في الأول من كانون الثاني/ يناير، أدى اقتحام سجن في البحرين إلى هرب عشرة سجناء شيعة مدانين جميعهم بجرائم قتالية خطيرة. وتشكّل العملية – التي تمّ التخطيط لها بشكل جيّد وأقدم خلالها المهاجمون الذين كانوا يحملون بنادق هجومية على قتل أحد الحرّاس – أحد الدلائل الكثيرة التي تشير إلى أنّ الخلايا المدعومة من إيران قد أصبحت أكثر خطورةً بعد أربع سنوات على الأقلّ من التدريب والتجهيز المتزايد من قِبل طهران.
توسيع الشبكات الايرانية
احتدم الصراع بين العائلة المالكة البحرينية السنّية وغالبية السكان الشيعة إلى حد كبير منذ شباط/ فبراير 2011 عندما أثارت التظاهرات الواسعة النطاق قمعاً عسكرياً دعمته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فردّت طهران بشراسة على دعم «مجلس التعاون الخليجي» العضليّ للمنامة، وحتى دعمت مؤامرةً لاغتيال السفير السعودي في واشنطن في وقت لاحق من ذلك العام. كما زادت دعمها للمقاتلين البحرينيين بجلبها المزيد منهم إلى معسكرات تدريب في إيران والعراق (حيث تقوم الجماعات الإرهابية التي تدعمها طهران مثل «كتائب حزب الله» بإعداد عناصر تحت رعاية «وحدات الحشد الشعبي»).
وتمّت إعادة إدخال هؤلاء الأفراد المدرّبين بشكل دوري إلى البحرين عن طريق القوارب، بالإضافة إلى تجهيزات سرّية هائلة من الأسلحة. فعلى سبيل المثال، في 28 كانون الأوّل/ ديسمبر 2013، تمّ تعقّب قارب سريع عبر الرادار الساحلي واعتراضه محمّلاً بكميّات كبيرة من مكوّنات قنابل متطوّرة، بما فيها 31 لغماً مضاداً للأفراد من نوع “كلايمور” و12 شحنة لعبوات ناسفة خارقة للدروع، بالإضافة إلى أدوات إلكترونية لتهيئة الأجهزة وإطلاقها. وقاد الطاقم المعتقل المحقّقين إلى مشغل (ورشة عمل) لصناعة القنابل في قرية القريّة في البحرين.
وبالفعل، تشكّل الشبكة المتنامية من منشآت صنع القنابل ومخازن الأسلحة إحدى الجوانب الأكثر إثارة للقلق للحملة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران في البحرين. وقد تمّ اكتشاف عددٍ من النشاطات الأخرى المماثلة خلال العام والنصف الماضي:
• في 6 حزيران/ يونيو 2015 اكتشفت السلطات البحرينية مشغلاً لصنع القنابل تحت منزل جديد تمّ فيه تركيب مكبس صناعي قبل بناء المنزل فوقه. واقتضت مهمّة المشغل الرئيسية تصنيع بطانات عبوات خارقة بأحجام ستة، وثمانية، وإثني عشر بوصة، وهي الأقراص المجسّمة التي تعطي الأجهزة مفعولها الخارق للدروع. ولدى اكتشافه، كان المشغل ينتج عبوات ناسفة دقيقة جدّاً بحسّاسات تحت حمراء سلبية (تُستخدم لإطلاق الجهاز عند مرور المركبات) ومفاتيح أسلحة توجّه بالراديو (لتشغيل الحسّاسات). كما حاول المقاتلون المحلّيّون إرسال عدد من هذه الذخائر المتطوّرة إلى المملكة العربية السعودية برّاً في أيّار/ مايو المنصرم.
• في 15 تمّوز/ يوليو 2015 ، اعتقلت السلطات قارب سريع كان قد تلقى 43.8 طن من متفجرات “C4“، وتسعة وأربعين مفجّرات، وحامل كرات لأجهزة من نوع “كلايمور” من سفينة داخل المياه الإقليمية للبحرين. وكانت على القارب أيضاً ثمانية بنادق هجومية من طراز “AK-47” واثنين وثلاثين مجلة. وقد أُلقي القبض على شخصين.
• في 27 أيلول/سبتمبر 2015، اكتشفت قوّات الأمن منشأةً أخرى لصناعة القنابل في النويدرات احتوت على 1.4 طن من مواد “السي فور (C4)”، و “الآر دي أكس (RDX)” و “التي أن تي (TNT)” المتفجّرة، بالإضافة إلى كميّات كبيرة من السلائف لتطوير متفجّرات محلية الصنع تقوم على نترات الأمونيوم. كما اكتشفت في الموقع نفسه مكبس صناعي منتج لعبوات ناسفة، ومكوّنات عبوات ناسفة، وست قنابل أنبوبية كبيرة، ورؤوس حربية من نوع “كلايمور”، وقنبلة على شكل مطفأة حريق، وعدداً من أسلحة الهاون وقاذفات الصواريخ يدوية الصنع، وأربعة بنادق هجومية من طراز “AK-47“، وأربعة مسدّسات، وعشرين قنبلة يدوية.
• في كانون الأوّل/ ديسمبر 2016، هربت مجموعة من الرجال المسلّحين ببنادق “AK-47” من قوّات الأمن بعد أن تمّ إيصالهم إلى البحرين في إحدى المراكب. وتمّ تعقّب السيّارة التي هربوا بها إلى عنوان اكُتشف فيه مشغل جديد. واحتوى الموقع على صواعق وتجهيزات أخرى لصنع القنابل حمل بعضها بصمات شخص مطلوب للعدالة لتنفيذه تفجيرات وحرائق سابقة. وكان شخصان مرتبطان بالمنزل قد سافرا إلى إيران في الشهر السابق لمدة عشرة أيّام. بالإضاف إلى ذلك حمل مركباً مسجّلاً تحت العنوان نفسه، جهاز نظام تحديد المواقع الذي أظهر قيامه بالعديد من الرحلات إلى المياه الإيرانية تعود إلى شباط/فبراير 2015.
إنّ استيراد تجهيزات وخبرات في التفجيرات على الطرقات قد أحدث تحوّلاً تدريجياً في مستوى الخطر الإرهابي داخل البحرين. فقبل عام 2011، لم تشهد الجزيرة سوى القليل من تفجيرات الحرائق [المفتعلة] و”القنابل الصوتية” المحدثة للارتجاج، التي لم تسبّب تقريباً أي حالة وفاة. لكن منذ عام 2012، وقع 24 تفجيراً إرهابياً على الأقلّ تسبب بمقتل 12 رجل أمن وتشويه 40 آخرين. وفي حين أنّ خسارة سلاح شرطي واحد ربما قد دفعت الحكومة إلى تحويل أحياء بكاملها رأساً على عقب قبل عام 2011، فإنّ بعض المتشددين المسلحين على الأقلّ يملكون اليوم بنادق هجومية تتفوّق على تلك التي تحملها دورية شرطة عادية.
اقتحام السجن
إزاء هذه الخلفية، اعتُبر اقتحام السجن في مركز الإصلاح والتأهيل في “سجن جو المركزي” دليلاً جديداً صادماً على أنّ الخلايا المتطوّرة للمتشددين المسلحين ليست قائمة فقط في البحرين، بل أصبحت ناشطة تدريجياً في عمليّاتها. ووفقاً لوزارة الداخلية، أن ن أنطائرات استطلاع بدون طيار قامت [بجولات استكشاف] لمنشآت السجن قبل وقوع الحادث الذي شمل [إعطاء] رشوة لشخص واحد أو أكثر من العاملين في السجن. وقد تمكّن أربعة أو ستّة مهاجمين من دخول السجن مسلّحين ببنادق هجومية من نوع كلاشينكوف ومسدّسات استخدموها في مواجهة بالأسلحة الناريّة مع حرّاس برج المراقبة. وقد قتلوا أحد الحراس عندما كان يصل لتسلّم مناوبته، ثمّ حاولوا قتل آخر أثناء خروجهم من المنشأة.
وأثناء كتابة هذه السطور كان يجري التحقيق مع أربعة رجال لدعمهم عملية الاقتحام، لكن لم يتمّ القبض على أيّ من الفارّين. وتتراوح أعمار تسعة من المحكومين العشرة الشيعة ما بين 24 و 31 عاماً، أمّا العاشر فهو أكبر سناً بقليل ويبلغ 37 عاماً. وكان ثمانية منهم يقضون حكماً مؤبّداً، في حين كان الاثنان الآخران يقضيان حكماً مطوّلاً أيضاً، وجميعهم بتهمة القتال. وتصف الحكومة البحرينية الفارّ محمد إبراهيم ملا رضي آل طوق، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية وعشرين عاماً بأنه هو من تسبب بتنفيذ الانفجار في 28 تمّوز/ يوليو 2015 الذي أودى بحياة اثنين من رجال الشرطة وجرح ستة أشخاص خارج مدرسة للبنات في سترة. وتصنّف السلطات المحلّية جميع هؤلاء الرجال على أنهم من بين أخطر الإرهابيين المشتبه بهم الذين كانوا في السجن.
إنّ تعقيد عملية اقتحام السجن وقيمة السجناء بالنسبة إلى الشبكات المدعومة من طهران يزيدان من الاحتمالات بأن العملية كانت قد نُفذت بتنسيق إيراني. وتشير السلطات البحرينية إلى الحادثة التي وقعت في كانون الأوّل/ ديسمبر والتي تمّ خلالها مجدّداً إدخال اثنين من المقاتلين المطلوبين خلسةً إلى البلاد في قارب من إيران، بخشيتها من أن ذلك قد يكون مرتبطاً بعملية الهروب من السجن. وعلى نطاق أكثر اتساعاً، تنطوي عملية اقتحام رفيعة المستوى كهذه على تكاليف لا يستهان بها وتحمل مخاطر كبيرة، لذلك إذا كانت طهران متورّطة فيها، فهي ترسل رسالةً قوية إلى المتشددين الشيعة بأنّ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني يهتمّ بأتباعه. ومثل هذا النوع من النجاح يجعل الشبكات الايرانية أكثر مرونة وتحفزاً، مما يزيد من إمكانات التجنيد التي يقومون بها.
وقد تفاقمت مخاوف المنامة بفعل التهديدات الدورية من إيران و«حزب الله» اللبناني، والتي غالباً ما يتمّ إطلاقها كردّ على أفعال معيّنة مثل قيام المملكة العربية السعودية في كانون الثاني/ يناير 2016 بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، أو القمع الكبير التي قامت به البحرين تجاه الشيعة في الصيف الماضي. وفي 19حزيران/ يونيو، أطلق الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، أكثر التهديدات الإيرانية صراحةً ضدّ العائلة المالكة البحرينية منذ ثمانينيات القرن الماضي محذّراً من أنّ الإجراءات التي تتخذها المنامة قد تؤدّي إلى اندلاع “انتفاضة دموية ولن تترك الشعب أمام خيار آخر سوى الإطاحة بالنظام بالمقاومة المسلّحة”. وليس هذا بتهديد باطل – فمداهمات ورش العمل والاكتشافات الأخرى تشير إلى أنّ إيران كانت تضع بالفعل الأساس العملي لانتفاضة مسلّحة قبل وقت طويل من الخطبة المسهبة العنيفة التي أدلى بها سليماني في الصيف الماضي.
وتخشى الحكومة اليوم من احتمال استعداد الجماعات الشيعية المتطرّفة المدعومة من إيران والموجودة في الجزيرة لتصعيد الأعمال العدائية إلى مستوىً جديد. ولدعم هذه الحجة، تشير السلطات البحرينية إلى أفراد مثل هادي المدرسي، وهو رجل دين عراقي شيعي متطرّف قاد محاولة الانقلاب في عام 1981 من قبل “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين” التي ترعاها إيران. وفي مرحلة ما من العام الماضي، التقى المدرسي على ما يبدو مع الميليشيات الشيعية العراقية “للبحث في تصعيد العمل العسكري في البحرين في عام 2017”.
تحقيق توازن بين الأمن وحقوق الإنسان
قبل وقت طويل من اقتحام “سجن جو المركزي”، حدّدت وزارة الداخلية و”جهاز الأمن الوطني” في البحرين أنّ أحد الإصلاحات التي وافقت الحكومة على تنفيذها، وهو التخفيف من سلطات التوقيف والاستجواب، بناءً على طلب “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق” شكّل تحدّيات استثنائية في مجال مكافحة الإرهاب. وفي ظلّ هذه الإصلاحات، لا يحقّ لعنصر “جهاز الأمن الوطني” سوى تمرير أسئلة مكتوبة إلى ضبّاط الشرطة أثناء استجوابهم للإرهابيين المشتبه بهم. ولا يحق للعنصر متابعة إجابات المشتبه بهم، على الرغم من أنّ نوع المعلومات الاستخباراتية التي يسعى الجهاز إلى الحصول عليها (المعلومات المالية، وأنماط السفر، وشبكات الشُركاء) لا تتمّ تغطيتها خلال الاستجواب الجنائي المعتاد الذي تقوم به الشرطة، التي ينحصر هدفها عادةً بإدانة المتّهم المعني، وليس جمع المعلومات الاستخبارية.
