دعا السيد حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، في خطابه الأخير إلى استقدام عشرات الآلاف من المجاهدين إلى لبنان من أنحاء العالم العربي والإسلامي «من العراق ومن اليمن ومن كل مكان آخر ومن إيران وأفغانستان ومن باكستان»، وتابعه نائب للحزب في البرلمان، نواف الموسوي، بدعوة الحرس الثوري الإيراني و«الحشد الشعبي» العراقي و«القوى السورية الشعبية وكل مناضل عربي وقف إلى جانب القيادة السورية» للقتال معاً في لبنان صفاً واحداً.
أحد الردود المفاجئة على الخطاب المذكور كانت عنواناً رئيسياً في جريدة لبنانية مرموقة بعنوان: «اللبنانيون يتناقصون… والسوريون يتزايدون»، وهو ردّ يستهدف عمليّاً اللاجئين السوريين في لبنان ويندد بزيادة عدد مواليدهم وفتوّتهم فيما يتجاهل تماماً كل المدعوّين الآخرين للقتال «صفّا واحدا» في لبنان.
ما تقوله تصريحات مسؤولي «حزب الله» هو أن سقوط تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» قد فتح الطريق عمليّاً لصعود «الحشد الشعبي في العراق وسوريا… ولبنان»، أو بمعنى آخر، انفتاح الطريق البرّي من طهران مروراً بدمشق ووصولاً إلى بيروت.
التصريحات الأخيرة يمكن فهمها بحرفيّتها، بما هي دعوة للإجهاز على ما تبقى من السيادة المهتوكة للدولة اللبنانية، أو باعتبارها جزءاً من توازن الرعب والتهديد بين تل أبيب، التي قالت إن حرباً جديدة ضد لبنان ستكون أكبر بكثير مما سبقها، و«حزب الله»، الذي يقول إن الحرب معه لن تكون مع بيروت فحسب بل مع كل الميليشيات الشيعية من لبنان حتى أفغانستان؛ أو، باختصار، إعلان من إيران أنها أقوى من المخططات الأمريكية ـ العربية لتحجيم نفوذها المتصاعد في المنطقة العربية بعد الخلاص من العدو المشترك للجميع: تنظيم «الدولة الإسلامية».
لكن تفاصيل صغيرة في هذه اللوحة الكبرى المعقدة تفضح البراغماتية الوحشية للمعارك الجارية على أرض العرب والتي تستخدم الرايات المقدّسة لآل الرسول وأسماء الله ودعوات تحرير فلسطين و«المقاومة»، من جهة إيران وميليشياتها وقوّات بشار الأسد والحوثيين وعلي صالح، أو التصدّي للسلاح النووي الإيراني ونفوذ قم والميليشيات الطائفيّة الشيعية وللتكفيريين والإرهابيين، حسب سرديّات بعض خصومهم الألدّاء.
من تفاصيل هذه البراغماتية الوحشية والعنصرية المعمّمة واحتقار البشر، بما هم بشر، ما يحصل للمهجرين والنازحين وسكان المخيمات وأهالي المناطق المحاصرة والمجوّعة والمقصوفة بكافة أشكال الطيران من سوريين وعراقيين، كما يحصل لفقراء اليمن الذين يعانون من وطأة الكوليرا والفقر والقصف والحصار.
فـ«حزب الله» الذي اعترف أمينه العامّ مؤخراً بأن ثورات الربيع العربي كانت حقيقية وليست «مؤامرة إسرائيلية» (كما كان يردد على مدى سنوات)، لا ينفكّ يرعى ويبجّل ويبرّر عمليات التنكيل البشعة التي يقوم بها الجيش اللبناني ضد مخيّمات اللاجئين السوريين وقد اعتبر أن جولتها القمعية الأخيرة هي لحماية أمن الحدود اللبنانية.
وجحافل المقاومين الذين يدعوهم لمشاركته شرف قتال العدو الإسرائيلي في لبنان هم أنفسهم الذين اشتهر بعضهم بشيّ البشر وتقطيعهم والتمثيل بجثثهم واعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من شباب الأنبار والموصل.
وعلى المقلب الآخر صار معروفاً وذائعاً خبر السجون الرهيبة التي تشرف عليها الإمارات في اليمن وهناك روايات تقشعر لها الأبدان عن الممارسات التي تجري فيها.
في هذه الأحداث كلّها تكتشف جامعاً واحداً يجمع المنفّذين ويجعل «نضالهم» كلهم، رغم اختلاف الشعارات، يصبّ في الأهداف نفسها: تأبيد الاستبداد والطغيان ومنع التغيير المدني والديمقراطي وتصعيد الغرائز الوحشية والطائفية.
القدس العربي