الباحثة شذا خليل*
تمثل زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية لحظة مهمة في جهود إعادة بناء وتعزيز العلاقة التاريخية الوثيقة بين الرياض وواشنطن. وبالنسبة للسعودية، لا تُعد هذه الزيارة مجرد رمزية، بل تُعد خطوة نحو إعادة تأكيد الشراكة القوية مع أقدم حليف غربي لها، خاصة بعد سنوات من الفتور خلال إدارة الرئيس جو بايدن.
تحالف تاريخي قوي
تربط السعودية والولايات المتحدة شراكة استراتيجية تمتد لأكثر من ثمانية عقود، تقوم على المصالح المشتركة مثل الطاقة والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي. وقد كانت العلاقة وثيقة بشكل خاص خلال فترة حكم ترامب، حيث ركزت إدارته على صفقات الأسلحة، والتعاون في مكافحة الإرهاب، واتخاذ موقف حازم ضد إيران، الخصم الإقليمي للمملكة.
وعلى النقيض من ذلك، شهدت العلاقات بعض التوترات خلال فترة بايدن، حيث اتخذت إدارته موقفًا أكثر انتقادًا تجاه المملكة، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والحرب في اليمن. وقد أدت إعادة تقييم العلاقات الأمريكية السعودية إلى علاقة أكثر حذرًا ومعاملة متبادلة قائمة على المصلحة، مع توترات واضحة عقب تصريحات بايدن السابقة بشأن “نبذ” السعودية خلال حملته الانتخابية في 2020.
لماذا تعتبر زيارة ترامب مهمة؟
تُنظر القيادة السعودية إلى زيارة ترامب كفرصة لإعادة ضبط نغمة العلاقات مع الولايات المتحدة، واستعادة الشعور بالشراكة المبنية على الاحترام المتبادل والتوافق الاستراتيجي. ويُظهر استعداد ترامب للتواصل الإيجابي مع القيادة السعودية تباينًا واضحًا مع موقف بايدن الأكثر تحفظًا وانتقادًا.
ومن وجهة نظر الرياض، فإن التواصل مع ترامب – الذي قد يعود ليكون شخصية رئيسية في السياسة الأمريكية – يُظهر رغبة في الحفاظ على قنوات قوية مع الشخصيات المؤثرة في الولايات المتحدة بغض النظر عن من يشغل البيت الأبيض حاليًا. وتُعد هذه خطوة محسوبة لضمان بقاء المصالح السعودية محمية من خلال علاقات سياسية وشخصية قوية.
آثار إقليمية ودولية
ترسل زيارة ترامب إلى المملكة أيضًا رسالة إلى لاعبين دوليين آخرين. فهي تعزز نية السعودية في تأكيد مكانتها كفاعل رئيسي في الشرق الأوسط، ليس فقط في أسواق الطاقة، بل أيضًا في مجالات الدبلوماسية والأمن. وفي ظل حالة عدم الاستقرار العالمي، بما في ذلك التوترات في البحر الأحمر، والصراع في غزة، وتغير سياسات الطاقة، فإن تعزيز العلاقة السعودية الأمريكية يمكن أن تكون له آثار واسعة النطاق في المنطقة.
وقد تُفهم الزيارة أيضًا على أنها رسالة استراتيجية موجهة إلى إيران وحلفائها. فمن خلال إظهار تجدد العلاقة مع شخصية أمريكية بارزة، تُظهر السعودية نيتها في الحفاظ على مظلة أمنية قوية بدعم أمريكي، بغض النظر عن السياسات الحالية للإدارة الأمريكية.
خلاصة
إن زيارة ترامب للسعودية أكثر من مجرد مجاملة دبلوماسية؛ إنها محاولة واضحة لإعادة بناء علاقة كانت وما زالت حيوية للطرفين. وبالنسبة للسعودية، تعكس هذه الزيارة رغبة في العودة إلى شراكة أكثر تعاونًا واستقرارًا، تقوم على أهداف استراتيجية مشتركة. سواء عاد ترامب إلى السلطة أم لا، فإن تأثيره المستمر في السياسة الأمريكية يجعل من هذه الزيارة عاملًا مؤثرًا في تشكيل مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية