لا يمكننا المضي قدما. مرت الآن ثماني سنوات على إفلاس “ليمان براذرز”، كما ذكّرت القراء في الأسبوع الماضي. طوفان التعليقات أثبت، إذا كان هناك أي شك، أن الجروح من الأزمة المالية لعام 2008 لا تزال تنزف. ولا تزال تثير الغضب والارتباك.
والاستجابة للأزمة لا تزال تجرجر أذيالها؛ تم تخفيض أسعار الفائدة، وحاولت البنوك المركزية إنقاذ الوضع، وهرب المستثمرون إلى منتَجات مأمونة.
في نواح كثيرة، نجحوا في ذلك. انتعشت أسعار الأصول. في الولايات المتحدة ارتفعت أسعار الأسهم ثلاثة أضعاف من أدنى مستوياتها، ولا تزال قريبة من أعلى مستوياتها على الإطلاق. المصارف الآن أكثر أمانا مما كانت عليه قبل ثماني سنوات، وهي تتعرض باستمرار إلى غرامات صارمة على سوء السلوك ولديها وقاية من رأس المال أوسع بكثير للاستخدام إذا ما ظهرت أزمة جديدة.
الاقتصاد نفسه أكثر صحة. في الولايات المتحدة سوق العمل الآن عند مستوى العمالة الكاملة أو قريبة منه. ارتفع معدل عدم المساواة والغضب يتأجج، والجميع تقريبا يتمنى لو أن النمو كان أسرع. لكن الأزمة المالية الكبرى عام 2008 لم يتبعها، كما كان يخشى، كساد كبير ثان. كان الركود العظيم سيئا، لكن كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير.
فلماذا الغضب والارتباك يستمران؟ أولا، وإلى حد معقول، هناك إحباط كبير يشعر به مَن هم خارج الأسواق والنظام المالي كون المذنبين لم يتعرضوا للمساءلة القانونية. هذا يفسر إلى حد كبير الغضب المستمر حول عمليات الإنقاذ الناجحة نوعا ما التي تلقتها المصارف في أسوأ مراحل الأزمة.
هناك فرق بين إنقاذ المصارف وإنقاذ المصرفيين. إنقاذ المصارف في عام 2008 عمل على درء الخطر الحقيقي المتمثل في انهيار نظام الدفع الذي جعل الجميع يعاني. أي شخص يشك في هذا يجب أن ينظر إلى ما حدث للاقتصاد اليوناني عندما أغلقت أجهزة الصراف الآلي لفترة وجيزة خلال مواجهة في العام الماضي حول احتمال “مغادرة اليونان”. لم تكن مخاطرة تستحق الدخول فيها.
ذلك لا يعني على أي حال أن المصرفيين المسؤولين ينبغي أن تُصرَف عنهم العقوبة الجنائية بمجرد تجنب مثل هذه الأزمة. إن مشهد المصرفيين وهم ذاهبون إلى السجن كان سيخدم غرضين: كان من الممكن أن يغيّر السلوك في المستقبل، وكان يمكن أن تأخذ العدالة مجراها وأن يُنظر إليها على أنها تأخذ مجراها. هذا لا يبرر المحاكم الصورية أو إيجاد كبش فداء. لكن الفشل في إحقاق الحق من الناحية القانونية، خصوصا في الولايات المتحدة، يمكن الآن أن ينظر إليه على أنه خطأ فادح.
السبب الكبير الثاني للغضب يصيب الموجودين في الأسواق. عوائد السندات منخفضة بشكل لا يمكن تصوره. ويتم تسعير أسهم المصارف الأوروبية، ولا سيما “دويتشه بانك”، وكأن هناك أزمة. البنوك المركزية لا تزال في حالة ذعر، تظهر من محافظتها على أسعار فائدة منخفضة كان يعتقد في الماضي أنها سياسة عابرة بهدف تجاوز الأزمة. وهي تفعل هذا على الرغم من الانزعاج الشديد من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية.
في الوقت نفسه، يزداد باستمرار شعور المستثمرين بالذعر بسبب التشوهات الناتجة عن أثر أسعار الفائدة المنخفضة في تخصيص رأس المال. فهي تدفع المال باتجاه أي شيء يدفع عائدا. لكن حتى إن كان كثيرون يشعرون بالقلق، فإن سلوكا بشكل عام يظهر خوفا لا لبس فيه من أي عودة إلى أسعار فائدة أكثر “طبيعية”.
لننظر إلى إعلانات الأسبوع الماضي الصادرة عن بنك اليابان و”الاحتياطي الفيدرالي”. اليابان تقدم أنموذجا لما يبدو أن عائدات السندات المنخفضة تشير إليه. تراجَع النشاط، وانخفض التضخم، ولا يمكن للمال السهل أن يقدم حافزا يعمل على إعادة الحياة مرة أخرى.
إعلان البنك المركزي الياباني عن أسعار فائدة سلبية في وقت سابق من هذا العام أثار عمليات بيع مكثف بأسعار رخيصة. أسعار الفائدة السلبية تجعل من الصعب على المصارف تحقيق ربح، وبالتالي تسلب أفضل فرصها في إعادة بناء رؤوس أموالها لتكون أكثر أمانا. وعليه، فإن بنك اليابان لم يخفض أسعار الفائدة لتتوغل أكثر في المنطقة السلبية، لكنه بدلا من ذلك استهدف معدل عائد لأجل عشرة أعوام – يبلغ صفرا.
ثم أعلن “الاحتياطي الفيدرالي” أنه لن يرفع المعدل المستهدف من الحد الأدنى البالغ 0.25 في المائة “في الوقت الراهن”. لكنه أوضح أنه كان يريد أن يفعل ذلك، غير أن ثلاثة من المحافظين اعترضوا من خلال تصويتهم برفع أسعار الفائدة على الفور. ويبدو أن القلق إزاء استجابة السوق تفوّق بفارق ضئيل على القلق من الآثار المشوِّهة الناتجة عن أسعار الفائدة المتدنية ـ حتى الآن على الأقل.
الأسواق لم تدرك الفروق الدقيقة. في الولايات المتحدة كثير من الاستثمارات التي اشتُرِيت أثناء “مطاردة العوائد” – الأسهم والسندات المملة التي تحقق عوائد عالية – تخلفت في الوراء لمدة أسابيع، نتيجة المخاوف من رفع أسعار الفائدة. هذا الوضع انقلب الآن. ارتفعت الأسهم، وتراجعت العوائد، والرهان هو أن أسعار الفائدة سترتفع مرتين على الأكثر بحلول نهاية العام المقبل.
في اليابان، محاولة الحفاظ على تكلفة الأموال عند مستوى الصفر على مدى عشرة أعوام كان ينظر إليه على أنه سياسة متشددة نسبيا، وسعر صرف الين يرتفع نتيجة لذلك.
حقن السيولة الفوري، لتفادي أي أزمة، لا يعني بالضرورة عقدا من أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيا. لكن هذا هو ما لدينا. إن الأمر مزعج ويثير الغضب.
علاوة على ذلك، الخطر الأكبر بالنسبة إلى الأسواق هو أن السياسة النقدية تنجح. إذا ما أشعلت الأموال الرخيصة شرارة النمو والتضخم أخيرا، فإن ذلك سيكون زواجا يرغب فيه المستثمرون بقوة. لكن السوق في وضع الاستعداد للعكس. ارتفاع أسعار الفائدة الذي قد يتبع ذلك ـ الذي يتم ضخه من خلال نظام مصرفي محافظ تتولى فيه مصارف قليلة جدا صناعة السوق ـ يمكن أن يشعل أزمة جديدة.
بالنسبة إلى لوقت الحاضر، نحن عالقون وغاضبون.