ووصف “جهاز الأمن الوطني” ووزارة الداخلية هذا التغيير بأنه يشكل العائق الأكثر خطورة أمام قدرتهما على جمع معلومات استخباراتية في الوقت المناسب في قضايا مكافحة الإرهاب، لا سيما في الوقت الذي كان فيه خطر المتشددين في البحرين آخذ في الازدياد بشكل ملموس. ومنذ أن تمّ التوصل إلى الاتفاق النووي من قبل مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» في عام 2015، يقول مسؤولون بحرينيون إنّ بلادهم شهدت زيادةً حادّة في النشاطات العسكرية التي ترعاها إيران، من بينها سفر المزيد من البحرينيين إلى برامج التدريب في إيران والعراق. كما يشيرون إلى ارتفاع في نشاط العناصر المرتبطة بجماعات مثل “كتائب العشتار” و”كتائب المختار” منذ الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر، مدّعين أنّ إيران أرادت تسريع وتيرة العمليّات خلال الفترة الانتقالية ما بين الإدارتَين (وقد أشار بعض المسؤولين المحلّيين أيضاً إلى أنّ طهران قد تعتبر ترامب مزاجياً ولا تريد تحدّيه منذ البداية). وهذه العوامل مجتمعة، قد تفسّر سبب قيام المنامة بتعديل إصلاحات “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق” بعد اختراق “سجن جو المركزي”، الأمر الذي يسمح لـ “وكالة الأمن القومي” باستجواب الإرهابيين المشتبه بهم مباشرة لأغراض استخبارية.
وعلى الرغم من أنه قد يكون لواشنطن مبرراً لرؤية هذا التعديل المعقول بنظرة إيجابية، يتعيّن عليها أن تشدّد أيضاً على حاجة البحرين إلى تنفيذ التغيير بطريقة تعالج المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد أبرزت منظّمات مختلفة مشاكل موثّقة جيدّاً حول التزام الجزيرة بحكم القانون في تحديد ما يشكّل قضية متعلقة بمكافحة للإرهاب وحماية المشتبه بهم من سوء المعاملة أثناء الاحتجاز. وقد يكون تأمين مصادقة أمريكية قوية بل مؤهّلة بشأن الخطر الذي تواجهه البحرين، ذو فائدة أكبر من إصدار تحذيرات مبهمة، كما فعلت إدارة أوباما في أيلول/ سبتمبر 2016 عندما هدّدت بتقييد قدرة حصول الجزيرة على مقاتلات “F-16” وتحديثاتها الأمريكية الصنع بقيمة 3.8 مليار دولار. وهذا صحيح بشكل خاص نظراً لاستعداد البحرين المتواصل لأن تكون قاعدة للأسطول الخامس الأمريكي.
وفي الوقت نفسه، على المنامة أن تفهم أنّها خلقت لنفسها فجوةً فيما يتعلق بمصداقيتها من خلال معاملتها للمتظاهرين وأصحاب المهن الطبية كـ “إرهابيين” ولومها إيران على جميع الاضطرابات الداخلية، سواء كانت عنيفة أم لا. ولا يبدو أنّ التحديات الأمنية الحقيقية جداً التي تواجهها الجزيرة تبرّر محاكمة الناشط في مجال حقوق الإنسان نبيل رجب بسبب تعليقات نشرها على موقع “تويتر” ينتقد فيها العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، على سبيل المثال، أو قطع خدمة الإنترنت عن المجتمع بأكمله في قرية الدراز لمجرّد أنّ المرشد الروحي المرتبط بجمعية “الوفاق” الممنوعة والذي جرد مؤخراً من جنسيته، عيسى قاسم، يسكن فيها. وفي المرحلة القادمة، يتعين على الحكومة أن تعمل بجهد لكي تُظهر التزاماً أكثر وضوحاً بسيادة القانون، والتمييز بين المتظاهرين والإرهابيين والتعامل مع كل منهم وفقاً لذلك. ويُظهر ميزان الأدلة أنّ إيران تعمل بجهد كبير من أجل اضمحلال الاستقرار في البحرين: وليست هناك ضرورة لأن تقوّض المنامة هذه النظرية المثبتة من خلال خلافات مرتبطة بحقوق الإنسان تسببها لنفسها.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن