تحتل الطاقة موقع المركز في حياتنا واقتصادنا وسياستنا وحروبنا، وتعتمد عليها حياتنا وازدهارنا إلى حد بعد. وقد كانت دائمًا، وبمختلف أشكالها، سواء الخشب في القديم أم الفحم أم النفط واليوم المصادر المتجددة، كانت في صلب استراتيجيات الدول الكبرى عبر التاريخ، وسببًا في اشتعال الحروب، فمن يسيطر على مصادر الطاقة يملك أهم مفاتيح السيطرة. ونذكر كيف سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيل قوات التدخل السريع بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 لتحمي منابع النفط في الخليج، حيث كان الخليج يومذاك المركز الأهم للطاقة الأحفورية آنذاك وما زال.
وبالنسبة للدول المصدرة للنفط والغاز اليوم، وبينها دول عربية، فيأخذ مستقبل الطلب على النفط والغاز موقعاً في قلب اهتمامها، فاقتصادها ورفاهها يقوم على صادراته، ويأخذ هذا الأمر أهمية خاصة مع فرضيات تراجع إنتاج هذه الثروة الناضبة، بعد سنوات تطول أو تقصر، لكنها ليست كثيرة على أي حال، وما يطرحه هذا من تحدياتٍ على هذه الدول لتنمية قطاعات اقتصادية بديلة مستدامة، وهي ليست بالمهمة السهلة.
الطلب على إجمالي الطاقة
لا يبدو، حتى سنة 2040، أن ثمة خطرا حقيقيا على الطلب على الطاقة من المصادر الأحفورية (نفط وغاز)، فقد توقع تقرير شركة بريتش بتروليوم BP لسنة 2018 عن مستقل الطاقة في العالم حتى 2040، وهي شركة نفط بريطانية هولندية عريقة لها معرفة عميقة
بوضع الطاقة في العالم ووضع النفط والغاز ومستقبلها، أن يستمر الطلب على الطاقة بالارتفاع خلال فترة التنبؤ بمعدل يراوح بين 0.9% و1.4% كمتوسط سنوي، وسيتزايد بمقدار الثلث تقريبًا حتى 2040، على الرغم من أن الناتج العالمي سيتضاعف، وعلى الرغم من تزايد السكان بنسبة 23%، ويعود ذلك إلى التقدم التكنولوجي وترشيد استهلاك الطاقة.
وتوقع التقرير أن يرتفع إجمالي الطلب العالمي على الطاقة من 13276 مليون طن مكافئ نفطي (Mtoe) سنة 2016 ليصبح 17983 (Mtoe) سنة 2040. وسيبقى النفط والغاز المصدر الرئيس للطاقة في العالم، على الرغم من تراجع حصتها قليلاً مع تزايد أدوار بعض مصادر الطاقة الأخرى، كما أن خريطة المنتجين والمستهلكين ستتغير، خصوصا بتأثير الصين والهند. سيزداد الطلب على الطاقة بسبب زيادة عدد سكان الكوكب بنحو 1.7 مليار نسمة، ليصبح 9.2 مليارات سنة 2040. كما سيدفع النمو الاقتصادي بالطلب على الطاقة نحو الأعلى، وسينمو الناتج المحلي الإجمالي للعالم بمعدل 3% وسطيًا حتى 2040، وسيرتفع من 109 تريليونات دولار سنة 2016 إلى 235 تريليون دولار سنة 2040، أي بنسبة 215.6%. وستتفاوت معدلات نمو السكان ونمو الناتج بين منطقة وأخرى، لكنها ستؤثر على معدلات استهلاك الطاقة. كما أن ارتفاع متوسط دخل الفرد في العالم سيغير تركيب الاستهلاك، ويرفع الطلب على الطاقة. ويتوقع أن يرتفع المتوسط العالمي لدخل الفرد في السنة من 15 ألف دولار للفرد سنوياً في 2016 إلى 26 ألف دولار سنة 2040. وسيتضافر هذا التأثير مع تأثير تزايد عدد سكان المدن بنحو ملياري قاطن خلال الفترة نفسها، وهذا يغير عادات الاستهلاك، ويزيد الطلب على الطاقة.
حتى سنة 2040 ستبقى احتياجات العالم للطاقة، بمختلف مصادرها، تتوزع بين الصناعة بنسبة 45% من الطلب العالمي، تليها احتياجات المباني السكنية والتجارية بنسبة 30%، يليها قطاع النقل بنسبة 19%، وستكون النسبة الباقية 7% لاستخداماتٍ لأغراض غير الحرق، أي للصناعات البتروكيميائية.
من جهة أخرى، ثمّة عوامل كابحة تضبط زيادات الطلب على الطاقة عمومًا، وعلى النفط والغاز من المصادر الأحفورية التقليدية خصوصا، فبسبب ارتفاع كفاءة الآلات نتيجة التقدم التكنولوجي سيصبح استهلاكها للطاقة أقل من أجل أداء العمل نفسه، وستتحسن كفاءة استخدام الطاقة، وستهبط احتياجات إنتاج واحد مليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي من الطاقة من 122 طنا مكافئ طاقة سنة 2016 إلى 77 طنا مكافئ طاقة سنة 2040، أي سيتراجع استهلاك الطاقة بشكل كبير لإنتاج القيمة نفسها من الناتج المحلي الإجمالي. مثلًا ستكون سيارة الكهرباء سنة 2040 أعلى كفاءة بمعدل 70% عما كانت عليه سنة 2000. وسيزداد عدد سيارات الكهرباء (الهايبرد، أي كهرباء ووقود، أو البطارية فقط)، لتصبح سنة 2040 نحو 300 مليون سيارة في العالم. وسيؤثر هذا سلباً على تزايد الطلب على الوقود الأحفوري.
سمير سعيفان
صحيفة العربي الجديد