الرياض – دخلت التوازنات المالية السعودية مرحلة جديدة حين أظهرت بيانات الربع الأول من العام الحالي أن الحكومة لم تلجأ للسحب من احتياطاتها المالية الأجنبية لتغطية العجز في الموازنة.
وأكدت البيانات تحسّن الأوضاع المالية السعودية بسبب ترشيد الإنفاق والإصلاحات وارتفاع عوائد صادرات النفط، الذي مكّنها من خفض العجز بنسبة 71 بالمئة بمقارنة سنوية.
وموّلت الحكومة العجز في الربع الأول من العام الجاري بالكامل بأموال من ودائعها الحالية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) بدلا من بيع المزيد من الأصول الأجنبية.
وسمح بذلك التحسن المالي بشكل أساسي، الزيادة في أسعار النفط الذي استقر بين 50 و55 دولارا للبرميل في الربع الأول، وهو مستوى يبلغ نحو مثل ما كان عليه في يناير 2016 تقريبا.
وبعدما هبطت أسعار النفط في منتصف عام 2014 وقادت الموازنة السعودية باتجاه تسجيل عجز، بدأت الرياض في تسييل أصول كانت يملكها المركزي في الخارج لسداد فواتيرها.
وقال هندي السحيمي، وكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية والتنظيم، إن “الربع الأول لم يشهد استخدام أي أداة دين ولا سحبا من احتياطيات الدولة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي”.
جون سفاكياناكيس: نحن بحاجة لنرى ما يحدث في الجانب المتعلق بالصادرات غير النفطية
وتأتي قدرة الحكومة على وقف عملية السحب النقدي من احتياطاتها المالية كثمرة أولى من ثمرات السياسة الاقتصادية الجديدة التي تطبقها حاليا ومدى قناعتها بالخطر الذي كان يكمن في انتهاء الاحتياطات خلال السنوات الخمس المقبلة لو استمر السحب.
واعتبر محللون أن هذه النتائج تؤكد صلابة ونجاعة برنامج التحول الاقتصادي الذي اتخذته الحكومة بعد عام من إطلاقه ضمن “رؤية السعودية 2030” التي تهدف لتنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط.
وأشاروا إلى أن البيانات الجديدة بددت مخاوف الأسواق رغم تقلص الأصول الأجنبية المباشرة إلى 501 مليار دولار في مارس الماضي، مقارنة بمستوى ذروة بلغ 737 مليار دولار في أغسطس 2014.
وقال وزير المالية محمد الجدعان إن “تقليص العجز مشجع جدا”، رغم أنه لا يتوقع نتائج مشابهة للفصول الأخرى من هذا العام.
وهذه المرة الأولى التي تنشر فيها الحكومة بيانات تفصيلية لأوضاعها المالية الفصلية، مؤكدا على زيادة الرغبة لدى الحكومة في زيادة الشفافية من أجل كسب ثقة المستثمرين.
وخفّت الضغوط على الأوضاع المالية الحكومية كذلك بعد الاقتراض من الخارج حيث طرحت باكورة إصداراتها من السندات السيادية الدولية بقيمة 17.5 مليار دولار العام الماضي وصكوكا بقيمة 9 مليارات دولار الشهر الماضي.
وواصلت الأصول الأجنبية الصافية للسعودية الهبوط حيث انخفضت بواقع 102.3 مليار ريال (27.3 مليار دولار) في الربع الأول، بحسب بيانات البنك المركزي.
لكن مع توقف الحكومة عن اللجوء للأصول الأجنبية لتمويل العجز يقول محللون إن الانخفاض نتج عن نشاط القطاع الخاص حيث بادلت الشركات والبنوك السعودية الريالات لتسوية التزامات في الخارج.
وكان الجدعان قال من قبل إن “العجز ستجري تغطيته قدر المستطاع من خلال إصدارات دين محلية وخارجية في المستقبل وإن السحب من الاحتياطي سيكون ملاذا أخيرا فقط”.
هندي السحيمي: الربع الأول لم يشهد استخدام أي أداة دين ولا سحبا من احتياطيات الدولة
وبلغت العائدات النفطية 30 مليار دولار في الربع الأول ارتفاعا من 13.9 مليار دولار العام الماضي، بينما زادات الإيرادات غير النفطية 1 بالمئة وانخفضت المصروفات 3 بالمئة بفضل تقليص الإنفاق إلى 45.3 مليار دولار ومن بين ذلك انخفاض بدلات موظفين الحكومة 5 بالمئة، وهو أكبر بند إنفاق حكومي.
وقال جون سفاكياناكيس مدير مركز الخليج للأبحاث بالرياض “إلى الآن هو عام جيد للنفط ومن ثم قفزت الإيرادات 115 بالمئة. في الوقت ذاته نحن بحاجة لنرى ما يحدث في الجانب المتعلق بالصادرات غير النفطية”.
وستظهر إيرادات أخرى غير نفطية في الربعين الثالث والأخير من هذا العام بما في ذلك رسوم مزمعة سيبدأ جمعها في يوليو المقبل، بحسب الجدعان.
وسيشهد صندوق الاستثمارات العامة إيرادات في الربع الأخير بعد التوزيعات النقدية من الشركات التي يمتلك استثمارات فيها.
وكانت خطط نشاطات الصندوق محور الخطط التي أعلن عنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حوار مع التلفزيون السعودي مطلع هذا الشهر. وأكد فيها أن الصندوق سيضخ استثمارات قيمتها نصف تريليون دولار في الاقتصاد المحلي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأشار إلى أن الصندوق سيخلق إيرادات مالية تحول إلى خزينة الدولة وتسهم في العديد من القطاعات غير النفطية بهدف تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على عوائد النفط.
العرب اللندنية