أصبح لدينا أول قاضٍ فيدرالي مؤكد عبر «تويتر»؛ القاضي دون ويليت من محكمة الاستئناف الأميركية بالدائرة الخامسة. وفي الوقت الحاضر، هناك أكثر من 500 متخصص بالمجال القانوني؛ شباب وكبار في السن، بجانب محامين، يستخدمون «تويتر» للتعليق والتحليل والمناقشة حول أمور قانونية. وعليه، يبدو أن الوجه القانوني لـ«تويتر» يزدهر.
إلا أن التساؤل هنا: هل «تويتر القانوني» أمر جيد؟ ومع أن هذا التساؤل يجوب أرجاء «تويتر»، فإنه لم يجد إجابة شافية بعد.
وتكمن أهمية هذا التساؤل في أن أساتذة القانون يضطلعون بخدمة عامة، فهم يعكفون على صياغة معاني القوانين قبل نقلها إلى المحاكم، بجانب أنهم يشرحون القوانين أمام العامة. وإذا ما اضطلعوا بعملهم على نحو رديء، فإن المنظومة القانونية تتضرر جراء ذلك.
أما بالنسبة لما إذا كان ينبغي لهذا الجدال أن يدور عبر «تويتر» من الأساس، فإن طبيعة النقاش تسهم في توضيح الإجابة، ذلك أن «تويتر» يعد وسيبقى سبيلاً رائعاً لربط الناس بحجج منطقية ومناقشات بناءة. إلا أن الحقيقة تظل أنه حتى في صورته الموسعة التي تسمح بكتابة «تغريدات» من 280 «وحدة»، لا يزال «تويتر» سبيلاً غير مرض لعقد نقاش قانوني.
الواضح أن «تويتر» يتوافق مع الكتابات الموجزة المكثفة، من عينة «فلان على صواب» أو «فلان على خطأ». وعادة ما تكون هذه بداية جدال قانوني، لكنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح لب هذا الجدال، خصوصاً أن النقاشات القانونية لا يمكن أن تقوم لها قائمة من دون الانغماس في التفاصيل الدقيقة.
إضافة لذلك، فإن «تويتر» لا يضفي في حقيقة الأمر طابعاً ديمقراطياً على الخطاب القانوني أو يعززه، ذلك أن كثيراً من التغريدات القانونية تبدو غير مفهومة حتى للخبراء.
ودعوني أوضح هنا أنني لا أشكو من «تويتر» بوجه عام، فأنا شخصياً أستخدمه أكثر من أي وسيلة تواصل اجتماعي أخرى، وذلك لأغراض متنوعة؛ منها نشر مقالاتي التي أنشرها عبر «بلومبيرغ فيو». وربما لا يبدو هذا سلوكاً مثالياً عبر «تويتر»، لكنه بدا لي أخف وطأة من إرسال مقالاتي عبر البريد الإلكتروني إلى قائمة بريدية.
كما أنني لا أعتقد أنه ينبغي خضوع أساتذة القانون لأي قواعد خاصة بهم عبر «تويتر»، فهم ليسوا أفضل ولا أسوأ من أي فئة أخرى، سواء كانوا أكاديميين أم غيرهم.
الحقيقة أن الواقع العام للموقع جيد بما يكفي، لأنه يجبرنا جميعاً على التزام الصدق: ما تكتبه عبر «تويتر» يراه الجميع، وإذا جعلت من نفسك أضحوكة، فإن الجميع سيدركون ذلك.
أما ما يثير قلقي فهو طبيعة النقاشات القانونية التي تجري عبر الموقع بمعدل متزايد، ذلك أن هذه النقاشات تتعرض للتشويه بسبب محدودية مساحة التعبير التي يتيحها الموقع.
ولا تتعلق المشكلة بمن يتحدث. في الواقع، معظم النقاشات القانونية التي يشهدها الموقع تدور بين أفراد يمكن تصنيفهم خبراء قانونيين عن حق. وتكشف نقاشاتهم عن معرفة واسعة ومبهرة.
ومع أن جميع هذه العوامل تهيئ الطريق أمام تفاعل مثمر، فإن هذا لا يحدث على أرض الواقع، على الأقل مقارنة بسبل الاتصال الأخرى التي سادت الماضي القريب. منذ عقدين، جرت نقاشات واسعة شبه رسمية بين خبراء قانونيين عبر منتديات، كانت تتيح لهم تفاعلاً عميقاً ومكثفاً، لكن كان الدخول إليها مقتصراً في الجزء الأكبر منه على المتخصصين.
بعد ذلك جاء دور المدونات القانونية التي كانت مخصصة لأساتذة القانون وخبراء قانونيين على نحو أوسع. ورغم أن هذه المدونات كانت محل جدال بين أساتذة القانون منذ 15 عاماً، فإنها تبدو اليوم وسيلة تفاعل جيدة.
ويثير كثير من المدونات القانونية مناقشات تتنوع بين قضايا عامة مثيرة وأخرى فنية للغاية. وعبر المدونات، يتناقش الأعضاء على نحو مكثف ويتبادلون آراء تفصيلية.
على النقيض من المدونات، لا يسمح «تويتر» بمثل هذه المناقشات التفصيلية الموسعة للمفاهيم القانونية المعقدة. وتصعب متابعة الحجج والحجج المقابلة في المناقشات القانونية التي تجري في إطاره.
وعليه، ينبغي أن يكون واضحاً للجميع أن «تويتر» ليس بمكان مناسب لكل شيء؛ مثلاً هو منصة غير ملائمة لشرح الشعر أو كتابة خطابات غرامية، على الأقل ليس بشكل جيد. والمؤكد أن هذا ينسحب كذلك على مناقشة القضايا القانونية.
نوح فيدمان
صحيفة الشرق الاوسط