بدأت طهران تجني فوائد الاتفاق النووي مع الغرب، إذ أصدرت وزارة الخزانة الأميركية هذا الأسبوع، أذونات إلى مجموعتي «آرباص» و «بوينغ» لصناعة الطيران، لبيع إيران طائرات مدنية، جزءاً من صفقتين منفصلتين يتوقع أن يناهز حجمهما مجتمعتين الـ21 بليون دولار، وتشملان تزويد الجانب الإيراني نحو 228 طائرة ركاب مدنية.
والمفارقة، أن قرار الخزانة الأميركية الذي هو على الأرجح جزء من أمر تنفيذي رئاسي، أتى ليكسر قرار الكونغرس الجمهوري العام الماضي، بعدم بيع طائرات أو قطع غيار أميركية لإيران، تحسباً لاستخدامها في أغراض عسكرية. والمفارقة الأكبر، أن القرار التنفيذي الأميركي يأتي في ظل احتكاكات متزايدة في مياه الخليج بين السفن الحربية الأميركية والقوارب البحرية التابعة لـ «الحرس الثوري»، ما يبرز تناقضاً مثيراً، في ظل مواجهة بين الجانبين بحراً وتعاون بينهما جواً!
… تناقض يذكّر بسياسة «العصا والجزرة» التي لطالما اتبعها الغرب مع طهران، ويبدو أن الأخيرة اعتمدتها في المقابل لغة للتخاطب مع الغربيين، الأمر الذي تجسّد في تصعيد كلامي اعتمده القادة العسكريون الإيرانيون ضد الأميركيين، خلال إحياء «الحرس» هذا الأسبوع، ذكرى الحرب العراقية – الإيرانية، بعرض عسكري لم يقتصر على استعراض صواريخ «أس 300» المتطورة التي تم شراؤها من موسكو أخيراً، بل شمل عرض صاروخ «عماد» (المسمى تيمناً بعماد مغنية)، مع التشديد على أن مداه يطاول تل أبيب.
وفي مقابل التهديد والوعيد اللذين وجههما القادة العسكريون الإيرانيون خلال العرض في طهران وبندر عباس، كان الرئيس حسن روحاني في نيويورك يشدد على ضرورة تنفيذ بنود الاتفاق النووي، بما يتضمنه من إفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في الولايات المتحدة، والأهم، إزالة العراقيل في وجه تعاملات المصارف الإيرانية عالمياً، ليتمكن الجانب الإيراني من الاستفادة الى أقصى حد من زيادة صادراته النفطية، إضافة الى جذب استثمارات خارجية لا يتوقف عن تكرار ترحيبه بها.
غير أن المبادرة الأكثر إثارة للاهتمام، والتي قد تشكل تعويضاً عن أي «تقصير» محتمل من جانب واشنطن في تنفيذ بنود الاتفاق النووي، هي بلا شك رفع العوائق في طريق بيع إيران طائرات ركاب تجارية، بعد إبرامها اتفاقاً مع «آرباص» على شراء نحو 118 طائرة من طراز «آي 320»، وهو الأكثر اعتماداً لدى شركات الطيران العالمية في الرحلات المتوسطة الى جانب طراز «آي 330» للرحلات الطويلة.
ويمكن فهم أهمية هذا التحوّل إذا علمنا أن الأسطول الإيراني يقتصر حالياً على 140 طائرة متهالكة، أي أن طائرات «آرباص» إضافة الى 110 طائرات سيتم شراؤها من «بوينغ»، ستكون كفيلة بتجديد الأسطول الجوي التجاري للخطوط الإيرانية، ما يلبي فوراً أكثر من نصف متطلبات طهران التي تقدّر حاجتها بنحو 400 الى 500 طائرة تجارية بحلول العام 2020.
وبمجرد النظر الى هذه التقديرات التي وضعتها منظمة الطيران المدني الإيرانية، يمكن استنتاج أن طهران لا تخطط لمجرد اكتفاء ذاتي في حركة النقل بالنسبة الى سكانها، بل تخطط للمنافسة في قطاع النقل التجاري، خصوصاً أن عينها على طائرات ركاب عملاقة قادرة على القيام برحلات طويلة، في حين ثمة طلب متزايد في أسواق شرق القارة في هذا المجال، ما يجعل العائدات مربحة.
ثمة مثل يقول: «من يريد الأكل من خبز السلطان يجب أن يحارب بسيفه»، ويبدو أن إيران تريد حصتها من الخبزة وستستخدم الطائرات الأميركية لغزو الأجواء، لكن استخدامها «السيف» الأميركي يقتصر، في المدى المنظور، على ما يتناسب مع تطلعاتها وأهدافها.
سمير السعداوي
نقلا عن الحياة