لم ينجح البيان الختامي لقمة أنقرة بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا في تبديد الخلافات التي ظهرت في التصريحات بشأن وحدة الأراضي السورية ورفض خلق “واقع جديد” داخلها، في إشارة قد يفهم منها رفض الوجود الأميركي بزعم مكافحة الإرهاب، لكن تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني ذهبت إلى اتهام القوات التركية ومطالبتها بتسليم عفرين إلى قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
يأتي هذا فيما لم تخف دول غربية قلقها من نتائج القمة ليس فقط على مستقبل سوريا، بل بسبب خلق تكتل إقليمي جديد قد يستهدف مصالحها ما حدا بوزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، نيلس آنن، إلى وصف اللقاء الثلاثي بأنه قمّة حرب.
ونقل التلفزيون الإيراني عن روحاني قوله إنه يجب تسليم منطقة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية وحلفاؤها من المعارضين السوريين إلى الجيش السوري، مشددا على أن بلاده تعتقد بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية وتعتبر ضمان استقلالها أولوية لها، في إشارة واضحة إلى رفض خيارات تركيا الهادفة إلى خلق منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتثبيتها كأمر واقع.
وقال متابعون للشأن السوري إن الضغط الروسي على طهران وأنقرة يمكن أن يكون السبب الذي دفعهما إلى تبني البيان الختامي وتوجيهه لنقد دور واشنطن والجماعات المتحالفة معها. لكنهم تساءلوا عن مدى قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التحكم بمزاج حلفائه، مشيرين إلى أن إيران تريد المحافظة على سيطرة الأسد على كامل سوريا لتسهيل تحكمها بسوريا المستقبلية، فيما تكافح تركيا لخلق واقع جديد في ظل الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو وغياب توافق دولي حول شكل الحل السياسي.
واعتبر مراقبون أن الاجتماع يأتي لتنظيم تواجد القوى العسكرية الثلاث داخل مناطق النفوذ الحالية في سوريا، غير أن ما تسرب من معلومات يعكس تباينا في المواقف وسعيا لمحاولة تدوير الزوايا على طريق الاهتداء إلى تسوية سلمية للصراع.
وأضاف هؤلاء أن تشديد البيان المشترك على “الحل السياسي” يؤكد اقتناع الزعماء الثلاثة بأنه لا يمكن البناء على ما تحقق عسكريا في الغوطة الشرقية وعفرين لفرض أمر واقع سياسي في سوريا. ويلفت المراقبون إلى أن ما أنجز عسكريا قد يفاقم من تباينات الدول الثلاث حول صفقة تضمن مصالحها الاستراتيجية في سوريا.
ورأت مصادر دبلوماسية أن القمة الثلاثية لم تكن هي المهمة والدليل قصر مدتها مقارنة بالقمم الثنائية التي جمعت الرئيسين الإيراني والتركي، والرئيسين الروسي والإيراني، وقبل ذلك بيوم واحد قمة الرئيسين الروسي والتركي.
ولفتت مراجع دبلوماسية عربية إلى أن القمة تعيد تأكيد احتكار عملية أستانة التي ترعاها الدول الثلاث لأي حل في سوريا، إلا أن هذه المراجع تلحظ أن مداولات الرؤساء الثلاثة جرت على خلفية النقاش الحاصل في الولايات المتحدة حول مسألة وجود القوات الأميركية في سوريا وعلى قاعدة غموض موقف الاتحاد الأوروبي من مستقبل أي تسوية ممكنة في هذا البلد، خصوصا أن وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، اعتبر أنها “قمة حرب في الواقع″، يشارك فيها المنخرطون في الحرب دون الأخذ بعين الاعتبار الكارثة الإنسانية في هذا البلد.
وذكر آنن أن اجتماعات الرؤساء الثلاثة مخيبة للآمال حتى الآن، حيث أنها لا تساهم في التوصل إلى حلول سياسية.
ورغم الفشل في التكتم على الخلاف الإيراني التركي، فإن التحالف الثلاثي سعى للضغط على الولايات المتحدة ودفعها إلى تسريع انسحابها من مناطق سيطرتها في شرق سوريا، مستفيدا من ارتباك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإطلاق تعهدات باقتراب موعد انسحابها من سوريا، وما يعنيه من رفع الغطاء عن المجموعات الكردية المتحالفة معها، ما يجعلها عرضة للانتقام التركي، فضلا عن إضعاف وضعها في مفاوضات الحل السياسي.
ويبدو أن إدارة ترامب قد استشعرت خطر تلويحها بالانسحاب، رغم حصول شبه إجماع على كونه مناورة في التوقيت الخطأ، فأطلقت تصريحات جديدة لإشعار قمة أنقرة بأنها لا تزال موجودة في سوريا، وأنها لن تخلي الساحة بشكل كامل.
وقال مسؤول أميركي كبير، الأربعاء، إن ترامب وافق في اجتماع لمجلس الأمن القومي، الثلاثاء، على إبقاء القوات الأميركية في سوريا لفترة أطول، لكنه يريد سحبها في وقت قريب نسبيا.
وأضاف المسؤول أن ترامب لم يقرّ جدولا زمنيا محددا لسحب القوات. وقال إنه يريد ضمان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية ويريد من دول أخرى في المنطقة بذل المزيد من الجهود والمساعدة في تحقيق الاستقرار في سوريا.
وتابع المسؤول “لن نسحب (القوات) على الفور لكن الرئيس ليس مستعدا لدعم التزام طويل الأجل”.
ولم يكن التراجع الأميركي عن الانسحاب من سوريا سوى رسالة إلى الدول الثلاث بأن تصريحات ترامب فهمت بشكل خاطئ، وأن واشنطن وحلفاءها لديهم المزيد من الأوراق للعبها، من بينها إثارة جرائم الحرب التي يتهمون بها الرئيس السوري، فضلا عن إعادة تحريك ورقة دعم الأكراد دبلوماسيا وعسكريا.
وتوعدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، الأربعاء، بمحاسبة المسؤولين بعد عام من الهجوم بغاز السارين في بلدة خان شيخون المنسوب إلى نظام الأسد.