية شبيهة بتلك التي ظهرت خلال “موجة الانسحاب التدريجي” عام 2013.
باختصار، ربما يتطلب الأمر تلميحا ثابتا بحدوث ارتفاع قريب في أسعار الفائدة تقدمه ييلين في جاكسون هول يوم الجمعة، مقترنا بمجموعة من أرقام فرص العمل في مطلع أيلول (سبتمبر)، لتحويل الأسواق نحو قبول احتمال اتخاذ إجراء.
هذا الموقف يشبه إلى حد ما الجدل حول جاكسون هول في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حين كان بعض صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي يعابثون علنا فكرة رفع أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر).
في النهاية حافظ البنك على موقفه، بعد جيشان الأسواق في أعقاب إقدام الصين على إصلاح غير متوقع لسياسة سعر الصرف لديها، الأمر الذي أدى إلى تخفيض الرنمينبي. كان هذا الشهر حميدا حتى الآن، كونه أعطى الاحتياطي الفيدرالي المزيد من المجال لرفع أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر). وبحلول نهاية الأسبوع يفترض أن يكون من الواضح ما إذا كانت ييلين راغبة في اغتنام هذه الفرصة.
نقلا عن الاقتصادية